جاءت نتائج انتخابات مجلس الأمة مخيبة لآمال من يتوقون إلى إصلاح اقتصادي هيكلي جذري في الكويت. فالتيار الإسلامي الأصولي المحافظ تصدّر النتائج، ولا شك في أن أجندات الحركات الأصولية معادية لأي تطوير في البنية الاقتصادية أو انفتاح على الاستثمار الأجنبي أو تعزيز لدور القطاع الخاص. وفاز ممثلون للتيار الشعبوي المتميز بالعداء للقطاع الخاص والعائلات التجارية التقليدية والساعي إلى منع أي تحول هيكلي يؤدي إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد، خصوصاً تخصيص ملكية مؤسسات المرافق العامة وإدارتها، أو تعزيز دور القطاع الخاص في الخدمات الصحية أو التعليمية. ويهدف ممثلو هذا التيار كذلك إلى المحافظة على تشغيل المواطنين في مؤسسات الحكومة والقطاع العام حتى في غياب الوظائف الحقيقية. معلوم أن الجهاز الحكومي في الكويت مشبع باليد العاملة المحلية فثمة بطالة مقنعة ووظائف متكررة. يضاف إلى ذلك أن حوالى 20 ألف كويتي يدخلون سوق العمل سنوياً، ما يمثل ستة في المئة من إجمالي قوة العمل المحلية، ولا تتوافر لهم وظائف في القطاع الخاص لمحدودية أعماله وتواضع مرتباته قياساً بما تدفعه الحكومة، ولعدم ملاءمة التأهيل التعليمي لهؤلاء، فيما ترصد الحكومة مبالغ مهمة في الموازنة للرواتب المتزايدة. يمكن الزعم أن الحكومة ومجلس الأمة، ومنذ زمن بعيد، لا يملكان العزم أو الإرادة لإصلاح الاقتصاد وتحريره من هيمنة الدولة، وجاء المجلس الجديد ليكرّس الواقع القائم من دون أي تعديلات تذكر على دور الدولة أو توسيع نطاق عمل القطاع الخاص أو البحث عن بدائل واقعية لتشغيل المواطنين في القطاع العام وتخفيف الاعتماد على اليد العاملة الوافدة في مؤسسات القطاع الخاص. ومعلوم أن الاقتصاد الكويتي يعتمد على إيرادات النفط في شكل أساس لتنشيط الأعمال الاقتصادية كلها في البلاد، وهي المصدر الأساس للخزينة العامة ومنها يموَّل الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري اللذين يغذيان الأعمال كلها في القطاعات غير النفطية، سواء كانت مملوكة من القطاع العام أو القطاع الخاص. ولا شك في أن الزيادات في أسعار النفط مكنت الكويت من تحقيق نمو مضطرد في الناتج المحلي الإجمالي تجاوز 3.5 في المئة سنوياً العام الماضي، كما بلغ الناتج مستوى قياسي قارب 47 بليون دينار كويتي (168 بليون دولار) وهو مستوى مهم ومرتفع لبلاد مثل الكويت لا يتجاوز عدد السكان فيها 3.6 مليون شخص منهم ما يزيد قليلاً عن 1.2 مليون شخص من المواطنين. لكن هذا التحسن في قيمة الناتج المحلي الإجمالي يعود إلى زيادة أسعار النفط ومن ثم ارتفاع قيمة الإيرادات المتأتية من تصدير النفط. وتعاني القطاعات غير النفطية بدرجات متفاوتة من حال الركود وتراجع النشاط الاقتصادي. هل يمكن لمجلس الأمة بتركيبته الجديدة، أن يؤمّن حافزاً للنشاط الاقتصادي ويدعم إمكانات إنجاز خطة التنمية الاقتصادية المعتمدة مطلع عام 2010، أي في الفصل التشريعي الماضي، لما بين السنتين الماليتين 2010 - 2011 و2013 – 2014، وقدِّرت تكاليف إنجاز مشاريعها بنحو 32 بليون دينار كويتي؟ لا بد هنا من التنويه بأن الخطة تمثل طموحاً غير واقعي، فالقدرات الاستيعابية للاقتصاد الكويتي والإمكانات التنفيذية لا تسمح بإنفاق استثماري بهذا الحجم خلال المدة المحددة، بل إن إنفاق نصف المبلغ سيمثل إنجازاً مهماً في الكويت. وإلى جانب العقبات البيروقراطية أمام الخطة، التي تحتاج إزالتها إلى تعديلات قانونية، يفترض أن يتولى القطاع الخاص تنفيذ المشاريع وتملكها وتأمين التمويل اللازم لها، وثمة توافق يعود إلى العام الماضي على تقديم النظام المصرفي في البلاد التمويلات اللازمة، لكن يُخشى أن يعود الجدل حول أساليب التمويل إلى قاعة مجلس الأمة ويتعطل تنفيذ كثير من مشاريع الخطة التي يعول كثيرون من الاقتصاديين ورجال الأعمال عليها لتحريك عجلة اقتصاد البلاد. وهناك مشكلات عديدة في البلاد مثل ركود القطاع العقاري وتراجع أداء سوق الأوراق المالية وانكشاف المصارف على مدينين متعثرين. فكيف سيساهم مجلس الأمة في معالجة هذه المشكلات التي تؤثر سلباً في أعداد كبيرة من المؤسسات المحلية والمواطنين؟ إن أهم عنصر يمكن أن يحرك الأوضاع الراكدة ويعزز القدرة على مواجهة المعضلات الاقتصادية هو تشكيل حكومة من كفاءات مهنية متميزة تستطيع مواجهة المعارضة في مجلس الأمة وتتجاوزها بالحجة الفنية الموضوعية المقنعة. فهل تستطيع السلطة السياسية أن تأتي بحكومة كهذه في هذه الظروف السياسية الصعبة في البلاد؟ أم هل ستعود إلى تشكيل حكومة على أسس المحاصصة الطائفية والقبلية من دون اعتبار للكفاءة السياسية والمهنية؟ تواجه الكويت تحديات مهمة في أوضاعها الاقتصادية، فلا يكفي تحقيق إيرادات نفطية مجزية أو تحقيق فوائض تتجاوز 10 بلايين دينار سنوياً. هناك أهمية لمعالجة أوضاع القطاعات غير النفطية وتحسين أداء اليد العاملة المحلية وحسن تشغيلها وتعديل النظام التعليمي بما يتوافق مع متطلبات التنمية البشرية المستدامة. هذه تحديات مهمة يجب أن لا يغفلها أعضاء مجلس الأمة، وعلى السلطة السياسية اختيار مجلس وزراء قادر على مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت