حذّرت مؤسسات التصنيف الائتماني من أن تداعيات الأزمة السياسية في الكويت ستؤدي إلى مراجعة المستوى العالي للجدارة الائتمانية الذي تتمتع به الدولة وهو AA. ولا شك في أن استمرار الصخب السياسي قد يؤثر سلباً في أوضاع العديد من المؤسسات الاقتصادية. لن تتأثر صادرات النفط ولن تتراجع الإيرادات السيادية، لكن أوضاع القطاعات غير النفطية لا بد أن تتأثر، كما أن أوضاع سوق الكويت للأوراق المالية لا بد أن تتعقد. يضاف إلى ذلك أن التشريعات ذات الصلة بالاقتصاد الوطني ربما تتعطل. بيد أن الانتخابات المقبلة، المثيرة للجدل الراهن، ستجرى في أي حال وسيتمخض عنها مجلس أمة جديد لا بد أن يضطلع بالمهمات التشريعية والرقابية. كذلك بدت الحكومة الحالية أخيراً عازمة على إنجاز المشاريع الهيكلية، التي تعطلت خلال السنوات الثلاث الماضية. فوزارة الأشغال العامة أوضحت أن تنفيذ مشروع جسر جابر، سيوكل قريباً جداً إلى «هيونداي للهندسة والإنشاءات» الكورية الجنوبية، وبكلفة لا تتجاوز بليون دينار، وكذلك تنفيذ محطة كهرباء الزور التي ستزيد الطاقة الكهربائية في البلاد، ناهيك عن مشاريع أخرى تشمل مستشفيات ومنشآت تعليمية. ويعتقد مراقبون بأن إمكانيات تنفيذ المشاريع حالياً، في غياب مجلس الأمة، تكون أفضل إذ تغيب العراقيل السياسية. لكن هذه ظروف غير اعتيادية ويتعين التعامل مع الأسس الدستورية التي تحكم البلاد. وربما تصور كثيرون من رجال الأعمال بأن مجلس الأمة عطل التنمية ومشاريع الأعمال والإصلاح البنيوي للاقتصاد، لكن ذلك ناتج من طبيعة التركيبة السياسية لمجلس الأمة خلال السنوات الماضية، وأهم من ذلك ضعف السلطة التنفيذية التي كان يجب أن تواجه الاعتراضات وتؤكد أهمية الإنجاز والإصلاح. ومهما كانت آلية العملية الانتخابية فإن أي مجلس أمة في الكويت لا بد أن يشمل عناصر معارضة، منها من يعبر عن مصالح لا تتوافق مع استحقاقات الإصلاح. لكن يؤمل أن يتشكل مجلس الوزراء المقبل، بعد ظهور نتائج انتخابات الأول من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، من كفاءات مهنية وسياسية قادرة على مواجهة المعارضة المحتملة، وأن يكون مجلساً وزارياً قادراً على إقناع المجتمع السياسي بأهمية الإصلاح الاقتصادي وتعديل السياسات المالية وتعزيز دور القطاع الخاص. وهذا التحدي واجه الكويت منذ تحريرها من الاحتلال العراقي عام 1991 من دون أن تتمكن السلطة السياسية من تجاوزه. ولذلك تراجعت معدلات التنمية وظلت البلاد تعاني تشوهات تقليدية تشمل الاعتماد على آليات الإنفاق العام وضعف مساهمة اليد العاملة المحلية في سوق العمل. وبالنسبة إلى موضوع التصنيف السيادي للكويت، ثمة مبالغات في المخاوف التي أبدتها المؤسسات ذات الصلة. فالكويت دولة مصدرة للنفط ولن يتأثر القطاع النفطي بالأزمة السياسية الحالية، وستستمر الصادرات النفطية وستجني البلاد إيراداتها السيادية المناسبة. كذلك ليست الكويت بلداً يعاني ديوناً سيادية بل هي، وعلى العكس من ذلك، من البلدان المصدرة لرأس المال. وتقدر قيمة الأصول السيادية بأكثر من 320 بليون دولار في حين أن الناتج المحلي الإجمالي للكويت بلغ 170 بليون دولار عام 2011. ومعلوم أن الموازنة العامة للكويت تحقق فائضاً مالياً سنوياً بلغ 10 بلايين دينار (36 بليون دولار)، كمتوسط خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد تكون هناك ديون حكومية، فمصرف الكويت المركزي يصدر سندات وأذون خزينة بين حين وآخر تسوَّق بين المصارف والمؤسسات المالية، لكن هذه الديون الحكومية لا تتجاوز 7.5 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وربما تتراجع هذه النسبة بفعل ارتفاع الناتج وزيادة الإيرادات السيادية. وربما هناك ملاحظات حول اعتماد الخزينة العامة على إيرادات النفط وعدم تنويع قاعدة الإيرادات وضعف مساهمة الإيرادات غير النفطية، لكن التنويع المنشود لن يتحقق من دون اعتماد فلسفة اقتصادية مختلفة وتطوير السياسات المالية وتحمل التكاليف السياسية لذلك. إن معالجة الأوضاع العملية الاقتصادية في الكويت يجب أن تؤكد أهمية تطويع العملية السياسية لخدمة الإصلاح والتنمية. وغني عن البيان أن المجتمع السياسي ما زال يعاني من مفاهيم تقليدية تكرست خلال السنوات ال 60 الماضية تعزز الاتكال على دور واسع للدولة. ولذلك يؤمل أن يصبح مجلس الوزراء أكثر قدرة على التأثير والتصدي لمتطلبات الإصلاح. وتؤكد المادة 123 من الدستور الدور المهم لمجلس الوزراء إذ تؤكد أنه «يهيمن على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية». وهكذا لا يمكن القبول بأي مبررات تعطل إنجاز المشاريع مثل معارضة مجلس الأمة فالمفترض مواجهة هذه المعرضة باقتدار والتعامل بشفافية في شأن كل مشروع أو برنامج تنموي. وفي خضم الأزمة السياسية لا بد من أن تغيب عن الأذهان المتطلبات الحقيقية للكويت والمتمثلة بتطوير النظام التعليمي والتعامل بجدية مع قضايا التنمية البشرية وتفعيل الإنفاق الرأسمالي من الحكومة والقطاع الخاص. ومهما يكن من أمر فإن أزمة النظام الانتخابي لا بد أن تحسَم لكن مهم حسم ملفات التنمية باقتدار. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت