في حملة لم يسبق لها مثيل في الشمال الأميركي، توزِّع مدارس أميركية وكندية، متوسطة وابتدائية، حبوبَ منع الحمل مجاناً لطالبات مراهقات ممن يمارسن الجنس من دون وقاية، ومنهن قاصرات لم يقمن بممارسات مماثلة، وتتراوح أعمارهن بين 13 و17 سنة. ويبدو أن الظاهرة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة على نطاق واسع، تواجَه اليوم بمواقف وآراء متباينة بين مؤيد ومستنكر، حتى أضحت قضية رأي عام تتداولها مختلف الأوساط التربوية والسياسية والدينية والاجتماعية والإعلامية. رئيس رابطة التربية الوطنية، الأميركي فاليري هوبر، يستنكر هذه المبادرة ويقول إنها «دعوة غير مباشرة لتشجيع المراهقات على ممارسة الجنس غير المشروع من دون التبصر بنتائج ما قد ينجم عنها من مخاطر الإجهاض أو الحمل أو الولادة المبكرة». أما عضو الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال كورا برونر، فيرى أن «لجوء المراهقات لاستخدام حبوب منع الحمل هو وسيلة وقائية تصل فعاليتها إلى حدود 90 في المئة إذا ما أُخذت خلال 72 ساعة بعد ممارسة الجنس». وفي السياق ذاته نشر «معهد غوتماشر» الأميركي استطلاعاً للرأي جاء فيه أن 80 في المئة من المراهقات الأميركيات بين 13 و17 سنة يتعرضن للحمل غير المشروع، منهن 37 في المئة يجهلن وسائل الحماية وثقافة الإخصاب، و20 في المئة يخفين علاقتهن الجنسية عن ذويهن، و43 في المئة يقعن ضحايا معلومات خاطئة عن الجنس. ويشير»مركز حماية الطفل» الأميركي من جهته، إلى أنه يستقبل سنوياً ما بين 35 و50 مراهقة حامل تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة، 35 في المئة منهن لا يتابعن الدراسة، و50 في المئة يقررن الإجهاض، و15 في المئة يحتفظن بالجنين، فيما معدل الحوامل في المدارس الكبيرة يتراوح بين 20 و40 طالبة سنوياً. وكشفت جريدة «نيويورك بوست» الأميركية أخيراً، أن برامج العيادات الصحية المدرسية طلبت من أولياء الطالبات ملء استمارة تسمح لبناتهم بالحصول على حبوب منع الحمل، في ظل إحصاءات «مخيفة» تشير إلى أن بيانات الحمل تجاوزت 7 آلاف طالبة مراهقة بين 15 و17 سنة في كل عام، أي أكثر من ثلثي حالات الحمل التي تخضع لعمليات الإجهاض. ولفتت إلى أن الفتيات في سن 13 سنة يحصلن على عقاقير منع الحمل سراً أو بمجرد طلبها من ممرضات المدارس. أما مواقف الأهل، فمنهم من يفضل أن تحصل ابنته القاصر على حبوب منع الحمل في إطار شراكة منظمة بين المدرسة والأسرة، ومنهم من يرفض توقيع الاستمارات التي ترسلها إدارات المدارس تحت اسم برنامج «كاتش»، أي حماية المراهقات، إذا لم تكن مرفقة بوصفات طبية من العيادات الصحية المدرسية، ومنهم أيضاً من يطالب بإعادة العمل ببرنامج «التربية الجنسية الوطنية» المعروف ب «العفة فقط»، الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وخصص فيه للمدارس التي تبنت تطبيقه مساعدات مالية ضخمة بلغت حوالى 120 مليون دولار سنوياً. أما في كندا، فإن توزيع حبوب منع الحمل للطالبات المراهقات، لا يتطابق من حيث الأسلوب مع ما هو قائم في المدارس الأميركية، بمعنى أن الحصول عليها في المدارس الكندية ليس مجاناً، وهو يتطلب وصفة طبية إلزامية من مركز العناية الصحي في كل مدرسة. وتؤكد صحيفة «لا برس» أن عدد المراهقات اللواتي يقعن ضحايا الحمل غير المشروع في كيبيك، يتجاوز 12 ألف مراهقة سنوياً، بينهن 2500 يلجأن إلى الإجهاض، و10 في المئة يتابعن الدراسة في مدارسهن أو في معاهد خاصة بالمراهقات الحوامل. أما معهد الإحصاء في كيبيك، فيذكر أن مدارس مونتريال تشهد سنوياً ما لا يقل عن 1000 فتاة حامل دون الثامنة عشرة، 5 في المئة منهن يحتفظن بالطفل، و20.4 في المئة يتخلصن منه بالإجهاض، و7 في المئة يتابعن الدراسة إلى ما قبل موعد الولادة، و4 في المئة ينقطعن عن الدوام. ويرى باحثون في علوم الجنس والتربية والنفس والاجتماع، أن «معضلة» الحمل المبكر للمراهقات أنه علاوة على كونه غير مشروع، هو مسألة تفتقر الحد الأدنى من الثقافة الجنسية والاجتماعية والصحية، فهناك مراهقات يفاجأن بالحمل ويتخلصن منه بالإجهاض (وهو أمر مشروع ومتاح في الغرب عامة) حين يشعرن بوطأته، وغيرهن يحلمن بأن ينجبن أطفالاً ويصبحن أمهات من دون أن يعلمن شيئاً عن مخاطر الحمل والولادة وما بعدها من أعباء الأمومة، ويعزون ذلك إلى تأثرهن بما يسمعنه من الصديقات أو بما يشاهدنه على شاشات السينما والتلفزيون والإنترنت، أو من إساءة فهمهن دروس التربية الجنسية، أو جهلهن وسائل الوقاية الصحية، فضلاً عن أن كثيرات لا يصارحن أمهاتهن بمشاعرهن الجنسية وأعراضهن النفسية وتغيراتهن الجسدية.