في معظم مطارات العالم يستقبلك موظف الجوازات وهو يلبس ثياباً مدنية، ويقوم بمطابقة معلومات جوازك مع المعلومات المسجلة لديه في الكومبيوتر، ثم يختم جوازك وتدخل البلاد، لذا يشعر الناس أن هذا مجرد إجراء نظامي، لكن حين يتحول جوازك كما قال لي الموظف في مطار الكويت إلى الضابط، فإنك تعرف أنك قد أصبحت في مواجهة الأمن، وحين يقول الضابط بعد ساعة من التدقيق الأمني المطلوب «أنت ممنوع من دخول الكويت»، تعرف أنك قد دخلت في مواجهة قرار سيادي خطر، خصوصاً حين يقول لك إن وزارة الداخلية لن تعلن لك الأسباب. الناس الذين رتبوا دعوتي وزملائي في صحيفة «الجريدة» طلبوا مني البقاء في المطار قدر ما أستطيع، فقد يتمكنون من الاتصال بوزير الداخلية الكويتي الذي كان مسافراً، لكن لغة ضباط الأمن لا تعرف سوى تنفيذ الأمر العسكري، وطلب مني مغادرة أرض الكويت على أول طائرة متجهة إلى مكان إقامتي وهي دبي. لم يسلمني ضابط الأمن جواز سفري، وأبقاني طوال فترة الانتظار تحت عيون موظفي الداخلية خمس ساعات، ثم سلّم جوازي إلى المشرف على الرحلة في الخطوط الإماراتية، وطلب منه تسليم جوازي لموظف الأمن في دبي. في مطار دبي تسلّمني موظف مدني، وقادني في ما أظن إلى غرفة التحقيق، كنت أظن أنني بصدد قصة طويلة عصية على الإفهام، وأن النوايا الأمنية قد تجعل كلامي في محل شك أو تدقيق أمني طويل، لهذا فإنني لم أجب الموظف، بل أشهرت أمامه شاشة جهازي «الآي فون» المفتوحة على خبر وضعته صحيفة «الشرق» السعودية على صفحتها يحمل صورتي، ويقول «الكويت تمنع الكاتبة السعودية بدرية البشر من دخول الكويت». أطلق الموظف دهشة كبيرة «كيف انتشر الخبر سريعاً؟»، قلت له أنا كاتبة. ابتسم ورفع سماعة الهاتف قائلاً لزميله: «إنها مجرد كاتبة». ثم وقف وقال تفضلي في أمان الله. هل كان ضابط الداخلية في الكويت يجهل عندما أصرّ على عدم تسليمي جواز سفري في يدي، أنني مجرد كاتبة؟ وأنني لا بد وأن أخضع لتحقيق أمن مطار دبي الذي ضحك موظفوه على القصة وقالوا لا تنزعجي إنه مجرد إجراء روتيني، فالذين يحالون إلينا ليسوا عادة كتاباً مثلك. أعرف أنني دخلت الكويت في فترة قاتمة، لكنني أعرف أيضاً أن ما حدث هو مؤشر لما هو باطني، مثل ارتفاع الحرارة في جسم الإنسان التي ليست مرضاً، بل مؤشر لما يحدث داخل الجسم. دخلت الكويت يوم الخميس الماضي والتيارات المقاطعة ترتب لمسيرة يوم الجمعة احتجاجاً على إعلان قانون انتخابي يحتجون بعدم دستوريته، فيما الكويت تستعد لانتخابات في أجواء من المقاطعة جعلت نسبة المشاركة فيها لا تتجاوز ال20 في المئة. هذه الأحداث الساخنة لم تمنع صحيفة «الجريدة» الكويتية أن تضع خبر منعي دخول الكويت على صدر افتتاحيتها، قائلة «إن الكويت تغيرت»، ثم كتب الزميل الدكتور غانم النجار مقالة بعنوان «ليلة القبض على بدرية»، وأعلن اثنان من النواب السابقين في مجلس الأمة احتجاجهما على القرار، فيما هاج «تويتر» بالاعتذار والاحتجاج، واتصل بي تلفزيون «اليوم» الكويتي في برنامج «توك شوك» لأخذ تصريح مني وأنا ما زلت في مطار الكويت، كما استنكرت نقابات وجمعيات نفع عام كويتية قرار المنع، وحين وصلت إلى دبي كان الزملاء والزميلات يسألون عني ويدعمونني ويأخذون مني تصريحاً، لصحف مثل «الحياة» و «إيلاف» و «الشرق» و «الجزيرة أون لاين» و «عكاظ»، وترتيب لقاء بث في أخبار قناة «العربية». كما وعد الزملاء في «مراسلون بلا حدود» العالمية، وهيئة حقوق الإنسان في الرياض بإصدار بيان، كذلك ناقش الزميل العزيز إدريس الدريس خبر منعي من دخول الكويت في برنامجه «الأسبوع في ساعة» مع ضيوفه الكرام الأساتذة جمال خاشقجي ويحيى الأمير وعبدالله الكعيد ورشود الخريف، فحظيت بكرم دعمهم ونبل موقفهم. هل أطمع بأكثر من هذا؟ بالتأكيد لا، لكن، لم يكن بودي أن اضطر لسرد هذه المواقف من زملاء الصحافة والإعلام والمنظمات، خوفاً من الوقوع في شبهة التفاخر غير الحميدة، لولا أن هناك طرفاً غائباً عجزت عن فهم غيابه، فهو الحاضر الغائب دائماً، إنها «هيئة الصحافيين» الموقرة، التي آخر علمي بها أنها تفرش مبنى كبيراً كلفها ملايين الريالات، ثم أنشأت بعده مقهى، ثم انقطعت أخبارها عنا، هل هي نائمة أم أن صوت «الدريل» عالٍ فلا يسمعون كل هذا اللغط؟ وبودي لو أميل ل «جمعية الرأي» الشابة التي أنشئت حديثاً، وأقول لها «حتى أنت يا بروتس»، لكنني تذكرت أنها لم تستأجر المبنى بعد، أو أنها مشغولة بتعليق اللوحات على الجدران. لكني لم أنسَ بعد، وقد ذكروني في مطار دبي بأني مجرد «كاتبة». [email protected]