بعد أربع سنوات من البحث والمتابعة، أصدر الكاتب والباحث أيوب أبو دية، معجماً فكرياً موسوعياً، يتعلق بالمفكرين العرب اصحاب المشاريع الفكرية والسياسية منذ عصر النهضة، وحتى اليوم، وقد صدرت الموسوعة عن «دار السفير»، وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية، وتطلب العمل جهداً جماعياً فشكل الباحث هيئة استشارية من المفكرين المعاصرين في المشرق والمغرب، ولجنة تحرير موسعة تشارك في الكتابة والبحث وتم اختيار الكاتب والباحث السوري عبدالكريم الجباعي رئيساً للتحرير. وتعتبر الموسوعة إسهاماً نوعياً في التأليف الفلسفي والفكري أردنياً وعربياً، غطت مرحلة زمنية تمتد من أواخر القرن الثامن عشر، وحتى اليوم، أو ما يطلق عليها الفترة الأولى والثانية من عصر النهضة العربية، وفي مقدمته للموسوعة، أشار المؤلف الى هدف الموسوعة الأساسي، وهو التعريف بأهم الكتاب والمفكرين أصحاب المشاريع الحية فكرياً وسياسياً، وبخاصة المفكرين الذين لم يرد عنهم الشيء الكثير في الموسوعات الأخرى، ومنهم من لم يذكر اسمه اصلاً. وفي معرض تقديمه للموسوعة أشار الكاتب للصعوبات والعوائق التي اعترضت العمل وذكر العديد منها مثل، الاستغناء عن عدد كبير من الأعلام والأكاديميين الذين لم يصنعوا مشروعاً معتبراً ولم يحققوا المعايير الموضوعة من اللجنة الاستشارية لإدراج أسمائهم. كما نوه المؤلف لاستبعاد المستشرقين والمستعربين الأجانب وأشار الى الصعوبات الإجرائية التي شلت العمل الجماعي، وتركت المؤلف وحيداً يتحمل العبء الأكبر من العمل، ما قلب العمل الجماعي الى عمل فردي بامتياز، وتمثل ذلك في تغطية المؤلف لأكثر من 80 في المئة من مادة الموسوعة، وقد اشار لبعض الأسباب التي أعاقت العمل الجماعي، وجعلت الموسوعة إنجازاً فردياً أو ذاتياً. وفي المقدمة الثانية، أشار المؤلف لتاريخ المعاجم والموسوعات الفكرية والعلمية في الغرب، وفي الوطن العربي، بدءاً من «دائرة المعارف» لبطرس البستاني في القرن التاسع عشر، الى موسوعات ومعاجم الفكر والفلسفة والعلوم الأخرى في القرن العشرين. وأورد على سبيل المثال «تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والغرب» للمؤلف محمد لطفي جمعة الصادر عام 1927، و «معجم الأعلام» لخير الدين الزركلي، ومعجم اسماعيل مظهر، و «الموسوعة العربية الميسرة» عام 1965، ومعجم «علم النفس والتربية»، ومعجم جميل صليبا الفلسفي، و «الموسوعة الفلسفية المختصرة» و «موسوعة لالاند» المترجمة، وغيرها. وقد كان لي شرف المشاركة في لجنة التحرير، والمساهمة بالكتابة والتعريف ببعض المفكرين العرب. وعكس العمل قدرة الكاتب والباحث على اقتحام المهمات الصعبة، وأضاف لنفسه رصيداً إضافياً من الإنجازات العلمية والفكرية، فهو المهندس المبدع الذي اخترع وصمم وكتب في الإنشاءات والطاقة والوعي البيئي، وهو الباحث الفلسفي الذي أبدع أعمالاً فكرية عن سلامة موسى والعقاد وسمير امين وحروب الفرنجة وفلسفة التحرر وغيرها من الأعمال والاهتمامات. وغالباً ما يثير العمل الكبير والبحث العلمي الرصين شهية القراءة والنقد البناء لتطوير العمل، واستكمال رؤيته ومشروعه الكبير، ولذلك أجد نفسي مدفوعاً