اعلنت شخصيات سياسية سورية معارضة من عمان أمس مبادرة تستعد لعرضها على الاجتماع الموسع الذي يعقد اليوم (الاحد) في الدوحة وتنص على «انشاء جسم جديد» للمعارضة السورية ممثلاً لكل الشرائح ومن ضمنه «المجلس الوطني السوري»، على ان يليه تشكيل حكومة في المنفى، وأصروا على رحيل الرئيس بشار الأسد قبل اي حوار لإيجاد حل غير عسكري للأزمة. ويأتي هذا الاعلان بعد تصريحات اميركية حضت على تشكيل اطار اكثر شمولاً للمعارضة السورية لتتمكن من الإعداد لانتقال سياسي، معتبرة ان المجلس الوطني لم يعد ممثلاً لكل اطياف المعارضة. وتزامن مع تقارير عن احتمال تشكيل حكومة سورية في المنفى برئاسة المعارض البارز رياض سيف. وشارك في الاجتماع الذي عقد الخميس في عمان ونشرت «الحياة» تفاصيله في وقت سابق بدعوة من رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، اضافة الى سيف شخصيات سياسية بارزة، بينها ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين المنضوية في إطار المجلس الوطني السوري، وآخرون غير منتمين إلى المجلس. وقال محمد العطري، المتحدث باسم رياض حجاب، في بيان تلقت «الحياة» نسخة منه ان «25 شخصية وطنية سورية شاركت في الاجتماع» الذي وصفه بأنه «تحضيري للاجتماع الموسع الذي سيعقد في الدوحة الاحد». وأضاف ان «النائب السوري السابق رياض سيف سيعلن خلال اجتماع الدوحة عن المبادرة الوطنية السورية». وأوضح ان المبادرة «عبارة عن إنشاء جسم سياسي جديد للمعارضة السورية يكون ممثلاً لجميع شرائح المعارضة ويتكون من المجلس الوطني (اعضاء المكتب التنفيذي ال 14) والمجلس الوطني الكردي (ثلاثة اعضاء) والمجالس المحلية (المدنية التي تعنى بتنظيم شؤون الناس في المناطق التي خلت من وجود النظام) والمجالس الثورية في الداخل والشخصيات السياسية التاريخية وهيئة علماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين». وقال العطري ان «مشاورات ستجرى لمعرفة ما اذا كانت هذه المبادرة ستشكل جسماً بديلاً من المجلس الوطني او ائتلافاً جديداً». وأضاف: «بكل تأكيد سينتج من هذه التوليفة في وقت لاحق اعلان حكومة». وجاء في البيان الصادر عن الاجتماع أن «الحاضرين توافقوا على اعتبار رحيل الأسد عن السلطة الشرط المسبق الذي لا تنازل عنه قبل الدخول في أي حوار يهدف الى ايجاد حل غير عسكري، هذا اذا كان ذلك ممكناً». واتفقوا على «دعم الجيش الحر والحراك الثوري كأداة شرعية لإسقاط النظام مع التشديد على وحدة ووطنية السلاح». وأضاف البيان ان اللقاء «التشاوري يندرج» في سياق الجهود الرامية الى توحيد جهود المعارضة السورية (...) لتكون على قدر تضحيات الداخل وملاحمه البطولية ولتحصل على التأييد الدولي والاقليمي والعربي اللازم لإسقاط نظام الأسد». وأصدر نائب المراقب العام لجماعة «الإخوان المسلمين» في سورية علي صدر الدين البيانوني الذي شارك في الاجتماع بياناً اعلن فيه انه عبر خلال اللقاء عن تأييد الجماعة «فكرة إيجاد قيادة سياسية جامعة للمعارضة السورية، من حيث المبدأ». وشدد في الوقت نفسه على ضرورة «المحافظة على كيان المجلس الوطني السوري، وألا تكون الهيئة الجديدة بديلاً منه». كما دعا الى «تمثيل القيادة المشتركة للمجالس العسكرية والمجالس الثورية» في القيادة الجديدة، و «إعادة النظر في تمثيل المحافظات السورية ليكون متوازناً ومتناسباً مع عدد سكان كل محافظة»، وضم شخصيات اسلامية الى الهيئة. ومن المشاركين في الاجتماع ايضاً المعارض البارز ميشيل كيلو غير العضو في المجلس الوطني والاعضاء السابقون في المجلس كمال اللبواني وبسمة قضماني وسهير الاتاسي والامين العام السابق للمجلس الوطني وائل ميرزا والناشط الحقوقي وليد البني ورضوان زيادة وبسام يوسف والحارس النبهاني عن الاحزاب اليسارية وأحمد العاصي الجربا ممثلاً عن العشائر السورية، وغيرهم. إلى ذلك، قال سيف إن المعارضة السورية المفتتة ستحاول في الدوحة صوغ سياسة مشتركة وكسب الاحترام الدولي والحصول على أسلحة، والأهم من ذلك الإطاحة بالرئيس الأسد. ولفت سيف، الذي لم ينجح في مغادرة سورية إلا منذ شهور قليلة بعد خروجه من السجن، الى أن هناك حاجة ماسة لإيجاد بديل للنظام. وأضاف السياسي الليبرالي في المقابلة التي أجرتها معه وكالة «رويترز» في عمان أن ما يتحدث عنه هو فترة موقتة تبدأ بتشكيل قيادة سياسية للمعارضة إلى أن تجتمع في دمشق جمعية وطنية تمثل