لا تكاد الأخبار والتقارير الصحافية التي تتناول مستجدات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) وخطواتها العملية، تتجاوز شكل البيانات التقليدية التي لا تشمل الكثير من المعلومات المهمّة، إذ يغيب عن معظمها الكشف عن العقوبات التي أقرّتها على الجهات التي تم فيها رصد حالات من التقصير والنواقص. وتلتزم «نزاهة» عدم الإفصاح عن النسب والأرقام المتعلّقة بما تقوم برصده، إضافة إلى كونها تغيب على الإدلاء بأيّة تصريحات صحافية، وتكتفي غالباً بما تبثّه إدارة العلاقات العامة والإعلام في «نزاهة»، في الوقت الذي ينادي فيه الكثيرون بالكشف عن مثل هذه الأمور، للتأكد من أن «نزاهة» تسير بالشكل الصحيح في عملها، وأنها تهتم بالحدّ من الفساد بأشكاله كافة. وكانت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خاطبت جهات حكومية، متسائلة عن بعض الملاحظات التي تخلّلت أعمالها، من بينها وزارة النقل للتنبيه على مشروع إصلاح طريق سلوى - البطحاء والنظر في أسباب تأخر تنفيذه، والمؤسسة العامة للخطوط الحديدية بسبب أعطال قطار الركاب، وأمانة منطقة الرياض بسبب سيول حي قرطبة، ووزارة الصحة لمعالجة القصور في أكثر من مستشفى، وغيرها من الجهات. كما تحرص «نزاهة» على متابعة ما ينشر في الصحف المحلية عن وجود مشكلات في بعض المشاريع، وتعمل على تكليف منسوبيها بالمتابعة والتحقّق، كرصدها تهالك مركز صحي الوسقة في محافظة الليث، وانتشار النفايات والحفريات وتعثر المشاريع في محافظة بيش، وغيرها من الحالات التي كشفت «نزاهة» عن رصدها من دون أن توضّح الإجراءات اللاحقة والعقوبات المقرّرة. وفيما يتطلع مواطنون إلى أدوار أكبر لهيئة مكافحة الفساد، تبعث فيهم الاطمئنان، من خلال كشف حالات الفساد والعمل على علاجها بالشكل الأمثل، قال أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور حسين القحطاني: «المنتظر من هيئة مكافحة الفساد العمل على كشف مكامن الفساد بجميع أشكاله، ولاسيما المرتبط بالجهات الحكومية والشركات وبعض أصحاب المناصب العليا، وليس النظر إلى بعض الحالات الفردية والإعلان عن معاقبتها من الجهات المختصة من دون النظر إلى حالات أكبر، فذلك يسهم في التقليل من مكانة الهيئة وهيبتها، والمواطنون يتطلعون إلى أن يكون العمل أفضل من ذلك، إذ إن ما يحدث حالياً يظهر بشكل خطوات قد تكون في الطريق الصحيح، لكنها بطيئة». وأشار إلى ضرورة دعم خطوات «نزاهة» من المواطنين، وأن ابتعادها في بياناتها الصحافية عن إيضاح بعض العقوبات التي تم إقرارها على بعض حالات الفساد من الجهات المتخصصة، قد يكون بسبب طبيعة عمل «نزاهة» لأنها غير معنية بتطبيق العقوبات، بينما لفت عضو مجلس الشورى عبدالوهاب آل مجثل إلى أن صعوبة إثبات الإدانة إلا بوجود الدليل، لا تمكّن هيئة مكافحة الفساد من الإعلان عن تطبيق عقوبات معينة، إذ يعتبر أنه من غير العدالة المسارعة في إثبات تهمة فساد من دون وجود الأدلة التي تثبت ذلك. وأضاف في حديثه إلى «الحياة»: «السياسة الإعلامية ل«نزاهة» المتمثّلة في البيانات بين فترة وأخرى، تشكّل خطوة في الطريق الصحيح، فهي أسهمت في إشعار الجهات الحكومية والخاصة بوجود رقابة، سواء أكانت داخلية من خلال إمكان تقديم البلاغات من موظفي الجهات، أم خارجية من منسوبي «نزاهة» أو من أي مصدر آخر، فهذا الأمر أسهم في اهتمام الكثير من الجهات بأعمالها سواء أكانت مشاريع أم غيرها، وأصبحنا نرى سرعة وانضباطية في الكثير منها، بعكس ما كان في السابق». وزاد: «نزاهة من خلال رصدها قضايا الفساد، تعمل على تحويلها إلى جهات التحقيق المعنية، فهي لا تملك سُلطة القبض والتحقيق، وإنما جمع المعلومات والتنبيه، إضافة إلى أن الإعلان عن العقوبات يحتاج إلى وقت، ولا يتم بسهولة».