لماذا اعتذر بوتين لرئيس أذربيجان عن حادثة تحطم الطائرة ؟    السعودي فوق.. فوق    بعد حين    أمير حائل يدشن إنتاج أسماك السلمون وسط الرمال    المسند: طيور المينا تسبب خللًا في التوازن البيئي وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تكاثرها    جازان: القبض على شخص لترويجه 45 كيلوغراما من «القات»    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوربت بالباطل ولم أعد راغباً في شيء
لن أدخل الانتخابات والإعلام يلتهم الثقافة .. عبد الفتاح أبو مدين ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 24 - 12 - 2010

لا تفي هذه المساحة بما قدمه الأديب عبد الفتاح أبو مدين لثقافة الوطن على مدى نصف قرن من مسيرته مع الحرف والكتابة، التي بدأت من الانتخابات التي حملته للرئاسة، وانتهت بالاستقالة التي غادر بعدها نادي جدة الأدبي، فالرجل الذي عاصر الأندية الأدبية وعصرها، والتقى قدره بقدر المشهد الثقافي الحديث في المملكة وتؤرخ بمسيرته أيام وليالي بداية الحراك، أبسط ما فيه عمقه، وأعمق ما فيه بساطته، وفي دفتر حياته صفحات تستحق أن تقرأ منذ الطفولة القاسية التي أجبرته للعمل نادلا في أحد المقاهي وصبيا في أحد الأفران إلى أن أصبح رئيسا لنادي جدة الأدبي 25 عاما.
استفززت ماضيه القريب بعد أسابيع من الممانعة بحثا عن الشأن الموضوعي وليس الشخصي، في الوقت الذي يوزع فيه نادي جدة الأدبي هذه الأيام استمارات طلب الانضمام إلى الجمعية العمومية لاختيار مجلس إدارة جديد للنادي خلفا للمجلس القديم الذي كان يترأسه، فتحدث بشغف وتطرف مدافعا عن مبادئه، لكنه لم ينجرف نحو الانتصار لنفسه. طالب باستراتيجية ثقافية لا تحكمها الأمزجة والآراء، ودعا لإيجاد لجان تقييم لإنصاف الذين يعملون في الأندية، وأعلن بصراحة أن الثقافة ستظل مهمشة ومتسولة وخارج الأقواس بعد أن التهم ميزانيتها الإعلام. هاجم الأندية التي لاترقى للطموح وقال: إن إبقاء الدوريات تحت الرقابة لا معنى له. كشف عن تعثر غير مفهوم لإنهاء أوراق ملكية نادي جدة الأدبي حتى الآن من عهد الفارسي إلى آخر أمناء مدينة جدة مع أن الأرض منحة من الدولة. حوار فيه مرتدات ومبادرات وتوضيحات وإسقاطات. بدأته متسائلا عن واقع الأندية الأدبية، فجاء رده منفجرا، وكأنني ضغطت على فوهة بركان قائلا:
ستظل أنديتنا الأدبية والثقافية حائرة، وسيظل عطاؤها يحمل سمة النقصان ما لم تكن لها قيمة في أذهان أصحاب القرار.. وقد رددت على أسماع معالي وزير الثقافة والإعلام السابق إياد بن أمين مدني أمام رؤساء الأندية خلال لقاءاتنا به: أعطونا صلاحيات ودعما ماليا ثم حاسبونا، وما لم يتحقق هذان المطلبان، فلن ندعي أننا نعنى بالثقافة إلا لتزجية الوقت شبه الضائع، ومنذ سنين يقال لنا: اسعوا إلى الدعم المادي من التجار ورجال الأعمال، أي نتسول، حتى قال أحد رجال الأعمال نحن لسنا أغنى من الدولة .. فأنديتنا الأدبية والثقافية وإن كثرت، فستظل هياكل بلا محتوى، لأن الأماني والوعود التي نسمعها لا تغني فتيلا، وأي عمل يحتاج إلى حراك معنوي ومادي، وبغير ذلك سنظل خارج حسابات الزمن، لأننا (خارج الأقواس)، وأمة بلا ثقافة وفكر، أمة مفلسفة تعيش على هامش الحياة.
