اعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي عودته إلى المعارضة «اختيار وضوح في مواجهة الخلط والتمييع السياسي» الذي تعرفه الساحة المغربية «منذ إجهاض تجربة التناوب الوفاقي»، على حد تعبيره. وشدد مشروع الأرضية التوجيهية للمؤتمر التاسع للاتحاد في منتصف الشهر المقبل والتي ستكون موضع نقاش واسع، على أن حكومة عبدالإله بن كيران المحافظة «أعطت منذ لحظة تشكيلها» معطيات «سلبية» كما أنها «لم تستطع» إرساء إستراتيجية عمل في مستوى مقتضيات العهد الدستوري الجديد وفي مستوى التطلعات الشعبية. ووصف مشروع الأرضية الذي يُنشر للمرة الأولى، عمل الحكومة ب «الارتباك والتجريبية والخطابة المنبرية والسجالية الفارغة». وانتقد ما وصفه ب «تعطيل الدستور» نتيجة غياب خطة اشتراعية وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، معتبراً أن من أولويات التزاماته في صفوف المعارضة الدفاع عن المكتسبات الديموقراطية من أجل «إقامة مجتمع ديموقراطي حداثي» تتحقق فيه قيم المواطنة والمساواة والحرية واحترام التعددية والتنوع والاختلاف. إضافة إلى ذلك، دعا الحزب في مشروع الأرضية إلى استكمال الإصلاح الدستوري عبر إصدار القوانين التنظيمية «وفق تأويل ديموقراطي»، كما حض على فرض مقاربة تشاركية في تفعيل الدستور «تقوم على حوار وطني شامل» تشارك فيه مكونات المجتمع كافة، ويطرح قضايا اللغة والثقافة والتعليم والحريات والمناصفة. والتزم العمل وقوى المجتمع المدني والنقابات لبلورة استراتيجية في الحرب على الفساد واقتصاد الريع. وأوضح أن هذا المطلب الشعبي «يضع الحكومة الحالية في مواجهة امتحان صدقيتها وإرادتها السياسية». ورأى مشروع الأرضية أن ترجيح ميزان القوى الاجتماعية والثقافية والإيديولوجية لفائدة «قوى التقدم والحداثة الفكرية» يحمي الديموقراطية مما اعتبره «توجهات محافظة». وحدد حلفاءه الطبيعيين في القوى السياسية اليسارية إلى جانب «القوى ذات الاستقلالية» في وجودها وقرارها بعيداً من السلطة. إلى ذلك، أقرت الوثيقة الحزبية تصوراً شاملاً حول الالتزامات الإقليمية للبلاد، وفي مقدمها دعم الخيار المغاربي بهدف «بناء فضاء إقليمي للتعاون والتكامل الاقتصادي» في مواجهة تداعيات العولمة، ويكون بمثابة «إطار للحوار السياسي» وحل المشاكل العالقة الموروثة عن العهد الاستعماري. وأفادت الأرضية أن هذا الالتزام يحتّم على الاتحاد الاشتراكي الاضطلاع بدور إيجابي وفعّال لجهة «دفع أشقائنا في الجزائر إلى مراجعة موقفهم المناهض لوحدتنا الترابية»، في إشارة إلى نزاع الصحراء. ودعا الاتحاد إلى بلورة سياسة مغاربية تكفل إزالة العوائق أمام التنمية والعيش المشترك في إطار السلم والأمن والتعاون. ودعا المغرب إلى الانخراط في الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي لما يجري في دول الساحل والصحراء، بهدف «قطع الطريق أمام النزعات الانفصالية المتفاعلة وتيارات إرهابية»، إضافة إلى تعزيز البعد المتوسطي من خلال تقوية روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأوروبي. كما دعا إلى تكريس الحضور الفاعل والوازن للمغرب في الفضاء الأوروبي والإسلامي. ولاحظت أوساط حزبية أن الاتحاد الاشتراكي تعمّد نشر نص مشروع الوثيقة السياسية بهدف فتح نقاش واسع حول مضامينها، فيما يواصل المرشحون المتنافسون على زعامته حملات حشد الدعم والتأييد. وأفادت معطيات أن ثلاثة مرشحين من بين القياديين الخمسة تعززت حظوظهم المتقاربة، وهم فتح الله ولعلو وزير الاقتصاد والمال السابق، إدريس لشكر الوزير السابق المكلف العلاقة مع البرلمان وأحمد الزايدي رئيس الكتلة النيابية للاشتراكيين في مجلس النواب. غير أن المعطيات التي تستند فقط إلى حجم التظاهرات الحزبية مرشحة لأن تعرف تغييرات نظراً إلى أن المؤتمر سيكون سيد الميدان في اختيار المرشح الفائز بزعامة الحزب. وتُعتبر هذه المرة الأولى التي يتبارى فيها خمسة قياديين في الحزب المعارض على تولي زعامته، بعدما كانت الصيغ الوفاقية تهيمن على اختيار قيادييه في السابق بخاصة المؤسسين التاريخيين، أمثال عبدالرحيم بوعبيد ورئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي. بيد أنه منذ اعتزال الأخير العمل السياسي في عام 2002 شغل كل من القياديين محمد اليازغي وزير الدولة السابق وعبدالواحد الراضي وزير العدل في حكومة ما قبل اشتراعيات العام الماضي منصب السكرتير الأول للحزب. وسجّلت تقارير بدء صفحة جديدة في التقارب الحاصل بين مركزيتين نقابيتين هما الفيديرالية الديموقراطية للعمل والكونفيديرالية الديموقراطية للعمل، عشية مؤتمر الإتحاد الإشتراكي، ما يوحي بتأثير محتمل للجناح النقابي في تحديد هوية القيادي الفائز بالزعامة. وأظهرت تجربة حزب الاستقلال الحليف السابق للاتحاد الإشتراكي والمشارك في الحكومة الحالية، استئثار التيار النقابي بالقيادة السياسية ممثلاً بالأمين العام الجديد حميد شباط.