بدا أن التوتر في العلاقة بين النائب العام في مصر عبدالمجيد محمود والرئاسة ومن خلفها التيار الإسلامي سيستمر لفترة، إذ قرر الأول انتداب قاض للتحقيق في بلاغات بتزوير انتخابات الرئاسة، رغم أن المادة 28 من الإعلان الدستوري الذي كان أصدره المجلس العسكري السابق تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن عليها بأشكال التقاضي كافة. وقال الناطق باسم النيابة العامة عادل السعيد إن محمود أرسل إلى وزير العدل أحمد مكي يطالبه باتخاذ إجراءات لندب قاض للتحقيق في كل البلاغات المتعلقة بادعاء وجود تزوير ومخالفات شابت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، موضحاً أن «القرار يستهدف استكمال التحقيق والتصرف في البلاغات طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية». وكان النائب العام سعى إلى إبراء ساحته من الانتماء إلى النظام السابق، وأصدر بياناً مساء أول من أمس أكد فيه أن التحقيقات التي أجرتها النيابة في الشهور الماضية في جرائم الفساد ونهب المال العام في عهد النظام السابق «أسفرت عن إعادة مبالغ إلى الدولة تصل إلى 11 بليون جنيه، ويجري تحصيل 50 مليون جنيه أخرى تنفيذاً لأحكام قضائية». وأشار إلى أن «النيابة قامت بإجراء تحقيقات موسعة ومتواصلة خلال الفترة من أول شباط (فبراير) 2011 حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2012 في بلاغات عدة، وأحالت الرئيس السابق وأفراد أسرته ورؤساء وزارات ووزراء ورجال أعمال من أعضاء الحزب الوطني المنحل على محاكم الجنايات». جاء ذلك في وقت استمرت الخلافات بين الجمعية التأسيسية للدستور وقضاة في شأن مواد السلطة القضائية، بينها مادة تحدد مدة ولاية النائب العام بأربع سنوات تبدأ منذ شغله للوظيفة، الأمر الذي أثار رفض القضاة واعتبروه في إطار استهداف النائب العام الحالي. في غضون ذلك، بدأت الجمعية التأسيسية للدستور مساء أمس مناقشة الصيغة النهائية لمسودة الدستور في جلسة شهدت مواجهات بين الإسلاميين وممثلي القوى الليبرالية واليسارية في شأن الجدول الزمني لإنهاء مشروع الدستور، إضافة إلى بعض المواد التي ترفضها القوى الليبرالية واليسارية. وقبل الاجتماع الذي استمر حتى ساعة متقدمة من مساء أمس، قال عضو الجمعية التأسيسية مؤسس «حركة 6 أبريل» أحمد ماهر ل «الحياة» إن جدول الأعمال تضمن «مناقشة الجدول الزمني لإنهاء الدستور وحسم الخلافات على آلية التصويت على مشروع الدستور»، موضحاً أن «القوى المدنية تريد أن يتم التصويت على كل مادة على حدة، فيما تريد القوى الإسلامية أن يتم التصويت على أبواب الدستور كاملة... إذا لم تتح لنا الفرصة لإبداء آرائنا في شأن الدستور ووجدنا أن هناك تسرعاً في إنجاز الدستور سننسحب على الفور... لا تزال هناك خلافات لم تحسم في شأن عدد من المواد». وانتقد عضو الجمعية التأسيسية وحيد عبدالمجيد تمسك التيار الإسلامي بموعد انتهاء الأشهر الستة الذي نص عليه الإعلان الدستوري للانتهاء من الدستور الجديد للبلاد، موضحاً أنه «مجرد ميعاد تنظيمي ولا تترتب على تجاوزه إشكالية قانونية، ولا توجد مشكلة في الانتهاء من الدستور بعد هذا الموعد». وطالب ب «ضرورة مناقشة كل مواد الدستور في شكل مستفيض من دون التقيد بفزاعة الوقت، وأن يناقش كل باب في الدستور في شكل موسع، مهما سيأخذ من جلسات عامة، حتى ينتهي أعضاء الجمعية من مناقشته وتضمين كل اقتراحاتهم». يُشار إلى أن الجدول الزمني في الإعلان الدستوري حدد موعداً غايته 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري للانتهاء من المسودة النهائية للتصويت عليها من جانب الأعضاء، على أن يبدأ بعدها عقد جلسات عامة مكثفة للجمعية للانتهاء من التصويت على مواد الدستور منفردة وتسليم المسودة للرئيس قبل نهاية الشهر الجاري، وهو ما رفضه في شدة ممثلو القوى الليبرالية واليسارية في الجمعية عبر بيان مشترك ندد ب «سلق الدستور». وكانت لجنة الصياغة في الجمعية التأسيسية انتهت مساء أمس من استكمال المواد الخاصة بالدفاع والأمن القومي، كما ناقشت تعديلات في أبواب السلطة القضائية، في مسعى منها إلى تنحية الخلافات مع نادي القضاة والمحكمة الدستورية العليا في شأن مسودة الدستور، فيما التقى الرئيس محمد مرسي أمس عدداً من ممثلي المنظمات غير الحكومية. وقال بيان رئاسي مقتضب إن اللقاء ركز على «المستجدات السياسية والاقتصادية في المشهد الوطني ودور مؤسسات المجتمع المدني والتحديات التي تواجه عملها». وأفيد بأن أزمة الدستور كانت على طاولة المناقشات، وأن عدداً من ممثلي المنظمات أعلنوا رفضهم مسودة الدستور. من جهة أخرى، أمرت محكمة جنايات القاهرة باستدعاء وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي ووزيري الداخلية السابقين محمود وجدي ومنصور عيسوي للاستماع إلى أقوالهم ومناقشتهم في شأن معلوماتهم عن عمليات إحراق وثائق ومستندات جهاز مباحث أمن الدولة الذي تم حله بعد «ثورة 25 يناير» بعدما ارتبط اسمه بكثير من عمليات التعذيب بحق معارضي نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وأرجأت المحكمة جلساتها إلى 11 كانون الأول (ديسمبر) المقبل لمثول الثلاثة وسماع أقوالهم في القضية التي تضم 41 من القيادات الشرطية السابقة والحالية، يتقدمهم اللواء حسن عبدالرحمن المدير السابق لأمن الدولة. وجاء قرار المحكمة باستدعاء الوزير السيسي باعتبار أنه كان يترأس جهاز المخابرات الحربية الذي تولى حماية مقار جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حالياً) في أعقاب عمليات الاقتحام، إلى جانب أن الوزيرين وجدي وعيسوي كانا مكلفين إدارة الوزارة خلال المرحلة الانتقالية وعاصرا عمليات حرق المستندات وحل الجهاز برمته. وكانت مقار جهاز مباحث أمن الدولة في كل المحافظات شهدت في الأيام الأولى للثورة عمليات اقتحام من جانب متظاهرين غاضبين، فيما أحرق ضباط الجهاز وأتلفوا وفرموا المستندات الخاصة به، وهو الأمر الذي بررته لاحقاً قيادات ب «الحفاظ على المعلومات المتعلقة بالأمن القومي المصري»، وأن «كل المعلومات مسجلة على وحدات تخزين رئيسة في المقر المركزي لجهاز مباحث أمن الدولة». لكن التحقيقات التي باشرها أحد القضاة الذين انتدبوا من وزير العدل للتحقيق في هذا الأمر كشفت عدم صحة الادعاء بحفظ المعلومات إلكترونياً، وأن ضباط الجهاز شرعوا في إحراق وثائق ومستندات تتضمن وقائع تدينهم بارتكاب مخالفات للقانون ومراقبات لاتصالات وتحركات رموز القوى السياسية المعارضة لنظام مبارك.