سيذكر التاريخ ل - أو ربما على - الرئيس الأميركي جورج بوش أنه أول من فتح الباب أمام الفضائيات لتقف نداً بند باعتبارها عدواً أو صديقاً لأنظمة ودول. اعتبر بوش قناة «الجزيرة» معادية للولايات المتحدة إبان الاجتياح الأميركي لأفغانستان، بعدما جرى العرف الدولي على أن تعادي الدول دولاً أخرى، وتصادق الأنظمة أنظمة مثيلة، وتنافس الفضائيات قريناتها... لكن أن تعتبر دولة، فضائية عدواً لها فذاك كان أمراً جديداً! وسيذكر التاريخ أيضاً للرئيس المصري محمد مرسي أنه وضع الفضائيات نداً له ولحكمه! فالفضائيات التي خصصت برامج لمراقبة أداء مرسي في المئة يوم الأولى من حكمه صنّفتها جماعته، ممثلة بصحافييها وفضائياتها وأخيراً عبره شخصياً، فضائيات مضللة تسعى إلى إفشاله. مريدو «الجماعة» ومحبوها وصحافيوها (الإخوان منهم والمتحولون) يكيلون كل أنواع الاتهامات لكل من يتجرأ على انتقاد أداء الرئيس أو معارضته، سواء كان انتقاد بناء أم هداماً. قرر أولئك أن يضعوا كل من يظهر على الشاشة ليضع علامة استفهام أو تعجب في ذيل تصريح للسيد الرئيس، أو خبر عنه، أو قرار له في سلة واحدة، إنها سلة حزب أعداء النجاح وإفشال الرئيس ومعاداة مصر وهدم الوطن وتغليب المصالح الشخصية ومحاولة إعادة النظام الفاسد! وتضم قائمة الاتهامات الموجهة من مناصري الرئيس اتهامات بالعمالة والخيانة وتلميحات بالكفر، وذلك بحكم أن الليبرالية كفر والاشتراكية إلحاد والامتناع عن تأييد خلط الدين بالسياسة خيانة. وظلت الحرب المنظمة ضد الفضائيات المصرية الخاصة تتصاعد، وهي التي كانت إلى عهد قريب جداً شريكاً رئيسياً في الثورة، بعدما أمضى بعضها السنوات القليلة التي سبقت اندلاع الثورة في كشف الفساد. ولأن كثيراً من تلك الفضائيات ومقدميها لم يبادروا إلى تقديم فروض الطاعة والولاء، ولأن حدة الانتقادات زادت في أعقاب الفشل الذريع لبرنامج المئة يوم الذي ألزم به الرئيس نفسه، ولأن نبرة المعارضة اشتدت بتعميق الخط الفاصل بين كل ما هو إسلامي «طيب» وكل ما هو ليبرالي «شرير»، تبلور هذا العداء تجاه منظومة الفضائيات الخاصة في شكل واضح ومباشر. وتطور الأمر من مجرد حشد الأقلام على صفحات الإعلام الإخواني، وحشد عائلات الإخوان في ميدان التحرير دفاعاً عن كل ما يصدر عن الرئيس، وتصفيقاً لكل ما يتفوه به، إلى ما هو أكثر من ذلك! فبعدما كان الاتجاه السائد هو أعمدة رأي إخوانية تحمل عناوين مثل «صفعات مرسي لمناضلي الفضائيات»- علماً أن بعض مناضلي الفضائيات المغضوب عليهم ساهم في إنجاح الرئيس مرسي في ما عرف ب «إسقاط المرشح المنافس أحمد شفيق» - بادر الرئيس مرسي إلى الجهر بهذا العداء. وهدد بأن الدولة ستتصدى «لمن حصل على أراض بالفساد، ولمن استخدم أمواله لامتلاك قنوات فضائية تشوه الحقائق»! وبالطبع يبدو أن انتقاد الأوضاع ومعارضة القرارات المتخبطة باتا تشويهاً للحقائق في زمن الإخوان. أما عقوبة ذلك، ففي مرحلة التجهيز! فليستعد الجميع!