افتقد الإنسان في الفترة الأخيرة التواصل الاجتماعي، عائلياً كان أو صداقات، لإنعاش حياته، وهذا ما نراه في مجتمعنا اليوم. ما نلاحظه أيضاً في الآونة الأخيرة حب الذات والانطواء، وعدم الظهور، والبحث عن المنافع والمصالح الشخصية فقط، حتى العلاقات الاجتماعية والصداقات كُتِب عليها أن تُقتل وتُعزل، كُتب عليها روح المصالح قبل كل شيء، مشاغل الحاضر والبحث عن المادة بشكل رئيس أشغلت الكثيرين، كل ما نراه الآن هو تواصل تفاخر خوفاً من نقد أو تواصل إجباري لسد الذرائع. هذه العادات الدخيلة التي فككت التواصل الاجتماعي والصداقات دخيلة بشكل رهيب على مجتمعنا، جعلتنا أغراباً، حتى وجوه بعض الأقارب والأصدقاء التي كنا نعرفها في صغرنا ونحفظ أسماءهم عن ظهر قلب، أصبحت وجوهاً لا نعرفها، أضعنا حتى أسماءهم، يصلنا انتقادات كثيرة في حال نسينا اسماً في مناسبة، أو اجتماع عائلي، أو مجموعة أصدقاء، ويقول «ألهتك الدنيا عنا»، أصبح الفرد منا يلهث ويلاحق سراباً، يبتعد بنفسه كثيراً، يشقي نفسه في عمله وبيته، وآخر المطاف طريح فراش، أو فارق الحياة، والأسباب مجهولة. ما يعيب الاجتماعات العائلية والصداقات في أكثر الأوقات التفاخر، عدم الوضوح، الهمز واللمز، التواصل من أجل إغلاق أفواه النقد، حتى الحوارات فيها تكون سلاماً واطمئناناً بدم بارد، وعيوناً تترقب متى المغادرة، وهذا ما نراه في جميع أشكال الاجتماعات ليس كسابق عهد في اجتماعات أجدادنا وتواصلهم وتراحمهم، وحتى التواصل مع الجيران وغيره، وكثير من العوائل وضعت اجتماعات عائلية سنوية، أو في أعياد، ولكنك عندما تنظر إليهم تجد أنه لا روح في هذا التواصل، لماذا، لا أعلم. حدثني أحد أقاربي بشيء عن الوقت، قائلاً «لا يعلم بقيمة الوقت إلا السجين»، وهو على حق، فالوقت هو الوقت، والساعة هي الساعة، والدقيقة هي الدقيقة، ولكن أصبحنا لا نضع لها حسباناً إلا في اجتماعاتنا وأوقات عملنا والتزاماتنا التي تذهب بحياتنا إلى نهاية في أكثر الأوقات مؤلمة، وذكرت هذا المثل لأهميته في تواصلنا الاجتماعي، وأننا نحسب لهذا التواصل من وقتنا شيء يذكر وقد عرفنا الوقت بمنظور آخر. لذلك نحن الذين عُرف عنا العلاقات الاجتماعية والقلب الواحد أصبحنا حبراً على ورق، نتفاخر بأسمائنا وأنسابنا، ونسينا قلوبنا في المنزل، أصبحنا نفتخر بإنجازاتنا الفردية لنتباهى بها أمام الناس فقط، يتسرب داخلنا حب اللذات والذات، نعشق الظهور الزائف والابتسامات الصفراء، ونفتقد الحياة بألوانها الجميلة، وكما يقال «نعيب على الناس والعيب فينا»، حتى أصبحنا من قتل نفسه بنفسه، حتى التواصل مع الوالدين والإخوان والأخوات أصبح مرهقاً للبعض. سؤالي هل هذا ما سنُعلمه للجيل الجديد من أبنائنا وأحفادنا؟ هل أصبحنا نخاف أن يرتبطوا بأقاربهم، وأن يعملوا صداقات، والبحث والتعارف؟ هل التواصل الاجتماعي أصبح «فعلاً ماضياً»؟ ما أود ذكره، لا نريد تكرير كلمة «يا ليت»، ونعمل بجد في تواصلنا الاجتماعي بكل أشكاله، والبحث عن إنسانيتنا التي بدت تختفي وتصبح القلوب قلوباً متحجرة تسعى وراء سراب لن تصله. [email protected]