سعى الرئيس المصري محمد مرسي إلى التدخل بنفسه لإنهاء الجدل حول تشكيلة الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور والتي أحال أمرها القضاء الإداري أول من أمس على المحكمة الدستورية العليا. فاستدعى رؤساء الأحزاب السياسية والنقابات وعدداً من الشخصيات العامة إلى اجتماع أمس في حضور مساعديه ومستشاريه، وهو الاجتماع الذي قاطعته قوى سياسية معارضة لتشكيلة التأسيسية بسبب هيمنة الإسلاميين عليها. وبين أبرز المقاطعين حزب الدستور الذي يقوده المعارض البارز محمد البرادعي والتيار الشعبي الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وأفيد أن الحديث بين الرئيس مرسي وزواره تركز على معضلة الدستور، وتطرق إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر. ولم يحسم مرسي الخلاف حول التأسيسية والدستور بين الإسلاميين والقوى الليبرالية واليسارية، لكنه دعا الأطراف كافة إلى «ضرورة التوافق» للخروج من الأزمة، فيما أعلن الناطق باسم الرئاسة ياسر علي رفض رئيس الجمهورية «التدخل في أعمال التأسيسية». وبدا أن السجال الحاصل بين القوى السياسية حول مواد في الدستور انتقل إلى الاجتماع مع الرئيس، فكان كل رئيس حزب يلقي كلمة يطرح فيها رؤيته حول التأسيسية والدستور، ليخرج طرف آخر من الحاضرين ليرد بتقديم وجهة نظره المختلفة. وتبادل كل طرف تحميل مسؤولية تعثّر مناقشات الدستور على الطرف الآخر، فيما كان مرسي مستمعاً ولا يعقب، قبل أن يمهل الحاضرين حتى 7 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لوضع تصورات محددة حول الدستور الجديد قبل الاجتماع معه لحسم الخلافات. وقال زعيم حزب «غد الثورة» وكيل الجمعية التأسيسية أيمن نور ل «الحياة»: «تحدثت خلال الاجتماع في شأن أن الجمعية «التأسيسية تجاوزت أزمة القضاء، لكنها لم تتجاوز الأزمة داخلها، وأنها مهددة بالانفجار بسبب الخلافات بين الأعضاء، ودعوته (الرئيس) إلى التدخل بنفسه لحض القوى السياسية على التوافق»، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق أن يعقد الرئيس اجتماعاً «على مستوى ضيق نهاية الأسبوع المقبل يضم ممثلي القوى السياسية لإنهاء الخلافات وتقريب وجهات النظر»، و «أنه (مرسي) طلب منا التوافق على ممثلي القوى السياسية لهذا الاجتماع، والترتيب لموعد الاجتماع الجديد». واعتبر نور «أن الاجتماع جيد وخطوة نحو التوافق حول الدستور الجديد»، فيما قال مساعد وزير الخارجية السابق السفير عبدالله الأشعل الذي كان ضمن الحضور، إن الاجتماع شهد تباينات في الرؤى «فهناك من عرض تدخل الرئيس بنفسه لحض القوى السياسية على التوافق في ما بينها، فيما رفض آخرون أي تدخل من الرئاسة في أعمال الجمعية التأسيسية حتى لا يفهم الأمر خطأ». وأضاف: «هناك من طرح ضرورة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية من الأساس وهو الطرح الذي قوبل برفض آخرين». وأشار إلى أن الرئيس كان «يستمع ولا يعلق» على ما يطرحه الأعضاء وكان الرئيس والمتحدث باسمه ياسر علي «يدونان ملاحظات»، قبل أن يمهل مرسي القوى السياسية إلى 7 الشهر المقبل «للبحث في توافقات بينهم ووضع تصوراتهم حول آليات حل أزمة الدستور قبل أن يجتمعوا معه مجدداً لإنهاء الخلافات». وأشار الأشعل ل «الحياة» إلى أن الرئيس شدد خلال الاجتماع على «ضرورة التوافق الوطني... وأننا أمام فرصة تاريخية لصوغ دستور يعبّر عن المصريين»، ولفت إلى أن مرسي نبّه القوى السياسية إلى أن «الجدل الحاصل على الساحة السياسية يعطّل المسيرة... ودعاهم إلى الاختلاف في وجهات النظر ولكن من دون صدام أو تبادل الاتهامات والتخوين». وقال إن الاجتماع تطرق أيضاً إلى «الوضع الداخلي في مصر والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية... وبعض الحضور طالبه (الرئيس) بإجراء تغييرات في تشكيلة حكومة الدكتور هشام قنديل». من جانبه أوضح الناطق باسم الرئاسة ياسر علي أن الرئيس مرسي «شرح للقوى السياسية تفاصيل المشهد الداخلي والخارجي، وخطط تجديد دماء بعض أجهزة الدولة، لمحاربة الفساد في كل القطاعات لتجفيف منابعه، وأنه (الرئيس) أكد متابعته عن كثب لأعمال الجمعية التأسيسية، لافتاً إلى أهمية تجاوز الخلاف حول الشكل والموضوع والتركيز على إجراء حوار حول المواد الخلافية حتى نصل إلى ما نريده جميعاً، مشدداً على أن الجميع متفق على أهمية وجود دستور في هذه المرحلة». وأضاف علي في بيان أعقب الاجتماع «أن القوى السياسية التي اجتمعت بالرئيس طرحت رؤاها حول القضايا المجتمعية المختلفة كما قدم رئيس حزب «الوسط» المهندس أبو العلا ماضي مبادرة من 6 نقاط للوصول إلى اتفاق بين القوى السياسية على أهمية الانتهاء من قضية الدستور تمهيداً لطرحه على الشعب المصري صاحب الحق الوحيد في الحكم على ملاءمة نص المسودة المعروضة من عدمها». ونقل الناطق الرئاسي عن مرسي قوله إنه «لا يريد أن يذكر التاريخ أن هذه المرحلة تم إدارتها بمجموعة من القوانين الاستثنائية... نحتاج للصبر والاتفاق بدلاً من اللجوء لقوانين استثنائية»، موضحاً أن الجمعية التأسيسية ما دامت قادرة على الاستمرار، فالأمر متروك لها للتحاور خصوصاً أن المواد محل الخلاف 10 مواد تم التوافق والنقاش حول 6 مواد وتبقى 4 أخرى، وصولاً إلى الاستفتاء على الدستور المقترح. وكان عدد من القوى الليبرالية واليسارية أعلنت مساء أول من أمس مقاطعتها الاجتماع، كما أعلنت رفضها «مسودة أولية للدستور الجديد»، ورهنت حصول حوار وطني ب «إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية»، الأمر الذي رد عليه الناطق باسم الرئاسة بأنه «بحسب الإعلان الدستوري فالرئيس لن يشكل الجمعية الجديدة إلا إذا حال مانع ما دون استكمال الجمعية الحالية لمهماتها، والأمر ما زال معروضاً على القضاء»، مشيراً إلى أن الرئاسة وجّهت الدعوة لكل الأحزاب القديمة والجديدة لهذا اللقاء. وأضاف: «نحترم كل المواقف، والخلاف في وجهات النظر هو أمر صحي، وهذه هي الديموقراطية التي سعينا إليها وناضل المصريون من أجل للوصول إليها، والتي تتضمن الرأي والرأي الآخر». وقال: «إننا لا نحب موقف المقاطعة ولكن نحترمه»، مشيراً إلى أنه من حق أي فصيل سياسي أن يطرح ما هو ضروري في هذه المرحلة. من جانبه عزا زعيم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عبد الغفار شكر غياب بعض القوى السياسية إلى «عدم وجود أجندة واضحة للنقاش»، موضحاً ل «الحياة» أنه عندما لا يكون هناك مواضيع محددة للنقاش يكون الاجتماع غير ذات جدوى... حضرنا اجتماعات سابقة مع الرئيس، ولم تفرز نتائج... الرئيس كان يستمع إلى رؤى القوى السياسية من دون تعقيبات». وعلى النهج نفسه سار اتحاد شباب الثورة الذي أعلن في بيان له مقاطعته الدعوة التي أطلقها الرئيس مرسي للحوار مع القوى السياسية، وذلك لعدم وجود أجندة واضحة للاجتماع وعدم التزام الرئيس بكل الوعود السابقة التي أطلقها قبيل توليه الحكم. وكان رئيس حزب الدستور الدكتور محمد البرادعي طالب بالبدء في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة طبقاً لمعايير كتابة الدساتير ويعهد إليها بسلطة التشريع حتى الانتهاء من الدستور، وأوضح البرادعي عبر حسابه على موقع تويتر أنه لا ينبغي انتظار حكم المحكمة الدستورية العليا والإسراع في معالجة ما وصفه بالاستقطاب والعوار السياسي في الجمعية التأسيسية الحالية. في غضون ذلك أعلنت حركة 6 أبريل أمس رفضها لمسودة الدستور التي أصدرتها الجمعية التأسيسية أخيراً. وأعلن أحمد ماهر القيادي بالحركة استمرار عمله في الجمعية للدفع من أجل «دستور معبّر عن الثورة».