• ما العقبات التي ما زالت تؤرق الأندية الأدبية، وتشعرون أنها تقف حجر عثرة أمام نجاحها؟
كثيرة، لعل أبرزها الدعم المادي لتوفير الإيجارات والمعاشات وتكلفة المحاضرات والطباعة، وكذلك مقار للأندية التي لم يتحقق لها ذلك وتوفير الفرش والصيانة أيضا، وتكاليف البريد، وأجور شحن مطبوعات الأندية إلى خارج البلاد، أما في الداخل فالشحن البري قليل التكاليف، وزد على ذلك عزوف المثقفين عن الأندية وغياب التواصل بين الأندية والمدارس والجامعات والمثقفين.
• أي تواصل تريدونه مع الجهات الأخرى، والمتابع يرى أن علة الأندية الأدبية من الداخل؟
ما أكثر الشقاق الذي يدور وتتولد عنه أحاديث وقضايا .. وهكذا واجه من حل في الأندية الأدبية والثقافية ذلك اللغط، وكان نصيبها من النقد والهجوم كبيرا، وما أكثر المنتقدين الذين لم يصلوا إليها، ولكنهم يعلنون أراء وتبرما ممن فيها.
• كأنك تنفي واقعا ملموسا وتريد أن تحجب الشمس بغربال؟
أنا لا أقصد أن الأندية ليس فيها نقص، غير أن النقد كان عاما، وأنا لست ضد الانتقاد أيضا، لكن مخاصمة الذين يعملون فيها لا تكاد تهدأ حتى تشتعل من جديد، ولن أذهب بعيدا إذا قلت أن إلحاح الأدباء وخصامهم لا حدود له على القليل دون الكثير، وهو خصام من أجل الخصام، وكأن الشقاق طبع في العرب بلا مراء.
• ربما كان لتمسككم كثيرا كجيل رواد بالسيطرة على الأندية الأدبية والساحة الثقافية أدت إلى هذا الخصام؟
هذا غير صحيح.
• أضرب مثالا بك، فأنت منذ تأسس النادي إلى أن تمت تنحيتك عن رئاسته عام 1423ه ظللت متمسكا بوجودك في المجلس، في ظل حروب وعواصف حتى مع أعضاء المجلس؟
بل ظللت أعمل، ومبدأ العمل البقاء حتى يقال انتهينا، ومبادرة نادي جدة بالاستقالة حين علم بالتغيير لايدل على التمسك بالبقاء، لأن العمل في الثقافة مغارم، و(لايعرف الشوق إلا من يكابده).. ربما لا يعرف الكثيرون أن النادي منذ تأسيسه إلى تاريخ استقالة مجلس الإدارة، تغير أكثر أعضائه، ولم يستمر فيه إلا رئيسه وأمين السر فيه وكذلك أمين الصندوق محمد علي قدس ومنصور بن سلطان. وظللت اختار أعضاء مجلس الإدارة طيلة الفترة التي توليت فيها رئاسته، وبعضهم ربطتني به صداقة قبل النادي، وكذلك عرفت أحمد المبارك رحمه الله في وقت سابق كما عرفت الدكتور عبد الله الزيد، وكنت حين أختار أحدهم، أكتب عنه إلى مدير عام الأندية الأدبية الذي يطلب بدوره الموافقة من الرئيس العام لرعاية الشباب، وقد ارتحت إلى حد الانشراح، في حالين بينهما ما يقرب من نصف قرن؛ الأولى حين عطلت الدولة صحيفة الأضواء عام 1378ه، والثانية يوم قدم مجلس إدارة النادي استقالته إلى وزير الثقافة والإعلام عام 1426ه، ومن العجب في بعض الحالات أن يرتاح المرء لما يشبه الخسارة وهو راض عنه.
• إلى أي مدى أوقفت الضائقة المالية نشاطكم في النادي؟
إلى درجة كبيرة وللأسف أن هذا التهميش ينعكس على المعرفة فيجعلها هشة لأنها بلا تمويل ولا دعم لتكون قوية ومزدهرة، في الوقت الذي يصرف على ما يسمى رياضة الكثير.
• يعني نوقف دعم الرياضة من أجل الثقافة؟
أنا لا أدعو إلى إلغاء الرياضة لأن لها جمهورها وكيانها، بل هي ضرب من الممارسات الشائعة لاهتمام الشباب بها، ولكن دعم الفكر ينبغي أن يأتي في المرحلة الأولى بعد الأمن والصحة، وإذا رأينا أمة قادرة تهمش الثقافة فإن ذلك خسارة ودفع للثقافة ألا تشبع، مع أن إشاعتها تفيد الأمة بعامة. لذلك لا غرابة أن تكون لدينا ثقافة تمشي الهوينى لا الثقافة التي هي ركيزة، لأن الأسس غائبة، ونحن كما يقال نسير في ساحة ضيقة محدودة، وكل ذلك ينعكس على مستقبل أمة ووطن، ونحن جديرون بأن نعترف بالنقص والخلل، وما زالت الحال في حراك ضيق محدود. ونحن نتحدث كثيرا لكن عملنا وأعمالنا في حدودها الأدنى، أما الإنجاز الحقيقي فحدث عن البحر ولا حرج! وكم أتمنى حين يعلن عن مشروع حيوي فيقال إنه سيبدأ من تاريخ كذا إلى تاريخ كذا «منجزا»، هكذا يرى الغير، المحبون لأوطانهم والإنجاز ليس مستحيلا ولا عسيرا بحول الله وقوته، والحديث النبوي الشريف يعلن: لا قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بنية الخ.
• مع أن الجميع تفاءل كثيرا بعد ضم الثقافة إلى وزارة الإعلام؟
ونحن تفاءلنا أيضا لكن الإعلام استحوذ على الاهتمام.
• هل تشعر بتغير سياسات الوزارة؟
ليست هي سياسات، والقضية في رأيي أن الأندية تحتاج إلى نصيب من المال كاف لأعمالها وإنجازاتها، وتحتاج كذلك إلى (صلاحيات) لتعمل كما ينبغي ليس عبر قيود معطلة، وإنما مساحة للانطلاق خارج حدود الوطن، تستقدم أعلاما ليشاركوا في نشاطاتها، ويسافر أعضاؤها إلى الوطن العربي مشاركين في المؤتمرات، نريد انفتاحا، أما الانغلاق فليس من الشأن الثقافي في شيء! الثقافة تلاق وتحاور وانفتاح غير مقيد.. وأعيد القول الذي سبق أن أبديته وهو: أعطوا الأندية دعما ماليا وصلاحيات غير مقيدة، ثم حاسبوها إذا لم تحقق ما ينبغي وما تطالب به.. هذا هو المطلوب، وبعد إعطائها ما يحقق مقوماتها أو إنجازها سيبدو العاملون الناجحون وغير الناجحين!.
• أين تذهب المخصصات التي تصرف لكم سنويا؟
تلتهم الدوريات التي تصدر عن النادي ذلك المخصص المحدود سنويا، وليس هناك أي إعانات أخرى.
• يقال إنكم استجديتم بعض أغنياء المجتمع؟
لا أخفيك أننا شكونا حالنا على من نطمع في عونه، وركبنا الصعب المؤدي إلى الحرج ولم نخرج بشيء، لأن أغنياءنا لم يتعودوا العطاء والسخاء، وصدق عميد الأدب العربي حين قال: إن أغنى الناس هم البخلاء.
• ما مدى صحة أن أرض النادي لم تسجل إلى اليوم باسمه؟
هذا كلام صحيح، فنادي جدة كيان بدون أوراق رسمية، وإنما بكلام شبه ارتجالي، وكان ينبغي أن ينهي أوراق منحته الرسمية المهندس محمد سعيد فارسي أمين مدينة جدة الأسبق قبل مغادرته لموقعه، ولكن ذلك لم يحدث، فظلت إدارة النادي تدور في حلقة مفرغة على مدى عقدين من الزمن، والغريب أن إدارة النادي لا تملك أي مستند من أمانة جدة يفيد بأن قطعة الأرض التي أقيم عليها بناء النادي منحة من الدولة سوى خطاب من المهندس محمد سعيد فارسي بهذا الخصوص سينشر في الطبعة الثانية: في كتابي «أيامي في النادي»، الذي سيصدر إن شاء الله في مطلع شهر صفر 1432ه.
• وهل كان ضعف الدعم سببا في تنظيمكم ملتقى «قراءة النص» والذي اعتبره البعض بديلا ركيكا؟
ملتقى «قراءة النص» أشبه بمؤتمر للأدباء يتم سنويا، ويجدد عناوين موضوعاته ومحاورها ويكلفنا أكثر من 150 ألف ريال، ونظمناه حينما قل الحضور للمحاضرات، وعرف الناس الوجوه التي قدمها النادي، وأقمناه لست سنوات متتالية رغم قلة ما لنا وبخل الأغنياء، لأنهم لا يفقهون في الثقافة، وبالتالي فهي لا تشغل بالهم، وقد قدم النادي ست حلقات حافلة بالبحوث التي شارك بها مثقفون من داخل الوطن وبعض الإخوة العرب من أعضاء في جامعاتنا .. وإذا قيل إن بعض البحوث ضعيف وليس في المستوى، فإن تبعة ذلك على مقدميها، وهذا هو الموجود .. والنادي لم يكن يضيق على المشاركين في الزمن، بل كان يمنحهم فترة تبلغ ستة أشهر، ولا يعني ذلك أن كل البحوث ضعيفة، فهذا ظلم للمجيدين البارزين القادرين والمتميزين. ولا سيما المثقف في بلادنا وفي الوطن العربي.
• ظللت طيلة وجودك في النادي إلى أن غادرته تتحدث عن «السياق المضاد» الذي عطل أعمال النادي، من تقصد تحديدا؟
أقصد المثبطون والمعطلون لمسيرة الحياة والعمل الجاد، فهؤلاء يشبهون الشوك في الحلوق، لا يعجبهم العجب، وقد بلينا ببعضهم، من الذين يجادلون بالباطل ويريدون ويعملون على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، لكنهم فشلوا، ولو كان ما يهدفون إليه نصيحة وعاملا مساعدا لقبل منهم. وقد واجهنا منهم أنماطا يزعمون أنهم واعون، والحق أنهم يجاهرون بالعداء ويدسون، وتكتب أيديهم الكذب والزور والبهتان، وكنت حين يتاح لي صيد أحدهم بما يقع فيه من عبث، أدعه للزمن، ولا أسعى إلى الانتقام منه، لأن الذي خلقهم أقدر مني على حسابهم وعقابهم، ونحن نردد في مجالسنا: أنه لا يصح إلا الصحيح .. وقد نجح النادي بفضل الله، وهزم الدساسون والخاذلون والكائدون.
• هل كانت مواقفهم من أشخاص، أم من سياسات النادي؟
بصراحة، النادي كان هدفا لحرب لا هوادة فيها من كارهيه، كارهي التطور والتجديد، ممن كتبوا في الصحف تارة بأسلوب الإثارة، وإذا وجدوا فرصة من خلال منبر النادي، يتداخلون فيقولون كلام مجانين .. ولذلك لم نستغرب أن يواجه كل الذين عملوا في النادي من يتصيد لأخطائهم، بل من يختلق لهم أخطاء ومقالب فيحاربهم لأنه لا يعمل ولا يريد لغيره أن يعمل، وهم من نسميهم حساد الناجحين، العاجزون عن عمل شيء ينفع الناس، كأنهم خلقوا ليفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، لأنهم يريدون أن يمضي النادي وفق هواهم، وما أكثرهم في كل زمان ومكان، غير أن هذه الحرب لم تفت في عضد النادي ولم تثنه عن المضي في أداء رسالته التي اضطلع بها ومضى يؤديها بلا تراجع ولا خشية من هذا العبث الرخيص .. ونحمد الله أن المسؤولين في الدولة مدركون لما كان يعمله النادي لأداء رسالته الثقافية، ولم يشكوا في نيات القائمين عليه.
