«الإعلام الفاجر الفاسق آثم وسيصب الله عليه جام غضبه»! لخصت كلمات الشيخ الجليل المحتشد مع الجموع أمام قصر الاتحادية من أجل مناصرة الرئيس محمد مرسي في قراراته «الثورية» التي ستحمي الثورة وتدحض الفلول في جحورهم، النظرة إلى الإعلام. لكن القرارات ذاتها اعتبرها الليبراليون وغير معتنقي تيار الإسلام السياسي قرارات استبدادية وتؤرخ لفرعون جديد ذي سلطات ديكتاتورية. ولأن الفضائيات الخاصة أثبتت بالحجة والبرهان أنها لعبت دوراً فاعلاً في التمهيد لثورة يناير، ثم إشعالها، ومن ثم تأجيجها، وإنجاح فعاليات ال18 يوماً، ثم التنبيه إلى أنه جارٍ ركوبها حيناً وسرقتها أحياناً وإجهاضها طيلة الوقت، شمرت قوى الإسلام السياسي عن سواعدها لتواجه «الإعلام الفاجر» الذي ينتقد قرارات الرئيس «التي هي من عند الله». هذا التشمير الخاضع لتفسيرات تبدأ ب «دور الفضائيات المشبوه»، وتمر ب «رجال أعمال الفلول الواقفين خلفها»، وتنتهي ب «تمثيل هذه الفضائيات لتيارات علمانية كافرة تريد تشويه هوية مصر الإسلامية»، يؤكد أن الفضائيات المصرية الخاصة ما زالت تلعب دوراً ريادياً في المشهد السياسي المصري الملتبس والبائس. الفضائيات المصرية الخاصة التي كانت المتنفس الوحيد المتاح لرموز جماعة «الإخوان المسلمين» في السنوات الأخيرة من عهد النظام السابق الذي كان يحظر «ماسبيرو» دخولهم باتت اليوم مصنفة «إخوانياً» تحت بند «الإعلام الفاجر والفاسق» وأحياناً «الداعر». وانتهى عصر الظلم ليبدأ عصر الحرية والديموقراطية، والذي استهل أول فصوله بحرب طاحنة تشنها الجماعة وحلفاؤها من تيارات سلفية على الفضائيات الخاصة. في البداية، ظلت الحرب مكتومة الصوت. تتردد رموز الجماعة والتيارات السلفية على استوديوات تلك الفضائيات حيث يدلون بدلوهم، ويتحدثون بعقيدتهم، ويشرحون تصوراتهم المستقبلية، ثم يخرجون منها لينتقدوا أقرانهم من ضيوف التيارات غير الإسلامية. وأخذت نبرة الانتقادات الإسلامية السياسية تعلو تدريجياً تجاه ما تبثه هذه القنوات. أقنعة وكانت فاتحة التخلص من أقنعة المجاملات موقعة نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» عصام العريان ومقدمة برنامج «صباحك يا مصر» المذيعة جيهان منصور على قناة «دريم». وكانت منصور تلقت اتصالاً هاتفياً من ناشطة سياسية، أعقبه اتصال هاتفي أيضاً مع العريان للرد على ما وجهته الناشطة للجماعة، فما كان من العريان إلا أن صب غضبه على المذيعة، متهماً إياها بأنها تتقاضى أموالاً من تيار سياسي آخر من أجل مهاجمة التيار الذي ينتمي إليه. وسواء كان ما يحدث هو حرب الثغرة القانونية التي هي خير من ألف حجر على الحريات وكتم للأصوات وحنق للتعبير، أم أن عملية سيطرة «الإخوان» على مفاصل الدولة جارية والقضاء على تلك التي لا يمكن السيطرة عليها، فإن ما حدث في قناة «دريم» يستحق البحث والتحليل. فالقناة التي يرتبط اسمها بجنحة سب وقذف ضد واحد من رموز «الإخوان»، والتي يرتبط اسمها كذلك بالإعلامي وائل الإبراشي الذي دأب على شن حرب عاتية على الجماعة والحكومة المصرية التي وصفها بالفشل بعد تعثر الأمور في مصر في شكل غير مسبوق وفي أعقاب حادث أسيوط المأسوي، يسيطر السواد على شاشتها حالياً مع رسالة مقتصبة يقول نصها: «تعلن قنوات «دريم» عن تعذر بث برامجها على الهواء مباشرة بسبب القرار الصادر من حكومة الدكتور هشام قنديل بمنع بث برامج الهواء من استوديواتنا رغم قانونية البث وهو الأمر الذي يؤكد ما يُتداول من مخططات لتضييق على الحريات وبخاصة الإعلام ويعرقل مسيرة الاستثمار». هذه المواجهة العلنية «القانونية» الكاشفة سبقتها