وسط الهجمة الإعلانية الشرسة، التي تتفاقم إلى حدود غير محتملة في المواسم الرمضانية، تصعب متابعة مسلسل درامي على نحو سلس؛ هادئ، إذ سرعان ما تظهر لك «سيارة فارهة»، أو امرأة تتباهى ب «غسيلها الناصع»، أو أسرة تتناول «وجبة شهية» أو تتفرج على شاشة تلفزيونية هي «الأنقى صورة على الإطلاق»... وعلاوة على ان هذا الإقحام الطارئ يفسد «الإيقاع الدرامي للعمل» (إذا كان للمسلسل مثل هذا الإيقاع!)، فإنه ، كذلك، يربك المشاهد الذي قد يلتبس عليه الأمر، أحياناً، فلا يعود يفرّق بين «الإعلان»، و «المسلسل»، وعليه أن يلجأ، حينئذ، إلى ترميم الفواصل والشروخ بمونتاج ذهني - ذاتي يجمع له عقد المسلسل المنفرط بين ركام من السلع من «الكاتشاب» الى «الدفع الرباعي»، ومن «البطاطا المقرمشة» الى «العطور الباريسية»... إزاء هذه الوفرة الإعلانية، والتي ترافقها وفرة مماثلة في المقاطع الترويجية للبرامج والمسلسلات وكذلك الدعوات الحثيثة، المستجدية لإجراء اتصالات تليفونية، تبرز تجربة محطة «إينفينيتي»، كتجربة فريدة؛ استثنائية تستحق التقدير، فهي القناة الوحيدة، في حدود علمنا، التي تحدّت هذا الواقع المكرس، وراحت تعرض المسلسل، كاملاً، دون أية فواصل إعلانية! ثمة إعلانات، بالطبع، في الفترة الفاصلة بين عمل وآخر، ولكن ما إن يبدأ المسلسل حتى تمتنع المحطة عن عرض الإعلان. ليس في الأمر «بطولة» من أي نوع، فهو مجرد إجراء إداري استجاب رغبات ملايين المشاهدين. لكن لا يمكن تبسيط الأمر على هذا النحو البريء إذا ما اخذنا في الاعتبار، تهافت الفضائيات كلها، بلا استثناء، الى استثمار الموسم الرمضاني لسحب المزيد من الأموال من جيوب المعلنين. هذه القاعدة السائدة تدفع المراقب الى مدح تجربة «اينفينيتي»، وإن بدت متواضعة، لكنها تنطوي على مجازفة لم تجرأ «أعتى» الفضائيات على التفكير بها وتطبيقها، ناهيك عن انها تضمر تقديراً للمشاهد الذي لم يعد قادراً على الاستغناء عن ال «ريموت كونترول» تحسباً للطوارئ الإعلانية، وهي لا تحصى. الى ذلك، فإن تجربة «إينفينيتي» تنبه الى أمر يمكن أن يتحول إلى نموذج يحتذى، فما المانع من أن تتفق الفضائيات العربية، أقلها تلك الرائجة والمشهورة، على «ميثاق ذوق» - على وزن «ميثاق شرف» - ينص على بث الإعلانات تحديداً في الفترة الفاصلة بين البرامج والمسلسلات؟ وإذا التزمت هذه الفضائيات بمثل هذا الإجراء، فحتى المعلن لا يستطيع، عندئذ، الاحتجاج، بينما سيتحرر المشاهد من «جهاز التحكم»، وهو يتابع برامجه ومسلسلاته وأفلامه المفضلة، وهو متيقن من أن لا فواصل ستعكر صفو متابعته، ولن يطرق باب الشاشة ضيوف معلنون يثيرون الكثير من الفوضى والضجيج.