• يقال إن أحد أسباب العداء والترصد لنادي جدة الأدبي كان بسبب تقريبك لشخصين يمثلان رأس الحداثة وهما د. عبد الله الغذامي ود. سعيد السريحي، مارأيك؟
لا أعتقد أن هذا هو كل شيء، وإنما الإشغال والانشغال مولدات الفراغ في بعض النفوس التي لا تعمل ويسيئها أن يعمل غيرها، إنه مردود النجاح ! ويظل قول الأستاذ العميد الدكتور طه حسين (رحمه الله) يتردد عندي: إلى الذين يعملون، وإلى الذين لا يعملون ويسيئهم أن يعمل غيرهم»..
• هل تسرعتم في إدخال المرأة في نشاطات النادي؟
أصدقك القول أن أكثر ما كان يشغلني، هو مشاركة المرأة التي أصبحت متعلمة وهي اليوم تتلقى المعارف في جامعاتنا، وفي ساحات جامعاتنا سيدات فضليات، تخرجن في جامعاتنا، ومنهن شريحة كبيرة تلقت تعليمها العالي في جامعات الغرب، ثم عدن يعملن في جامعاتنا ومعاهدنا ويشاركن في الملتقيات العامة حول المعرفة جنبا إلى جنب مع الرجل .. ثم إن المعلومات السائرة تؤكد في الوطن العربي كله، أن الفتيات أكثر تحصيلا في مجالات الدراسة بعامة، وأنهن متفوقات على الذكور، وهذه ظاهرة تدعو بجدية إلى إعطائهن حقهن من المشاركة في أنشطة المؤسسات الثقافية والمعرفية .. وهذا ماحدا بي أن أفتح لهن نافذة مستقلة في النادي، ليشاركن بالإنتاج وبالرأي والتحاور مع الرجال، وشهد لهن المتابعون من الزائرين من ضيوف النادي من خارج البلاد، لا سيما إذا وعينا قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال، لهن ما عليهن بالمعروف».
• ألم تحاولوا من جهتكم تفادي الاصطدام مع الآخرين لتستمر نشاطات النادي، ولو من باب المداراة؟
النادي لاقى عنتا من المتعنتين والمنغلقين، إلى حد المحاربة بالباطل، ولكن صمد وصبر، وواجه الهجوم بالدفع بالإحسان وبالبرهان، لأنه لم يقترف ما يسيء إلى الدين وإلى الوطن، حين أعطى المرأة حقها المشروع في المشاركة في أعمال النادي بالمعروف والحق، وقد أقدمت على هذه الخطوة مع زملائي متكلين على الله، ومتأكدين أن أولي الأمر لايسيئهم هذا التصرف بل يسرهم، وأعتقد أننا نجحنا فيما فعلناه من وقت مبكر قبل عقدين، بدليل أن الأندية الأخرى في المملكة قد شرعت لاسيما بعد تغيير مجالس إدارات الأندية في إعطاء المجال للمرأة كي تشارك.
• لكنكم تحملتم تبعات هذه الخطوة دون غيركم، لماذا؟
للأسف وكأننا نقدم منكرا أو بدعا، وأسمع اليوم بعض الفتيات يقلن إن إدارة النادي الجديدة قد أنجزت هذه القفزة لهن، في حين يعلن رئيس النادي الجديد أنه ورفاقه يسيرون على خطى التأسيس الذي وجدوه أمامهم، وهذا يعني أن التأسيس وتحمل الأعباء والتبعات شيء لا يقدم عليه ولا على مثله إلا من وثق بنفسه وبما يعمل، وقد تحملنا كل المسؤوليات التي واجهت إدارة النادي في الماضي بصبر وإرادة، وتحملنا أعباء خطوات أخرى كثيرة لأننا نعمل للوطن، وفي الناس من يؤثر العافية، ويتراجع من منتصف الطريق دفعا للأذى والمتاعب، أما الجادون الشجعان فإن قناعتهم لا تتوقف عند حد ماداموا مؤمنين بما يعملون، وهذا مافعلناه.
