«صناع الدراما تحولوا إلى مسحراتية رمضان»، هذه العبارة التي قالها أحد المخرجين السوريين تتكرس سنة بعد سنة، فكل مخرج أو ممثل أو كاتب سيناريو يسعى إلى عرض عمله «المميز» (واسطة العقد) في شهر رمضان، وشركات الإنتاج، من جانبها، تخوض صراعاً شرساً للفوز بفرص عرض أعمالها في هذا الشهر، وهذا التهافت الدرامي دفع بأحدهم إلى القول: الفضائيات العربية تخصص أحد عشر شهراً للدراما التركية، وشهراً واحداً للدراما العربية. الفضائيات لا تتذمر من هذا السلوك الدرامي، بل هي التي تعزز تلك الأماني والرغبات. ولعل جولة سريعة بين الأقمار والمحطات تكشف عن هذا «النزوع التحريضي» الذي يتجلى في الفقرات الإعلانية الترويجية لشهر رمضان والتي بدأت منذ أسابيع، والآتية وفق قالب تشويقي وجذاب كان يصعب على هيتشكوك، ذاته، إدراكه، وصنع مثيل له. كل فضائية تصور نفسها على أنها ستكون الأفضل والأجمل والأمتع في الشهر الكريم، وهي تعد المشاهدين بالكثير من القصص التراجيدية المؤثرة (أين منها تراجيديات شكسبير؟)، وبحكايات كوميدية طريفة، وبمفاجآت لا تخطر على بال... والمفارقة أن هذا الاجتهاد الإعلاني المثير، يستقي إثارته وفرادته من فضاءات المسلسلات المنتظرة، ولأن خيال المعلنين خصب، فقد تجد فقرات إعلانية متباينة ومختلفة، على رغم أنها تروج للمسلسل ذاته، وكأن وقائع المسلسل ستتبدل لدى انتقاله من شاشة إلى أخرى. نجوم الدراما، يشكلون مادة تتمتع بجاذبية خاصة، فالمادة الإعلانية الترويجية تتمادى في استثمار صورة هذا النجم أو ذاك، حتى ليعتقد المشاهد أن هذا النجم قد هجر الفضائيات جميعها، وأصبح ظهوره حكراً على هذه الفضائية بعينها من دون غيرها... بل أن فضائيات أخرى انتزعت من أولئك النجوم جملاً غير مقنعة، البتة، تدعو إلى متابعة هذه الفضائية أو تلك، على اعتبار أن الدعوة الصادرة من «النجم المحبوب» إلى المشاهد المغلوب على أمره، لا بد وأن تُلبى!! على رغم هذه «الاستماتة» في السباق نحو الشهر الفضيل، فإن الأمر، ببساطة، غدا مملاً ورتيباً وقديماً، وفي وسع المشاهد أن يختار محطته المفضلة تبعاً لتجارب سابقة، فقد سمع مراراً هذه الوعود الإعلانية وتلك المفاجآت المنتظرة، وخاب أمله أكثر من مرة حين رأى على الشاشة التي وعدت ب «الجديد والمميز» وجبة إعلانية دسمة طويلة يتخللها مسلسل ركيك... ناهيك عن أن الفرادة المزعومة لم تكن أكثر من مجرد ساعات قليلة تفصل بين محطة وأخرى تعرض المسلسل ذاته. أما العرض الحصري فلم يعد سوى أكذوبة، فليس كل ما هو حصري يجب أن يتميز بالجودة والإتقان، كما خبر المشاهد، ولسوء حظ الفضائيات أن ثمة ذاكرة تعي هذه «المزاعم والأقاويل» وتضغط بهدوء على زر معين في جهاز التحكم، غافلة عن الطرق الوعرة التي يسلكها المتسابقون نحو شهر رمضان.