أوضح الأديب عبدالفتاح أبومدين أن نادي جدة الأدبي غامر خلال توليه رئاسة مجلس إدارته بتبني الحداثة وخاض غمارها، وقال إنه لم يرَ أحداً تشجع وخاض فيها إلا نادي جدة؛ الذي واجه الصراعات والمعارك الطاحنة، مشيداً بدور كل من الدكتور عبدالله الغذامي والدكتور عبدالعزيز السبيل وسواهما. وأضاف في حوار مع «الحياة»: «الذين قالوا إن ما قدمناه غير متقن لماذا لم يتشجعوا؟». ولفت إلى أن الأندية الأدبية توشك أن تنطوي على نفسها وأنها مكبلة بالقيود، داعياً إلى أن تعامل كالصحافة... إلى تفاصيل الحوار: طرحت أخيراً كامل أرشيف مجلة «الرائد»، التي كنت تترأس تحريرها، كيف ترى اليوم واقع المجلات التي تصدر وتعنى بالشأن الاجتماعي والسياسي والثقافي في شكل عام، وماذا عن «الرائد؟ - إن المجلات التي تعنى بالشؤون الاجتماعية والسياسية والثقافية تراجعت، ذلك أن الوسائل الأخرى التي كثرت وشاعت مثل «الإنترنت» وفيسبوك» و«تويتر» وما إليها من معطيات العصر المختلفة، زاحمت تلك الوسائل الورقية وأثرت فيها، ووسائل الإعلام المتعددة في زمن طويت فيه المسافات مما أطلقنا عليه - عصر السرعة - إنها أغيار الحياة في شتى شؤونها وشجونها! أما مجلة «الرائد» فانطوت مع لداتها في زوايا التاريخ! ولا يسأل عنها إلا ذوو التاريخ الأدبي والصحافي من الدارسين والباحثين وذوي الشوق القديم كما قيل. كانت المجلات التي يصدرها نادي جدة الأدبي في عهدك مميزة وتحظى بالإقبال على مستوى العالم العربي، لكن اليوم بشهادة الكثير تراجعت هذه المجلات، وأيضاً انحسر الإقبال عليها، ترى ما السر في ذلك؟ - مجلات النادي الأدبي الثقافي في جدة أتيح لها زمن أستطيع القول إنه ذهبي؛ ولعل مرد ذلك أنه كان في ساحات الوطن العربي عدد من العمالقة من المثقفين والكتاب؛ وقد مضى أكثرهم، فكان الانكماش والضمور، وتعقدت الحياة وهمومها، وتراجع التعليم في الوطن العربي، وفي مقدم الذبول «ضمور» اللغة العربية! وما زال التعليم تلقيناً وحفظاً وسوء مناهج وحشو أدمغة معطّلاً؛ ومع ذلك لا نفتأ نردد ليل نهار أننا نسير في الاتجاه السوي! والتعليم الحق: معلم وكتاب، وكلاهما «يعكّز»! عُرف عن عبدالفتاح أبومدين أنه ناقدٌ حرٌّ فمن أين يستمد هذه الحرية؟ - إن النجاح في الحياة عون الله وتوفيقه. وأصدقك القول إنني «حاطب ليل» كما يقال! وحسبك أن تعلم أنه مضى من عمري في النادي الأدبي الثقافي «ربع قرن» لم أقرأ فيه كتاباً، وهذا بالنسبة إليّ «خسارة» ولكني لست نادماً! ذلك أنني أديت ما استطعت على رغم الظروف الصعبة التي مررت بها ومرّت بي، فالحمد لله على فضله وإحسانه... والعمل عبادة وأمانة ومسؤولية وعشق وإخلاص، هكذا أفهمه وأراه؛ وأعي قول الله تعالى: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً)، والإنسان يجتهد ويكد ويعمل ويصدق، ثم يدع الأمر لله. وتقصير بعض الناس أن الزمن عندهم ليس قيمة! وحباني ولي نعمتي بخاصية «القلق»، الذي يدفع بصاحبه ألا يؤخر عمل اليوم إلى الغد. والحرية يا صاحبي تؤخذ ولا تمنح بالقياس إلى حياة البشر بعامة! عبدالفتاح أبومدين وبضعة وعشرون عاماً وهو رئيس النادي الأدبي.. وفي عهده كانت الحداثة في أوجها ولكن البعض يقول إنها «حداثة غير متقنة» فما رأيك؟ - في «الحداثة» وشؤونها وشجونها غامر نادينا بجدة وخاض غمارها؛ ولم نرَ أحداً تشجع وخاض فيها إلا نادي جدة؛ وقد لاقي في شأنها صراعات ومعارك طاحنة؛ ولكننا في نادي جدة صابرنا وقاومنا وتثبتنا وتحملنا؛ وكان عضدي بعد الله رجلاً شجاعاً قوياً صادقاً؛ إنه أخي الدكتور عبدالله الغذامي؛ ولولاه بعد الله ما قاومت ولا ثبت... وعلى رأيك؛ فالذين قالوا إن ما قدمناه غير متقن، وأقول: لماذا لم يتشجعوا يومها ويقدموا ما يظنون أنهم يحسنون ممن لم يعجبهم عملنا؟ لو فعلوا لقبّلنا جباههم وشكرناهم! غير أنهم يبدو أنهم لا يحسنون، وقبل ذلك الخوف والهروب، فاختاروا أن يكونوا من المتفرجين! وفي بالي قول الشاعر القديم: سقيناهم كأساً سقونا بمثلها/ ولكنهم كانوا على الموت أصبرا». كنا نعمل ولا نعلن ولا قلنا: إننا نعمل ما لم يستطعه الأوائل. ترى لو لم يكن إلى جانبك سعيد السريحي وعبدالله الغذامي وعبدالعزيز السبيل وسواهم، هل كنت ستنجح في جعل نادي جدة الأدبي رائداً في كل المجالات؟ - أولاً: فقد كان معي الله، وثانياً: إنني أؤثر المشورة في حياتي، ومن فضل الله عليّ أنني أشاور من أثق به، وقد وعيت قول الحق لرسوله صلى الله عليه وسلم: (وشاورهم في الأمر)؛ أي يشاور أصحابه، وأعي ذلك المثل: «ما خاب من استشار، ولا ندم من استخار»، ولا أنسى عضداً فاضلاً عاملاً الأخ الدكتور عبدالعزيز السبيّل، كان معيناً وفياً، ذا إنجاز، ومخلصاً ومشيراً وفياً. وأحمد الله إليه أنني ليس في نفسي كبرياء ولا عنجهية؛ وكنت أسمع أستاذنا الكبير محمد حسين زيدان - رحمه الله - يقول: «أنا رجل من عرض الناس». ولم أقل ولا قال الرجل الطموح الشجاع عبدالله الغذامي: «إنا أنجزنا ما لم تستطعه الأوائل»، ذلك أن العمل هو الذي يتحدث عن مؤديه، والحمد لله أن توفيقه كان حليفنا. متى يمكن للأندية الأدبية أن تعقد ندوة كبرى في أهمية الندوة التي عقدها «أدبي جدة» في الثمانينات وكانت حول التراث النقدي؟ - إذا عزمت الأندية الأدبية على أن تنجز ندوة أو ندوات كالتي نهض بها نادي جدة قبل (27) عاماً فإنها ستقدم منجزاً، غير أن ما أتيح لنا بالأمس قد يكون عسيراً اليوم، فأعلام الوطن العربي غادروا؛ وهكذا الحياة وأغيارها وتقلباتها، وكما قيل: «دوام الحال من المحال». و«لكل زمان دولة ورجال». هل تتابع ما آل إليه نادي جدة الأدبي اليوم، أم أصبح بالنسبة إليك شيئاً من الماضي؟ - ينبغي أن أردد ما كنت أردده بالأمس، وأعلن لوزراء الثقافة والإعلام في لقاءات ومناسبات: «أعطونا صلاحيات، دعماً مادياً، وحاسبونا». ومع الأسف لم يتحقق ما كنت أرجو! فأنديتنا توشك أن تنطوي على نفسها! فلا صلاحيات، بل القيود المكبلة زاد عيارها؟ فليست لها صلاحيات البتة! وكان ينبغي أن تعامل كما تعامل «الصحافة» من صلاحيات وحرية، فالشأن الصحافي فيه سعة ومساحة من الحرية، أما الأندية الأدبية والثقافية فإنها مكبلة، فأين المجال الذي كنا نمارسه من دعوة أعلام المثقفين في الوطن العربي بمختلف أطيافهم؟ توقّف سوى فرد يدعى لنادٍ هنا أو هناك، ولا شيء مما كنا نعمل بالأمس، فالأندية الأدبية والثقافية يديرها مواطنون منتخبون أخيار، أهل ثقة ومعرفة وتقدير! وإني أتساءل: لماذا لا تعامل كما تعامل الصحافة «بصلاحيات» كاملة، ويحاسب من يحدث في ناديه ما لا ينبغي أن يكون؟ والجانب المادي أو الدعم أساس الحراك الذي ينبغي أن يكون، وكنت أسمع المثل القائل: «فلان أدركته حرفة الأدب»، فيقال «أدركه الفقر»! الأدب عنوان الأمم الراقية لأنه قيمة، ومتعة وجمال. وهل «الكرة» أكثر قيمة وأهم من الأدب والمعرفة!؟ إن موازنة الأندية الأدبية والثقافية لا تساوي ملايين يحصل عليها لاعب كرة، وإذا أصيب في بدنه فإنه يعالج في أكبر دول العالم وتنفق عليه الملايين! فهل المعرفة أدنى قدراً وقيمة من لاعب!؟ سؤال لست معنياً لأجيب عنه! ما رؤيتك حول المشهد الثقافي اليوم، وبعد تفعيل التجربة الانتخابية في الأندية الأدبية؟ - رؤيتي حدودها ومؤداها ما كنت أردد وإلى اليوم: صلاحيات ودعم مادي ومحاسبة! هذه كل المتطلبات لتصبح عندنا أندية يعوّل عليها قبل أية نظرة أخرى! البعض يتهم أبومدين بعد خطابه لوزير الثقافة والإعلام بخصوص مقر النادي القديم، بأنه يمارس وصايته على النادي؟ - يبدو أن كلمة الحق مرفوضة، وقد اقتنع وزير الثقافة والإعلام بما اقترحت، ويشهد الله أنني ما قلت إلا حقاً. فالنادي القديم لم تبنه الدولة، فأرضه من أمانة جدة، وبناء كيانه من تجار جدة! وإدارة النادي الحالية تعاني أزمة مالية، وكيان النادي الجديد كهرباؤه وتكاليف صيانة عالية! وفرع جمعية الثقافة والفنون كان مقيماً في مبنى بالإيجار، فلا ضير أن يعطي لإدارة النادي ما كان يدفع من مال في الكيان الذي كان يشغله وذلك كحق! وأنا لست وصياً على أحد، فأنا عضو في الجمعية العمومية للنادي؛ ولو كنت باقياً في النادي يوم طلبت وزارة الثقافة والإعلام منح مقر النادي القديم لفرع الجمعية أو غيرها لقلت لوزارتنا التي تعلم الظروف المادية للنادي الذي يدفع ما يساوي أكثر من «ثلث» الموازنة صيانة ونفقات دورياته الثقافية، فالنادي يريد من فرع الجمعية الإيجار الذي كان يعطيه للكيان الذي كان يقيم فيه؛ والدكتور عبدالمحسن القحطاني أعطى ما لا يملك!