• حتى جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت إلى تنحيتك من رئاسة النادي؟
أعتقد أن فتح النادي أبوابه للحداثة كان وراء ما حدث في تلك الأمسية التي أقيمت في فندق العطاس في جدة من وراء حجاب، وبحضور كل من الشاعرات (ثريا العريض، فوزية أبو خالد، وأشجان هندي)، ولعل مبادرة الصحافة بالإعلان عن نشاط النادي أيقظ بعض النفوس المتربصة بالأذى للنادي، فحوربت من أناس لا يفقهونها ولم يعرفوها ولا قرأوا عنها، وللأسف أن بعض العابثين وقبل أن تنتهي الشاعرات من إلقاء أشعارهن، هجموا على المايكروفون، وأخذوا يكيلون الشتائم والقذف للشاعرات بما يعاقب عليه شرع الله العزيز، فاضطررت إلى إغلاق الصوت وإطفاء الأنوار، فبقي المعتدون يموجون في صالة الفندق، وعملوا ما عملوا بعد ذلك من عبث، أدى إلى إشعاري من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالتوقف عن العمل في ممارسة إدارة النادي، وأن هناك من سيجيء ليحل محلي.
• كانت صدمة بالنسبة لك؟
أبدا، فلم يهزني ما حدث، لأنني لم آت بما يسيء إلى سمعتي ولا إلى وطني، وتقبلت الأمر الواقع بنفس مطمئنة راضية، فالمقدر لا يغير.
• أين وصلت جهود بعض المحبين للنادي ممن تدخلوا لدى الرئاسة ؟
هناك من كتب للأمير فيصل بن فهد مثنيا على جهودي وجهود النادي، مثل الشيخ عبد المقصود خوجة ومحمد سعيد طيب وزوجه الدكتورة فائزة بدر وآخرين من أنصار النادي ومتابعيه، وهو موقف يسجل لهم في موازين أعمالهم.
• وبعد كل ما حدث في نادي الجوف الأدبي.. هل ما زلت متفائلا بمشاركة المرأة في الأندية الأدبية مستقبلا دون عوائق؟
مشاركة المرأة في دروب الحياة كلها شيء أساسي لا محيد عنه لأنها نصف المجتمع، والخطأ الطارئ من طبيعة الحياة، والأخطاء المتعنتة يحاسب عليها أصحابها ليرتدعوا، والعوائق الانفعالية لا تعطل العاملين الجادين، والحياة الحقة اعتدال في كل شيء، وهذا المسلك السوي لا يقود إلا إلى كل خير ونجح بلا حدوث معوقات ذات بال!
• دخلت النادي صاخبا بخلافك مع الأديب الراحل محمد حسن عواد أول رئيس للنادي، وخرجت منه أكثر صخبا بقرار التنحية.. لماذا ؟
أنت تنبش في صفحات عتيقة تجاوزها الزمن، لكن لا بد أن أوضح فيها موقفي، لكي لا يظن قارئ اليوم ظنا سيئا بما لم يعرفه بالأمس، فعند تسلمي لقيادة النادي عام 1401ه، أجبت على سؤال أحد المحررين في صحافتنا يومئذ، ومما قلت إن النادي كان بلا هوية، وهذا التعبير ليس استنقاصا من مكانة رئيسه الأول أستاذنا محمد حسن عواد، فهو كأديب لا تجحد قدراته وريادته المبكرة في هذا الوطن، غير أن قيادة نادٍ وإدارته ربما تتطلب مواصفات معينة قد لا تتوافر في أديب بارز.. وتصدى لهذا التعبير بعض كتاب صحفنا، فحادوا عن السبيل بتقويمهم قدرات العواد وريادته وقدراتي المتواضعة، أو لا شيء هي حسب تعبيرهم .. ورددت بما أخال أنه منطقي، قلت إن رئاسة نادٍ أدبي لا تتطلب أن يكون من يحل فيها أميرا للشعراء أو عميدا للأدب.. وأكبر الظن أن هذا الرأي أو هذا الرد لا يرضي غرور المهاجمين، لأنهم لا يرون حقا إلا آراءهم.
