ليست اللوحة مزدحمة بالصراعات اللونية المثيرة، أو الفضاءات الضوئية المبعثرة، هي ما تنشده التشكيلية الروسية أولغا بيلوفا. كما لا تعنيها شراسة الخطوط الحادة التي تتعانق أحياناً أو تتكسر أحياناً أخرى، لتتناقض مع خامة اللوحة. بل أرادت بيلوفا، في معرضها الأخير «سحر الحرير» الذي افتتحه مدير المركز الروسي للعلوم والثقافة أ.ج. أنطونوف في «القاعة الذهبية» ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري، تقديم حوارات بصرية فريدة تجمع بين المقروء والغامض، بين الواضح والخفي، الساطع والمعتم، وبين المساحات المائلة والعرضية، ثم الكتل اللونية التي تشكل عالماً خفياً ميتافيزيقياً ويقود في نهاية الأمر إلى عالم الواقع. لجأت بيلوفا إلى تقنيات فن الباتيك «Batik» الشرقي، واستطاعت، وبجرأة كبيرة، أن تجمع متناقضين بنجاح. فمن نعومة الحرير وقوة الخطوط الحادة وزخم المجموعات اللونية، خرجت خمسون لوحة تناغمت فنياً، في حوار منسجم أحياناً ومتناقض أحياناً أخرى، إذ تظهر أشكال الحيوانات والطيور وجذوع النخيل وفروع الأشجار الباسقة إلى أعلى، أو تلك التي تتكسر فجأة أو تنبسط على سطح التكوين ما بين الساخن والبارد لإيجاد فراغات لونية ودوائر سماوية من بين الكثير من العناصر الحية والتجريدية المعبرة عن حالات إنسانية تمزج بين الوهم والحلم والطبيعة. وعلى رغم تباين المجموعات اللونية التي اعتمدتها بيلوفا، وأدائها المتأرجح بين القوة والنعومة، استطاعت أن تجمع الكثير من علامات التناغم والانسجام والهدوء اللوني الذي وفر للمتلقي متعة بصرية خالصة، ناجمة عن فجاجة اللون الصريح. وتقول إن «الصوت والحركة الجسدية، من بين الأشكال التعبيرية الأكثر متابعة، والتي تصدر من دون سابق إنذار، خصوصاً إذا تعلق الأمر بإعلان الرفض والتمرد على واقع الحياة الغامض المتناقض. وبعد طول تأمل، أدركت بحدسي، أن أصابع اليدين الموجهة بنور العين والقلب، يمكن أن تصنع عوالم شتى وأشياء جميلة، وأخذني ملمس الحرير إلى عوالم غريبة، فقررت التمرد على رومانسية الحرير ورقته، وأقحمت خطوطاً حادة وكتلاً فظة، وفي الوقت نفسه لم أتخلَّ عن الخطوط العضوية المتسقة مع سحر الحرير». وتضيف: «المعرض فيه كثير من التعبيرية والتجريدية، وكثير من الرومانسية والطبيعة، فالفضاء الشاسع نبع فياض تتمدد فيه المساحات اللونية، حيث تثير حركة اللون الأخضر مع الأحمر حفيظة النهار، أو يظهر الأصفر فجأة فتخرج أشكال ووجوه لها فعل السحر والمسحور، من خلال تأثير الضوء الباحث عن المجهول في محاولة لإعادة رؤية عالم أكثر نعومة وبهجة ونشوة». واللافت في المعرض، تخصيص جزء من «الباتيك» لتحقيق ملمس أوراق البردى التي رسمت عليها بيلوفا بعض الموتيفات والأشكال الفرعونية الشهيرة، كذلك رسمت أولغا منمنمات وأشكالاً يابانية شهيرة. يذكر أن «الباتيك» فن تشكيلي آسيوي المنشأ، يمارس على نطاق واسع في دول أرخبيل الملايو، وفي الهند، منذ القرن التاسع الميلادي. وهو متعدد الأنماط، وتتعدد خاماته بين الشمع والألوان الزيتية، ويعرف بأنه فن «الوشم على القماس». وكلمة «باتيك» تعني التنقيط أو الوشم، وهي مشتقة من اللغة الجاوية وقديماً كان «الباتيك» مستخدماً للنقش على قماش الملابس الحريرية فقط، لكنه توسّع ليشمل كل أنواع الأقمشة، بما فيها أقمشة الستائر والمفروشات وتغليف الجلود والحقائب وغيرها.