واقعة «سحرة فرعون» الشهيرة عندما شبه مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع العاملين في الإعلام الخاص والفضائيات ب «سحرة فرعون»، وهو التشبيه الذي ذاع صيته وراج بين أوساط التيارات الإسلامية المسيطرة على الساحة السياسية. الجمعة الماضي، هلل مناصرو «الإخوان» ومريدوهم والمتحالفون معهم من التيارات الدينية الأخرى حين أعاد خطيب صلاة «جمعة مناصرة قرارات الرئيس مرسي» الأخيرة من أمام قصر الأحادية إحياء التشبيه البليغ، مؤكداً أن الفضائيات التي تعارض قرارات الرئيس ما هي إلا «سحرة فرعون». وذاع صيت فرعون في شكل واضح هذه الأيام، إذ تعلو الأصوات الآتية عبر الفضائيات والتي يؤكد بعضها أن مصر بصدد صناعة فرعون جديد من خلال هذه القرارات. قرارات إغلاق مماثلة لتلك الصادرة ضد «دريم» تهدد قريناتها، ولا سيما «أون تي في» و»التحرير» لأسباب معلنة تتعلق بالوضع القانوني، وأخرى خفية تتعلق بالمحتوى الإعلامي. سلاح استراتيجي المحتوى الإعلامي الفضائي الذي يعد المصدر الرئيس لتشكيل الرأي العام في مصر الآن هو سلاح استراتيجي يجري استخدامه ومحاولة السيطرة عليه، كي لا يقع في أيدي الأعداء. وبعيداً من الحرب العدائية بين قوائم تعلن لمكافآت تقاضاها رموز الجماعة نظير ظهورهم على الفضائيات، وهو ما سارع «الإخوان» إلى نفيه، وأخرى ترد باتهامات بالفسق والفجور والشذوذ للعاملين في تلك الفضائيات، الأكيد أن حرب تكسير العظام باتت معلنة. والأرجح أنها حرب طويلة الأمد، وذلك في حالة واحدة، ألا وهي عدم إغلاق «الإخوان» تلك القنوات سريعاً. فالقنوات الموجودة على الطرف الآخر ما زالت محدودة التأثير ومنخفضة المشاهدة. هذه القنوات هي القنوات الدينية المنفلتة والتي صنعت لنفسها جيوشاً جرارة من المفتين والدعاة «صناعة منزلية»، وتحولت في الأشهر الأخيرة إلى ساحات لتوجيه اتهامات الدعارة والفجور للفنانين، وإصدار فتاوى على مقاس مشايخ تلك القنوات ومريديها، وتأييد النظام الإخواني الحاكم. كما أن هناك القنوات الإخوانية ومنها ما يمثل الجماعة رسمياً وهي قناة «مصر 25»، ومنها ما يمثلها بطريقة غير رسمية. وكما ينتظر المصريون ما ستسفر عنه حال الغليان السياسي والتشكيك الشعبي المتبادل والفوضى العارمة في الأيام القليلة المقبلة، تنتظر الفضائيات الخاصة ما ستحمله الأيام المقبلة لها من رياح «إخوانية» عاتية تؤدي بها إلى الإغلاق وتلقي قلادة الإقالة، أو أخرى لطيفة تؤدي بها إلى الاستمرار وإن كان في «الفاتيكان»، أو أن سيناريو ثالثاً غامضاً يجري التجهيز له. أقوال مأثورة في الشاشات المنثورة «الفضائيات الخاصة بعضها ممول من الخارج ويهدف إلى هدم الوطن وتقويض وحدته والأجندات الخارجية التي تبثها البرامج خير دليل على ذلك» (من مقولات رموز للنظام السابق قبل سقوطه). «الفضائيات الخاصة هي التي مهدت الطريق لثورة يناير الطاهرة عبر كشفها لقضايا الفساد وفضحها لممارسات النظام السابق» (الإخوان المسلمون في أوائل الثورة) «الفضائيات الخاصة أشبه بسحرة فرعون وهدفها هدم مصر ونشر الفوضى ومحاربة الرئيس المنتخب» (الإخوان المسلمون بعد أسابيع من فوز الرئيس مرسي) «الفضائيات الخاصة هي أحد حوائط الصد الأخيرة لهجمة تيارات الإسلام السياسي على الحريات والهوية المصرية» (قوى مدنية) «الفضائيات الخاصة تنقل الفسق والفجور ببث الأغاني والأفلام الإباحية ويجب محاكمة القائمين عليها وتطبيق شرع الله عليهم» (قوى التيارات المتشددة) «الفضائيات الخاصة أنهكتنا بالحديث عن الدستور والعريان والبرنس وصباحي وأبو الفتوح. نريد أن نأكل ونشرب ونعلم أولادنا» (قوى رجل الشارع)