• ألم تعترض أو تتخذ موقفا حاسما؟
لم أعترض فقط، بل صرحت برأيي، وقلت أن ما يحدث ليس نظاميا، وحين توقفت عن التوقيع على كل شيك اشتكاني رئيس النادي إلى الرئاسة، ولا أدري بأية تهمة كانت الشكوى، فلم أذهب إلى النادي أياما تحاشيا لأي صدام مع رجل أقدره وأحترمه.. وخلال أيام جاء مبعوث الرئاسة أحمد فرح عقيلان رحمه الله وقابل رئيس النادي، ثم هاتفني في بيتي، وطلب مقابلتي فاعتذرت، لأنه عز علي أن يؤاخذ أستاذي على تصرفه غير النظامي، ولم أكن أريد الانتصار عليه، لأنه ليس من طبعي ولن أمارسه، فحيائي يمنعني أن أرتكب خطيئة ضد رجل كبير في أدبه وسنه ومواقفه، فقبلت التضحية راضيا غير آسف، وحين أصبحت رئيسا للنادي لم يخطر ببالي أن أفتش في الملفات لأقرأ ما كتب عني رئيس النادي يومئذ، خشية أن تهتز مكانته في نفسي.
• لنعد إلى واقع اليوم.. كيف ترى الحل للخروج من هذه الإشكالية التي تحاصر الأندية الأدبية؟
المسألة لا تتطلب حلا واحدا، بل حلولا عدة، بدءا من تقويم ما قدمته الأندية منذ إنشائها، من خلال لجنة تعنى بالثقافة قيمة ومعنى، ثم يتم في نهاية كل عام قيام لجنة مختصة بالثقافة في وزارة الثقافة والإعلام بالطواف على الأندية؛ للوقوف على ما أنتجت في عامها المنقضي، وقيمة ذلك العطاء في موازين الثقافة.. وأقترح أن تصنف وفق مستويات وقيمة ما تقدمه.. ولعل في ذلك ما يدفعها للرقي والتنافس. وكذلك الطلب من كل نادٍ تقديم خطة عمل سنوية قبل بدء النشاط بأربعة أشهر مثلا، مع متابعة ذلك. ثم زيادة الدعم المادي لتغطية احتياجات الأندية من مرتبات ومكافآت كتاب الدوريات ومؤلفاتهم التي تطبعها الأندية، وتقدير رؤساء الأندية في مكافآت عملهم على قدر جهودهم، وتفريغ الفريق الأساسي العامل في الأندية.
• هل تقصد أن الأندية حاليا لا تقدم خططا سنوية بأعمالها للوزارة؟
للأسف أن كل نادٍ يعمل على شاكلته.
• طالبت قبل فترة بتعديل المادة السادسة من نظام المطبوعات.. لماذا ؟
لأنها المادة التي أذنت للأندية بإصدار كتبها على مسؤوليتها، دون الرجوع إلى رقابة إدارة المطبوعات، لكنها استثنت الدوريات، وهذا استثناء لا معنى له، إذ لا فرق بين كتاب مؤلفه فرد، ودورية يكتب فيها عشرة كتاب أو أكثر، بل وأقترح بهذه المناسبة أيضا أن يسمى الجيد من الدوريات وشبه المجلات، أن تسمى مجلات، وتستصدر وزارة الثقافة أمرا ساميا بذلك، لتسمي دورياتنا بمسماها، وأقترح أن يكون في كل نادٍ معرض لإصدارات جميع الأندية.
• كأنك تدعو لسحب البساط من المكتبات؟
لقد فشلت تجربة بيع كتب الأندية الأدبية من خلالها، فهذه المكتبات تتقاضى عمولة 40 في المائة، ومبيعاتها متدنية جدا، لأنها زاخرة بمعروضاتها وأكثرها مستورد، وأتمنى أن تتم عملية تصريف إصدارات جميع الأندية الأدبية من خلال علاقة حميمية، ويا ليت أن يكون في كل نادٍ مسؤول عن هذا المعرض المصغر، يعنى به، ويتابع مع الأندية ما ينفذ من كتبها، على أن تتم المحاسبة في شهر المحرم من كل عام.
