دافع الرئيس المصري محمد مرسي عن إعلان دستوري أصدره مساء أول من أمس منح لنفسه بموجبه صلاحيات واسعة وألغى رقابة القضاء على قراراته وعلى الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى اللذين يهيمن عليهما الإسلاميون. لكنه فشل في تهدئة الغضب ضده بكيله الاتهامات لمعارضيه. وحشدت مواقفه القوى السياسية غير المنتمية إلى التيار الإسلامي وقضاة مصر وقوى مجتمعية أخرى في مواجهته وحلفائه السلفيين. ووصلت تبعات الإعلان الدستوري إلى القصر الرئاسي، فأعلن مساعد الرئيس لشؤون التحول الديموقراطي سمير مرقص استقالته من منصبه، وسارت على دربه مستشارة الرئيس الكاتبة سكينة فؤاد، وتبرأ منه مستشار الرئيس أيمن الصياد الذي توقع «قراراً مرتقباً للهيئة الاستشارية للرئيس». وخرج مرسي أمام آلاف من أنصاره الذين احتشدوا منذ الساعات الأولى لصباح أمس أمام قصر الاتحادية الرئاسي في حي مصر الجديدة، مؤكداً انه لن يعود عن قراراته. وقال إنه لجأ إلى الإعلان الدستوري «من أجل استقرار الوطن وحماية الشعب والثورة». وتحدى معارضيه مصمماً على «المضي قدماً نحو الأمام وعدم النظر إلى الخلف»، في إشارة إلى عدم التراجع عن الإعلان الدستوري. وتوعد من وصفهم ب «قوى الشر»، وهاجم بعنف المحكمة الدستورية العليا، وحملها مسؤولية حل مجلس الشعب، قائلاً: «ما كنت أرغب في السلطة التشريعية... هل أنا من حل مجلس الشعب؟ كنت وما زلت أرفض أن يحل برلمان انتخب بإرادة حرة»، ما اعتبر تمهيداً لإعادة البرلمان المنحل. واستمر في هجومه على قضاة المحكمة الدستورية، متسائلاً: «كيف يعلم الناس بأحكام القضاء قبل استصدارها بأسابيع؟ الناس جمعياً علمت بأن قراراً سيصدر بحل مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، كيف يحدث هذا؟». واعتبر أن «القضاء مثل جميع أفراد الشعب يعمل لمصلحة الوطن، لكن به من أصابهم الفساد ويتغطون بغطاء القضاء المحترم ويفسدون». وتوعد ب «كشف الغطاء عن الذي يلتحفون به، وهم 5 أو 6 أو 7 قضاة، وإني لهم بالمرصاد، وهم جاء بهم نظام (الرئيس السابق حسني) مبارك، وكانوا يبكون بالدموع على النظام السابق المجرم وسأمنعهم من تعويق الثورة». وعاد ليدافع عن الإعلان الدستوري، قائلاً انه «ليس مقصوداً به تخليص حساب من أحد لأنني لست صغيراً لأفكر في ذلك... لكن حين أرى بوضوح أن حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشورى يعلن قبل الجلسة بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، فلابد من محاسبة المنفلتين الذي أعلنوا ذلك، ولا بد من إعمال القانون على الجميع وأنا أولهم». وحرص أكثر من مرة على تأكيد أنه «الرئيس الشرعي المنتخب» للرد على نداءات المتظاهرين في ميدان التحرير وعدد من المحافظات ب «سقوط النظام»، كما حرص أكثر من مرة على نفي انه يعمل من أجل مصالح جماعته وحلفائها، قائلاً: «أعمل من أجل كل المصريين ولست مع فصيل ضد آخر، وهدفي هو إعلاء قيمة الحرية والديموقراطية وتداول السلطة». وأضاف: «أنا مع كل أبناء الشعب المصري مع المؤيدين ومع المعارضين ولا يمكن أن انحاز أبداً ضد أحد من أبناء مصر... المعارضة في مصر لا تقلقني. أريد أن تكون هناك معارضة حقيقية وقوية. ولا يمكن لأي فصيل أن يدعي أنه صاحب الفضل في هذه الثورة... وسيرى العالم كيف تعبر مصر بإرادتكم جميعاً أينما كنتم في كل الميادين والشوارع والطرقات. أتحدث إليكم وأنظر إلى الآخرين وأريد أن أكون أيضاً معهم». لكنه استنكر «هجوم البلطجية على رجال الأمن»، في إشارة إلى ما يحدث من اشتباكات في شارع محمد محمود. وقال: «لن أسمح لأحد بأن يسيء إلى الوطن. لا يمكن أن نسمح للمال الفاسد بأن يؤجر البلطجية للاعتداء على المنشآت. لن نسمح باستخدام المال الفاسد الذي تم جمعه في ظل النظام السابق في هدم مكتسبات الثورة»، متوعداً ب «تطبيق القانون ضد الذين يثيرون شغباً لقاء مال... نحن مع المعارضين المخلصين ولكن ضد مثيري الشغب والبلطجة». وكان