تُعد إيطاليا، إضافة إلى كونها دولة آثار وفنون عمارة، مسرحاً للعروض الموسيقية أيضاً في فصل الصيف، فتتحوّل ساحات مدنها إلى «فسحات موسيقية» لما تكتنزه من مهرجانات شعبية، محلّية الطابع كانت أو عالمية. ففي بلاد فيردي وفيفالدي تكثر مهرجانات الموسيقى، فتمسي لياليها الصيفية ليالي للأنس والسهر على إيقاعات وأنغام مختلفة. مدينة ملبينيانو الواقعة في الجنوب الإيطالي، كانت على موعد مع مهرجان La Notte della Taranta أي «ليلة الرتيلاء» الذي اختتم نسخته السابعة عشرة لهذه السنة. تعود أصول التسمية إلى التراث الشعبي لمدينة سالنتو حيث كان يُعتقد أنّ الرقص على إيقاعات الطنبور والكمان والعود يشفي من «لسعة الرتيلاء» السامّة. وتنطلق هذه الطقوس الشعبيّة ذات الطابع العائلي والمحلّي في آن واحد من اعتقاد بأنّ الموسيقى تحدث رعشة تحض على الرقص فتطرد سموم العناكب وتشفي العليل. مهرجان هذه السنة كان الأضخم من حيث الحضور، وعدد الفانين المشاركين. أكثر من مئة وخمسين ألف متفرج حضروا كونشيرتو حفلة الاختتام التي شارك فيها فنانون إيطاليون مثل Roberto Vecchioni وAlessandro Mannarino إلى فنانين عالميين مثل Lori Cotler وGlen Velez. يهدف المهرجان إلى إحياء الموسيقى المحلّية والغناء باللهجات المحلّية عبر دمجها بموسيقى الروك والجاز والموسيقى السمفونية. لكن الاعتقاد الشعبي حول الشفاء من لسعة الرتيلاء بواسطة الموسيقى والرقص تغيّر، إذ أصبحا أداة «للنهوض بالوعي الاجتماعي، فالرتيلاء لم تعد مؤذية كما في السابق»، كما أكد المنظمون. وتستمر ليالي الموسيقى في إيطاليا، فكانت مدينة نوفي فيليا في مقاطعة كامبانيا الجنوبية على موعد مع «مهرجان الموسيقى القديمة» في نسخته السادسة عشرة. وهو مهرجان فريد من نوعه من حيث المضمون، اذ يُنظّم سنوياً للاحتفاء بحركة الحجّاج الذين كانوا يتقاطرون لزيارة مقام السيدة العذراء على جبل جيلبيسون المطل على المنطقة. هذا الحدث بدلالاته التاريخية والثقافية يستقبل عازفي المزمار والزامبونيا والأكورديون والفلوت، صار ضمن التراث الشفهي الشعبي للبحر الأبيض المتوسط، كونه أحد المهرجانات التي تعمل على إحياء ونشر الثقافات القديمة للدول المجاورة له أيضاً. إلى ذلك يتميّز المهرجان بإحياء الثقافات والتقاليد المصنّفة ضمن لائحة التراث الثقافي للإنسانية، وفقاً لمنظمة اليونسكو. ويدخل المهرجان ضمن مشروع مقاطعة كامبانيا (مشروع بلد) حيث يتم التعريف سنوياً ببلد من البلدان المحاذية للمتوسط. وتشارك فعاليات هذا المهرجان في مشروع «شبكة التراث الشفهي للبحر الأبيض المتوسط» الذي تستقبله مداورة إحدى دول المتوسط سنوياً. وكان العام الفائت من نصيب دولة المغرب ضمن مهرجان فاس للثقافة الأمازيغية، إضافة إلى التعاون مع وزارة الثقافة المصرية وجمعية «فوانيس» التي تنظّم الحدث في مصر. أما المهرجان الأكثر إثارة من حيث التنظيم فهو «سبونس فيست» Sponnz Fest الذي يحمل عنوان «حلمت بالقطار» لهذه السنة. نسخته الحديثة هذه تدور رحاها في البلدات الواقعة على خط سكك الحديد المنسيّة التي تربط مدينتي آفيلينو وروكيتّا في الجنوب الإيطالي. ينتقل المهرجان كل ليلة إلى بلدة حيث يتوافد المشاركون بواسطة قطار صمّم خصيصاً للحدث. ويتضمن المهرجان عروضاً راقصة ومسرحية. وقد كانت بلدة كونتسا على موعد مع «فجر الشرق بموسيقى الحدود» على ايقاع ال Gipsy التي تؤدّيها فرقة Fanfare Ciocarlia والتي يقطن أعضاؤها على الحدود الفاصلة بين دولتي رومانيا ومولدافيا. ويبقى مهرجان Ferrara Buskers Festival لموسيقيي الشارع الأكثر شهرة بطابعه العالمي، من حيث مشاركة الفنّانين. وقد كان لافتاً مشاركة نحو 45 دولة في نسخته لهذا العام. وحول مشاركة الموسيقيين العرب، صرح المسؤول والمنسق الفني للمهرجان ستيفانو بوتوني ل «الحياة»، أن المشاركة العربية ما زالت تقتصر على مبادرات فردية. وأشار إلى أنّ «مهرجان فيرّارا «لا يميّز بين الموسيقيين على أساس قومي بل يتحدون ضمن بوتقة واحدة في الساحات، فالموسيقى ليس لها حدود قومية». وبعد إبدائه «افتتانه «بألف ليلة وليلة، أمل بأن تصبح مشاركة الموسيقيين العرب أكثر حضوراً وفعالية».