كل السوريين بمجرد سقوط الأسد. ومن بين الشخصيات التي قابلها سيف في عمان رياض حجاب الذي هرب إلى الأردن قبل ثلاثة أشهر ويلعب دوراً كبيراً في المحاولة الجديدة التي يقودها سيف. وخلافاً للمحاولات السابقة التي فشلت في صوغ قيادة موحدة للمعارضة قال سيف إن اجتماع الدوحة سيكون أكثر شمولاً وسيمثل فيه عدد ضخم من الجماعات الدينية والنشطاء، وسيضم كذلك عدداً أكبر من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد وزعماء سياسيون أكراد. واجتمع سيف أيضاً مع سهير الأتاسي التي لعبت دوراً في تنظيم التظاهرات السلمية في بداية الانتفاضة والطبيب كمال لبواني وهو سجين سياسي لفترات طويلة وهو الآن مدافع بارز عن الكفاح المسلح. وقال سيف إن هناك عشرة ملايين سوري يحتاجون كل شيء، من الإسكان إلى الأمن إلى الخدمات العامة، ونظام لا بد من اتخاذ كل إجراء ممكن للإطاحة به وتجنب مزيد من الخسائر. وتعرض سيف (66 عاماً) الذي يعاني مرض السرطان منذ سنوات لاعتداء قوات الأمن الموالية للأسد في تظاهرة للمطالبة بالديموقراطية في بداية الانتفاضة مما جعله موضع احترام في الداخل ووسط شخصيات معارضة بينها مشاحنات قوضت الانتفاضة وجعلت القوى الغربية والإقليمية تخشى الاعتراف بالمعارضة. وتم اختيار سيف سراً، عندما كان لا يزال في سورية، عضواً في المجلس الوطني السوري والذي كان موضع انتقاد في الداخل والخارج لأن تمثيل النشطاء الميدانيين فيه دون المستوى ولهيمنة جماعة «الإخوان المسلمين» عليه. وبعد مغادرته سورية مطلع الصيف أمضى سيف أسابيع لتلقي العلاج في ألمانيا حتى تحسنت حالته وبدأ جهداً منظماً لتوحيد جماعات المعارضة المتفاوتة. ويقترح سيف تشكيل تجمع مدني جديد من 50 عضواً سيختار في وقت لاحق حكومة موقتة وينسق مع الجناح العسكري للانتفاضة. وقال إن المجلس المقترح سيمثل القوى الأكثر فاعلية في الثورة، وسيكون مقنعاً للشعب السوري. وأضاف أن جهوداً تبذل لإخضاع المعارضة المسلحة لقيادة عسكرية موحدة. وتوقع سيف أن يساعد الاعتراف الغربي والتركي والعربي في الهيكل الجديد للمعارضة بإمداد المعارضة المسلحة بصواريخ مضادة للدبابات والطائرات لحسم المعركة. وقال إن المجلس المقترح سيضم شخصيات مستقلة مثل المثقف السوري صادق جلال العظم وممثلين للمجالس المحلية للمعارضة التي تقدم خدمات في 14 محافظة سورية. وذكرت مصادر في المعارضة أن نجاح مبادرة سيف سيعتمد على مدى مقاومته لضغوط المجلس الوطني السوري لتعيين عدد أكبر من أعضائه في المجلس الجديد والتوصل إلى توافق في شأن كيفية التجاوب مع مبادرة دولية للتعامل مع صراع يتحول على نحو متزايد إلى حرب أهلية سورية. وقال عضو في الجلس الوطني السوري يؤيد معارضة أكثر تمثيلاً: «هناك حديث بالفعل عن ضم المجلس الجديد أعضاء من المجلس الوطني السوري. إذا تبين أن هذا صحيح، فإن مبادرة سيف سيُحكم عليها بالفشل». وأحبطت الانقسامات بين الإسلاميين والعلمانيين وكذلك بين المعارضة في الداخل وشخصيات معارضة في الخارج محاولات سابقة لتشكيل معارضة موحدة. ودعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأربعاء إلى إصلاح لقيادة المعارضة السورية قائلة إن الوقت حان لتجاوز المجلس الوطني السوري وإشراك أولئك «الموجودين على الجبهة يقاتلون ويموتون». ورأت انه «لم يعد ممكناً النظر اليه بأنه الزعامة المرئية للمعارضة»، معتبرة ان اجتماع قطر سيكون فرصة لتوسيع التحالف ضد الأسد. وأغضبت تصريحات كلينتون «المجلس الوطني» ورد بحدة رافضاً قيام اي اطار بديل منه، معتبراً «اي حديث عن تجاوز المجلس الوطني او تكوين اطر أخرى بديلة محاولة لإيذاء الثورة السورية وزرع بذور الفرقة والاختلاف». ولاحقاً سعت واشنطن الى استرضاء «المجلس الوطني السوري»، وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند ان الولاياتالمتحدة تدعم المجلس الوطني السوري «منذ اكثر من عام». وتداركت: «لكننا كنا دائماً شديدي الوضوح، علناً وفي شكل غير علني، مع المجلس الوطني السوري (...) لجهة اعتقادنا بوجوب ان يوسع تمثيله». وأضافت نولاند ان «الولاياتالمتحدة لا تفرض رأيها في اي حال. المقصود ان الولاياتالمتحدة وأصدقاء آخرين لسورية يدعمون الاصوات التي ترتفع في البلاد ليقولوا ان المجلس الوطني السوري لم يستغل العام الفائت لتوسيع تمثيله». وتابعت ان على المجلس «ان يمثل كل التلاوين وكل الاصوات في سورية».