مرسي فاجأ الأوساط السياسية أول من أمس بإعلان دستوري أطاح بمقتضاه النائب العام عبدالمجيد محمود وعلق رقابة القضاء على قراراته وعلى الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) أو حتى النظر في التشريعات التي يسنها، ما دعا غالبية القوى السياسية وقضاة مصر إلى الاستنفار في مواجهة قراراته، إذ لم يؤيد القرار سوى قوى التيار الإسلامي، باستثناء حزب «مصر القوية» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح. وعقب استصدار الإعلان الدستوري بساعات قليلة، عقدت غالبية الأحزاب اجتماعاً في مقر حزب «الوفد» حضره مرشحو الرئاسة السابقون عمرو موسى وحمدين صباحي، إضافة إلى مؤسس «حزب الدستور» محمد البرادعي، قبل أن يعقدوا مؤتمراً صحافياً شنوا فيه هجوماً لاذعاً على مرسي، وحرصوا في نهايته على تأكيد «التوحد» في مواجهة ما وصفوه ب «الانقلاب الدستوري». ووسط هتافات ضد مرسي وجماعته، تلا نقيب المحامين سامح عاشور البيان الختامي للاجتماع الذي دان «الجريمة الكاملة التي أقدم عليها الرئيس تحت اسم الإعلان الدستوري، والتي تمثل انقلاباً كاملاً على الشرعية التي أتت به إلى الحكم وتمثل استحواذاً غاشماً على كل سلطات الدولة، وتصنع ديكتاتوراً لم تعرف مصر نظيراً له لا في أيام مبارك ولا حتى في أيام قلاوون والحاكم بأمر الله». وطالبت الأحزاب ب «إسقاط هذا الإعلان الغاشم وبإلغائه، وحل الجمعية التأسيسية المنبوذة من عمال مصر وفلاحيها ونسائها وأقباطها وطلائعها الوطنية ومثقفيها، والتي فقدت مشروعيتها الأخلاقية والسياسية، وإصدار تشريع للعدالة الانتقالية يضمن القصاص للشهداء». واختتم عاشور بيانه موجهاً حديثه إلى مرسي قائلاً: «شرعيتك على المحك إن عدت عدنا والبادئ أظلم». وفي بيان منفصل، أعلن حزب «مصر القوية» الذي يقوده أبو الفتوح رفضه ما جاء في الإعلان الدستوري «من تكريس لسلطة الفرد». واعتبر تحصين قرارات الرئيس والقوانين الصادرة عنه وكذلك مجلس الشورى والجمعية التأسيسية «جور على دولة القانون، ولا يؤسس لدولة المؤسسات القائمة على الفصل والتوازن بين السلطات». إلا أنه أكد تأييده استبعاد النائب العام السابق وإعادة محاكمات قتلة الثوار ورموز النظام السابق، مشدداً على أن يتم ذلك «وفق قانون استقلال القضاء». وأبدى استنكاره الشديد ل «استمرار تقاعس مؤسسة الرئاسة عن القيام بواجباتها كسلطة تنفيذية في تطهير الداخلية وإعادة هيكلتها». وعلى النهج، نفسه سارت «حركة 6 أبريل» التي اعتبر مؤسسها أحمد ماهر أن القرارات التي أصدرها مرسي «بها ما هو عظيم ومطلوب منذ فترة طويلة مثل إعادة المحاكمات وإقالة النائب العام، ومد فترة عمل الجمعية التأسيسية للدستور، لكن تحصين قرارات الرئيس وتحصين التأسيسية بداية عهد استبداد جديد، ولذلك فهذه قرارات مرفوضة ويجب إلغاؤها». وعقد «نادي قضاة مصر» اجتماعاً استمر حتى ساعة متقدمة من صباح أمس أعلن في ختامه رئيس النادي أحمد الزند عقد جمعية عمومية طارئة لمجلس القضاء الأعلى اليوم لمناقشة الرد على الإعلان الدستوري، كما حمل الرئيس ووزير الداخلية ووزير الدفاع كامل المسؤولية عن حياته وحياة ذويه وحياة أي قاضٍ من قضاة مصر، أو المساس بهم. وقال الزند موجهاً حديثه إلى مرسي: «أنت من قلت إن أصبت ساندوني وإن أخطأت قوموني، فهل نرد لك نداءً؟ جئنا اليوم لنقوّمك»، معتبراً إقدام مرسي على استصدار الإعلان الدستوري «حماقة». وقال: «لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها». ووصف الإعلان الدستوري بأنه «تحريف لدولة القانون ويدخل بمصر إلى دولة الغاب يسرق من يسرق ويقتل من يقتل ولا يستطيع أحد أن ينهاه». وأضاف: «عشنا حتى نرى اليوم الذي يعاقب فيه القضاة وقد اعتدنا ألا يعاقبوا إلا من الله... ما حدث مصاب جلل ومحنة أليمة؟ ليلتئم شملنا كي نضع حلاً أو حداً لهذا النزيف وهذه الخسائر الفادحة التي تأتي على الأخضر واليابس وتعيد مصر إلى ما قبل التاريخ».