لم يبق من الولاية الثانية للرئيس أحمدي نجاد أكثر من ثمانية أشهر، وليست القضية الأساسية هي من سيكون الرئيس القادم، بل الأهم هو ماذا سيرثه الرئيس القادم من الرئيس الحالي في مجال الإقتصاد أهم المجالات المتصلة بحياة الناس. الإقتصاد الإيراني كان يعيش عشية تسلم أحمدي نجاد مقاليد الحكومة (2004) حالة من الإستقرار والإنتعاش، بعد مضي فترتين من حكومة البيروقراطيين أو حكومة البناء (الشيخ رفسنجاني) وفترتين أيضاً من حكومة الإصلاحيين (السيد خاتمي) والإخير رغم كل المشاكل الداخلية والعراقيل التي أحدثها المحافظون والفئات الضاغطة، خطى خطوات كبيرة في المجال الإقتصادي والسياسي والدولي. بعد وصول أحمدي نجاد الى الرئاسة كان من المتوقع أن يتحسن الوضع الإقتصادي لأسباب عدة: - لأن الرئيس الجديد كان مطلوبا بفضل شعاراته و سلوكه الشعبي ووعوده الجميلة. لهذه الأسباب لم تكن أمامه أية عراقيل أو مشاكل داخلية، بل ان الذين كانوا ضد الرئيس خاتمي أصبحوا من أنصار أحمدي نجاد في الحملة الإنتخابية. أما الإصلاحيون فبعد هزيمتهم في إنجاح الشيخ رفسنجاني قرروا الصمت والترقب، واعتبروا أن تحسن الوضع المعيشي والإقتصادي – الذي كان يتصدر قائمة وعود نجاد في الحملة الإنتخابية - سيكون في المستقبل العاجل أو الآجل لمصلحة مسار الديموقراطية، لأنهم كانوا يعرفون جيدا أن الديموقراطية هي المصير الحتمي للمجتمعات النامية و سيؤدي تطبيق وعود نجاد لا إلى الأصولية كما يريد هو، بل إلى تثبيت دعائم الديموقراطية في البلد. - ارتفاع أسعار النفط من بدايات حكم نجاد، كان من شأنه ان يمكن الحكومة الجديدة من تحقيق إنجازات هائلة، أقلها كان ادخار العملة الصعبة في صندوق العملة الصعبة الوطنية الذي أسسته حكومة الإصلاحيين، فضلا عن الإستثمارات في شتى المجالات. وسجلت أسعار النفط أرقاماً قياسية خلال الفترة الأولى لرئاسة نجاد وصلت إلى 150 دولاراً للبرميل الواحد بينما كان في بداية رئاسة خاتمي 9 دولارات وتراجع إلى 8. كثيرون من الاقتصاديين تنبأوا بفشل أحمدي نجاد في تطبيق وعوده المثالية، أما أكثر الناس تشاؤماً بنجاح نجاد، فلم يتوقعوا هذا الفشل الذريع الذي سجله هذا الرجل في تاريخ إيران. كل الفرص المتاحة للقفزة النوعية في مجال الإقتصاد الإيراني أصبحت هباءاً منثوراً و وصل الإقتصاد الإيراني الآن إلى حالة يُرثى لها والرئيس القادم سيرث كل المشاكل التي راكمها له أحمدي نجاد. نترك الحديث هنا للإحصائات الرسمية التي تقول فيما تقول أن حكومة نجاد حصلت على 531 بليون دولاراً من عوائد النفط خلال السنوات السبع الماضية وهذا الرقم أكبر من مجموع المداخيل النفطية لإيران بعد الثورة بأضعاف. وما يثير الإستغراب هو أن هذا المبلغ الكبير لم يكف ميزانية الحكومة ولجأ أحمدي نجاد إلى الإقتراض من المصرف المركزي الإيراني تعويضاً عن عجز الميزانية. علماً بان الرجل يعتبر نفسه سلطانا وذو صلاحية مطلقة ويستطيع أن يفعل ما يشاء. ونتيجة للاقتراض المتتالي، ارتفع حجم ديون الدولة للمصرف المركزي من 11 الف بليون تومان ( 11 بليون دولار) في