• هل تريد أن تصبح الأندية الأدبية أشبه بالجمعيات التعاونية؟
في رأيي أن هذا المنحى المهم خليق بالعناية والاهتمام في المؤسسات الثقافية، لأن الثقافة كقيمة ينبغي أن تكون في صدارة أمورنا بعامة، فلا تقيد بالأغلال!
• هناك ملاحظات أيضا تظهر على لائحة الأندية الأدبية بين فينة وأخرى.. ما رأيك في التغييرات التي أحدثت فيها؟
حدث ولا حرج عن هذه اللائحة السابقة التي مضى عليها ثلاثون سنة، ولم تعد تلائم تطور الحياة ومستجداتها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا بد أن تغير أسماء الأندية كلها لتصبح (النادي الثقافي)، لأن كلمة ثقافة أشمل وأوسع معنى، ويعني ذلك استيعاب نشاطات أخرى في الأندية، مثل الرسوم التشكيلية وفن التصوير الفوتوغرافي والمسرح، لأن هذا التوسع مفيد لها، وأن يصبح فيها زوايا للقصة والشعر والمسرحية.. والتغييرات التي أحدثت فيها ليست في مستوى الرقي والطموح.
• هذا يعني إسقاطا لدور جمعية الثقافة والفنون؟.
أتمنى أن يعدلوا مسماها أيضا لتصبح جمعية الفنون فقط، لأنها بدأت بهذا الاسم.
• بهذه المقترحات، هل تميل إلى أن تكون الثقافة تحت مسمى رابطة أو هيئة لتعمل بشكل أفضل كما يعتقد البعض؟.
لست مع هذا الاتجاه، لأن الرابطات التي تجمع الأدباء والمثقفين تظهرهم وكأنهم في (حراج) من خلال علاقات الخصام والشجار والجدل العقيم، فهذه الروابط ليس لها لحمة ووشائج تحكم تعامل من فيها بأخلاق الكبار، وإذا خضنا هذه التجربة، فسوف نندم عليها، وربما جنح المسؤولون إلى إلغائها قبل أن تقف على متكآتها إن صح أن لها متكآت.. وتجربة مصر كانت هما لمن تولاها، وصديقي الشاعر الكاتب فاروق حسني.. ولعل المهم في العمل الثقافي أن يكون لدينا منتج قابل للتصدير ونفاخر به لأنه قيمة، وكما نردد في المثل: (المكان بالمكين).
• تقصد أن يكون لدينا استراتيجية ثقافية؟.
طبعا، لكن بشرط أن لا تتحكم فيها أمزجة وآراء تضر ولا تنفع من خلال ما تحفل به من خلافات تهبط إلى الحضيض، ثم نسمع أن الاختلاف لا يفسد للود قضية.
• وأنت ترى عكس ذلك؟.
أعتقد أنه يفسد ويفسد، والنتيجة تعطيل مضر.
• هل فقدت أصدقاءك بعد خروجك من النادي؟، وهل كان لصراحتك دور في ترصد الكثيرين لك؟.
الصديق الحق لا يفقد عبر كل المتغيرات.. والصراحة الحقة مسلك سوي، ونقرأ: «قل الحق ولو كان مرا».. أما صديق المرحلة فلا يعول عليه..
• هل ستشارك في الانتخابات الحالية بعد أن وصلتك الاستمارة؟.
لست أطمح ولا أرغب أن أجدد السعي إلى الشأن الثقافي عبر الأندية الأدبية والثقافية، وخليق بي أن أدع المجال لغيري من الطامحين والراغبين في رئاسات الأندية، والمهم أن يكون فيها العاملون الجادون لينجزوا الكثير في الشأن الثقافي، وليس الهدف مظهرا وبريقا لا يقودان إلى تحقيق ما ينفع الوطن وأهله من المعارف، ذلك ما ينبغي أن يكون بحق، لأنه هدف راق!، وأنا متفائل دائما والحمد لله، والمستقبل بتقدير الله، غير أن المهم أن تعطي الأندية كل ما تحتاج ثم نحقق ما ينفع الناس، والحق يقول: «أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».. وهذا التوجه الكريم ينسحب على كل شؤون الحياة وليس في الأندية الأدبية والثقافية وحدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.