لقراءة الموسوعة قراءة نقدية تستهدف تطوير العمل وتجاوز الأخطاء المعرفية والتحليلية، وإخراج الموسوعة مستقبلاً في طبعات جديدة تتجاوز واقعها الراهن، ولهذا اطرح الملاحظات النقدية الآتية: أول ما استوقفني هو الجهد الفردي الذي يثير الدهشة والإعجاب والقلق في الوقت نفسه، فقد غطى المؤلف وحده 80 في المئة من المادة البحثية، في حين يربو عدد اعضاء لجنة التحرير المكلفة بالكتابة والبحث عن الأربعين، ويفترض هذا العدد إعادة هيكلة اللجنة وتوزيع أكبر عدد ممكن من الأسماء عليها لتحقيق الموضوعية والشمول والإحاطة الكاملة بمشاريع وأفكار المفكرين لتمثل إنتاجهم ومقاربة مشاريعهم كما هي، وهذا يعني عدم الاكتفاء بالسير الذاتية الجاهزة، وتعميم بعض الأفكار الخاصة للمفكر للدلالة على كلية مشروعه الفكري، أما الذين كتبوا عن انفسهم فلا يشير المؤلف لكيفية تعامل اللجنة الاستشارية أو لجنة التحرير مع المادة بالحذف والإضافة والتعديل كضرورة موضوعية لتخليصها من التحيز والذاتية. وثانياً: هناك خلل كبير في حجم المادة المخصصة للكاتب والمفكر، فهناك أعلام كبار ولديهم مشاريعهم الفكرية والسياسية المهمة ولم تفرد لهم الصفحات الكافية للتعريف بهم وبمشاريعهم فجاء التعريف مبتسراً ومختصراً ما أخل بطبيعة المشروع وهناك العديد من الأعلام والأسماء ذات المشاريع المتواضعة والمجهولة استأثرت بمساحة أكبر من أصحاب المشاريع الكبيرة. فهل يعقل التعريف بعبدالرحمن بدوي أو زكي الأرسوزي او مالك بن نبي وعلي الوردي وعلي عبدالرزاق وهم اصحاب المشاريع والرؤى الفكرية بامتياز بهذا الكم المتواضع والمختصر؟ والإسهاب بالحديث عن البعض الآخر وهم ومشاريعهم على جانب كبير من التواضع والبساطة. ثالثاً: ظهرت في الآونة الأخيرة مجموعة جديدة من المعاجم الفكرية والفلسفية، كان الأجدر التعرف عليها وعلى محتواها، بخاصة معاجم المفكرين العرب المعاصرين، كمعجم جورج طرابيشي الفلسفي، وموسوعة أعلام الفلسفة، وغيرها. رابعاً: وهذا هو الأهم في نظري، فقد افترض المؤلف واللجنة الاستشارية تقديم عمل موسوعي للتعريف بالمفكرين العرب، ومشاريعهم الفكرية، إلا ان التعريف لم يكن جامعاً مانعاً، ولم تكن خطة اللجنة الاستشارية خطة متوازنة وموضوعية فقد سقطت أو أسقطت اسماء أكثر اهمية مما ورد من اسماء في الموسوعة، ولديها مشروعها الفكري العميق سواء في الفكر الحديث او المعاصر، وأثرت وما زالت في بنية الفلسفة والثقافة العربية والإيديولوجيا السياسية. فكيف نكتب عن طه حسين، ونتجاهل توفيق الحكيم ومشروعه الفكري، وكيف نكتب عن ناصر الدين الأسد، ولا نكتب عن إحسان عباس، وكيف نكتب عن حسن البناء، ولا نكتب عن جورج حبش، وعن فراس السواح، ونتجاهل خزعل الماجدي، وكيف نكتب عن محمد عبده ورشيد رضا، ونتجاهل المعاصرين من يوسف القرضاوي ومحمد سليم العوا، وجمال البنا، ومحمد الغزالي ومحمد باقر الصدر، وكيف نكتب عن ميشال عفلق ونتجاهل رفيقه نديم البيطار؟ وكيف نكتب عن رفيق العظم، وننسى طاهر الجزائري، وكيف نكتب عن هشام غصيب، ونتجاهل ابراهيم بدران. وكيف نكتب عن فيصل دراج وننسى رفاقه عز الدين المناصرة، ومحمد كامل الخطيب، وماهر الشريف؟ * كاتب أردني