بداية حكومة نجاد، إلى 40 الف بليون دولار حاليا بحسب التقارير الرسمية للمصرف المركزي الإيراني. وتحول المصرف المركزي بفعل السياسات الإقتصادية طيلة رئاسة نجاد إلى مطبعة نقود، خصوصا بعد أن أصبح محمود بهمني حاكماً له. وهذا الأخير لم يتوقف عن طباعة النقود استرضاء للرئيس الذي أقال حاكمين سابقين (شيباني و مظاهري) بسب عدم انسجامهما مع سياساته المدمرة. وبحسب إحصاءات المصرف المركزي، كان حجم طباعة النقود في العام الأول لرئاسة نجاد (2004-2005) 4 ألاف بليون تومان وفي العام التالي وصل إلى 7 بليون و في العام 2010-2011 إلى 24 الف بليون تومان. بطبيعة الحال، أول آثار طباعة النقود هو ارتفاع السيولة، ووصل حجم السيولة طيلة السنوات السبع الماضية إلى سبعة أضعاف وارتفع حجم ديون الدولة لمصرف إيران على النحو الذي ذكرنا. يقول خبراء اقتصاديون ايرانيون أن 90% من إجمالي 531 بليون دولار هي قيمة العوائد النفطية أنفقت من أجل استيراد السلع الأجنبية. وقال أحدهم ان أحمدي نجاد يعتبر مصرف إيران صرافا آليا يمكن أن يسحب منه قدر ما يشاء في أي وقت يشاء. أما حجم الإستيراد فارتفع من 141 بليون دولار طيلة 8 سنوات من رئاسة خاتمي إلى 426.9 بليون دولار طيلة السبعة أعوام السابقة. وبينما كانت حكومة خاتمي تكتفي باستيراد السلع الإستثمارية والوسيطة المؤثرة في تنشيط قطاع الصناعة وفي استحداث فرص العمل، ركزت حكومة أحمدي نجاد على استيراد السلع الإستهلاكية. و بفعل هذه السياسة استوردت كثير من السلع الكمالية وحتى أنواع من الفواكه متوفرة في إيران. وتمتد قائمة ديون حكومة أحمدي نجاد إلى القطاع الخاص، الذي وصل حتى قبل عامين، حجم ديون الدولة له إلى 20 ألف بليون تومان. ويجب التنويه هنا إلى أن انخفاض أسعار العملة الإيرانية أمام الدولار إلى ثلاثة أضعاف، يبين حجم الأضرار على الدائنين وبطبيعة الحال يصب الربح هنا في جيب الدولة. إضافة إلى هذه الديون هناك ديون ناتجة عن بيع سندات مالية و سندات المشاركة التي يبلغ 16 الف بليون تومان. لا شك أن العقوبات الدولية ساهمت في إضعاف قوة إيران الإقتصادية و لكن المشكلة الأساسية للإقتصاد الإيراني كانت في السياسات الإقتصادية التبسيطية للحكومة التي لم يعط رئيسها أذنا صاغية لنصائح الإقتصاديين ، بل كان يعتبر أن عقول هؤلاء المتخصصين في المجالات الإقتصادية والسياسية فاسدة وان آرائهم أجنبية الصنع. اليوم وصل نجاد و أوصل معه البلد إلى وضع تريد كل التيارات السياسية من الإصلاحيين إلى المحافظين التخلص منه. وربما من سخرية القدر في نفس الوقت، أن المحافظين والإصلاحيين وعلى رأسهم خاتمي، يصرون الآن على أن ينهي أحمدي نجاد فترته الثانية ليس عبر حجب الثقة البرلمانية، حتى لا يتحول إلى شهيد و لا يبقى له حجة يسقط عليها أعباء إخفاقاته. ما يبقيه أحمدي نجاد للرئيس القادم هو شجرة بلا ثمار، بل بلا أوراق على حد تعبير صادق خرازي سفير إيران السابق في باريس ومستشار الرئيس خاتمي. والمهمة الأساسية للرئيس القادم هي تحويل الخريف إلى الربيع وهذا صعب جداً ان لم نقل إنه مستحيل.