بات من النادر أن يحظى المشاهد بمتابعة فيلم سينمائي او مسلسل او برنامج تلفزيوني من دون أن يضطر الى مشاهدة سيل من الاعلانات التجارية التي تُقحم على نحو عشوائي مزعج. وإزاء هذه الظاهرة التلفزيونية القديمة الجديدة، راحت الفضائيات تتباهى، بوعود تبشر بها المشاهدين بإمكان متابعة فيلم سينمائي او مسلسل تلفزيوني من دون توقف، أي من دون فواصل إعلانية طويلة تعادل في زمنها، أحياناً، زمن الفيلم او المسلسل. والواقع ان الاعلانات التجارية، التي كتب حولها الكثير، أصبحت أمراً لا يطاق، وإذا استثنينا محطات قليلة لا يتجاوز عددها اصابع اليدين، نجد ان غالبية الفضائيات تتكئ على الاعلانات كمادة رئيسة، فيما المادة الإعلامية اصبحت نافلة وثانوية. والمشكلة ان هذه الاعلانات لم تعد مقتصرة على الترويج لسلعة معينة او لماركة معروفة، بل امتدت لتشمل كل شيء، اذ بتنا نشاهد اعلانات عن مسابقات وجوائز لا تحصى مع ارقام الهواتف التي لا تغيب عن الشاشة، فضلاً عن إعلانات حول عيادات طبية تفعل المستحيل، بل يمكن ان تسمع فتاوى، ومدائح، بلا حدود، ل «مشعوذ قادر على تحقيق المعجزات»، او لداعية يقدم لك النصح والإرشاد، او «سيدة وقورة» تجتهد في مسائل الزواج، وأخرى ستعيد، بعقاقيرها الغريبة، النضارة والشباب إلى البشرة المتعبة؛ المترهلة. إنه فضاء مفتوح امام كل أنواع التضليل والمبالغة، وما على المشاهد سوى ان يتناول هاتفه الخليوي ويتصل بالأرقام التي تظهر على الشاشة حتى يحصل على ضالته المنشودة. ولحسن الحظ ثمة علاقة بين المساحة الإعلانية وبين طبيعة المحطة، فالفضائيات القليلة المحترمة لا تزال تحافظ على مقدار من الاصول والقواعد الفضائية، إذ تقلص زمن البث الإعلاني الى اقصى حد، بينما نجد فضائيات أخرى، وهي غالباً تكون هابطة بالمقاييس التلفزيونية، سخية في بث الإعلانات من كل لون وجنس، كأنها بذلك تفصح عن هويتها التلفزيونية «الهجينة». علاوة على ذلك، فإن هذا الغزارة الإعلانية التي فاقت كل تصور، اربكت المشاهد بحيث يعجز، احياناً، عن التمييز بين ما يراه: هل هو مادة اعلانية أم مادة درامية؟ ذلك ان مجموعة من شركات الانتاج الاعلاني راحت تستعين بالنجوم وتستغل شهرتهم في سبيل الترويج لهذا المنتج او ذاك، وأصبحنا نرى «نجوم إعلان» من هوليوود وبوليوود والعالم العربي مثل جود لو وبراد بيت واشواريا راي واميتاب باتشان وبريانكا شوبرا ومنى زكي وهند صبري ومنة شلبي واحمد السقا وسواهم... وتحدث مفارقات طريفة إن ظهر احد هؤلاء النجوم في إعلان خلال فيلم من بطولته هو! لا غرابة بعد ذلك ان تتباهى الفضائيات في امر بديهي هو تقديم فيلم او مسلسل بلا توقف، فهذا الأمر غدا أمنية صعبة المنال.