في مسرحية «الدبلة» يطرح الفنان المصري خالد الصاوي بصفته كاتباً مسرحياً، قراءته لأزمة الضمير المصري، وقوة الإنسان المثقف، وصلابته الداخلية تجاه قيمه الفكرية، التي تقف كالحائط الصلد في وجه إغراءات المادة، التي تحني رأسه، وتسلبه منجزاته الإبداعية والتزاماته الأخلاقية. والمسرحية هذه قدمتها فرقة «جسور» المسرحية من إخراج إبراهيم أحمد على مسرح «الإبداع» التابع لصندوق التنمية الثقافية المصري. استطاع المخرج الشاب إبراهيم أحمد ترجمة رؤية المؤلف خالد الصاوي عبر خلق محكيات بضمير المتكلم، ومحكيات بضمير الغائب، وقائعية خارجية، ونفسية داخلية، ومن خلال التناوب بينها تولد الصراع الذي ترجم علاقة المادة بالقيم والأخلاق التي تطبع موقف الشخصية من ذاتها ومن الآخرين من خلال رؤيتين متناقضتين، الأولى للبطل وهو الكاتب المثقف صاحب القيم والمثل العليا الذي يرى أن الفن يجب ألا يكون تجارة أو سلعة. رؤيتان متضاربتان أما زوجته المرفهة، التي تصطدم بالفقر وضغوط الحياة المادية بعد الزواج والإنجاب فتدفع زوجها للتنازل عن مبادئه وقيمه التي تتنافى مع ضغوط الحياة اليومية وأعبائها، ومع تضارب هاتين الرؤيتين من جهة، وإشكالية البطل وتناقضاته ومحاولاته لتجاوز أزمة الضمير وشعوره المتفاقم بالمسؤولية كمثقف يشكل وجدان الأمة، ويعيد صوغ وعيها، ويحدد مساراتها التي سُرقت بين ثنايا عقول المدعين والمغرضين ولصوص الفكر. تظهر حالة الانسلاخ الإرادي للمثقف العربي عن بيئته وأوضاعه العامة والثقافية وتجريده لذاته ودوره في الحياه تحت وطأة الصراع اللاهث وراء المادة، ما يضعه في حال من اللاتوازن والاغتراب الذاتي. يقول إبراهيم أحمد: «يتدخل المسرح الجاد في مختلف جوانب الحياة، فالعرض يطرح أسئلة قلقة وحرجة تدور في عقل المثقف. فالثقافة هي ممتلكات الأمة حين الانخراط في عملية البناء الحضاري، لإثبات الذات في مسيرة التنمية، ومن خلال العرض قمنا بمناقشة هذه الإشكالية عبر قصة إنسانية واقعية». بطل العرض مصطفى يسري استطاع ببيجامته البيضاء الملطخة بأوساخ الواقع وماديته اللعينة تجسيد دور فوزي الكاتب الفنان المرهف الممزق بين مسؤوليته الأخلاقية كمثقف ومسؤولياته المادية التي لا تنتهي كزوج وأب. واستخدم المظهر الحركي والإيمائي للدلالة عن اللحظات الشعورية المهيئة لحالات التحول على تباينها، أو تلك التي تجسد ردود الأفعال من إصرار وقوة في الدفاع عن القيم والمثل والأخلاق إلى قهر وانهزامية أمام الواقع الذي فرضته الزوجه زينات وهو الدور الذي قدمته مروة حامد بحيث عرضت لدور الزوجة وقوة سيطرتها وسطوتها على زوجها تحت اسم الحب والمسؤولية. اللافت في العرض هو القوة والتناغم في التعبير الحركي الذي اعتبر بطل المسرحية بلا منازع، ناهيك عن الإيماءات والحركات التعبيرية للأبطال والتلوين في الأداء. شارك في المسرحية محمد بعتر، نور علي. الموسيقى من تأليف مهاب السيسي، وسينوغرافيا لنادية توفيق. خالد الصاوي فنان متعدد المواهب فهو ممثل وقاص وشاعر ومسرحي، وعمل مساعد مخرج.