أتمنى لو أردّ على رسالة إيميل واحدة بكلمة «سرني»، وسرني من السرور والانشراح. غير أن كل إيميل ينغّص عليّ عيشتي، وأضغط عليه بسرعة البرق «ديليت» قبل أن أكمل قراءته. لا أتذكر مرة أنني كتبت لأحدهم أو أرسلت إليه إيميلاً تحذيرياً، مثلما يرد إليّ هذا الكم من التنبيهات والتحذيرات مع شرط تعجيزي أن أنشر... فمتى سأفرح يوماً بإيميل مهضوم لطيف خفيف طريف ظريف يسعفني بأن أرد عليه: «سرني ما كتبت و ما أوردت، ولا أدري إن كان هذا التفاؤل من تأليفك، أو نقل من مصدر ما غير الخيال العلمي المصاب به أهالي النت». أود أن يكتب أحدهم معلومة علمية صحيحة مفيدة، ولا مانع من نشرها على أساس المنطق والعقل. وبما أنني معترفة أننا بعيدين كل البعد عن العلم، فرجائي لو أن أحدهم يترك كل هذا اللغط، ويكتب كلاماً بسيطاً يعطينا فيه كسرة سعادة أو فتفوتة فرح أو رشفة أمل أو رشفة وردة. لكن ما يحصل من تواصل لا يسر الخاطر، كلام خيالي لم يرد سهواً في الكتب والمجلات والمسلسلات. فهم يجعلونك تشعر بأنك في غابة، وأن وحوش الدنيا تتربص بك، فإذا شربت قهوة ماركة سي، ستصاب أمعاؤك بالتسي تسي، ولو أكلت دونات ماركة، كيف ستصاب بحكة تحت الإبط، ولو أكلت دجاج العفة، قد تصاب بدسك في الرقبة، وإذا تحممت بصابون ماركة كجلون، عليك بالسفر سبع مرات للبابون. ويحذرونك من أن هذه كلها من فعل أناس مكرة، ما عندهم شغل ومشغلة في هذه الدنيا غيرك، ويودون الضرر لك وبك وبأهلك، ولذا وجب التنبيه، خصوصاً من تفاح وارد بلاد ترباح، لأنك حتماً ستصاب بالجنان، واحذر من الشامبو إذا كان عليه رقم 763218- أبت، لأنه «ما بتعرف شو حيصير». عم تضحك؟ الأمر خطر. أما الشوكولاتة المكتوب عليها شوكوليت، فهذه وراءها مؤامرة إن وأخواتها. وإذا تناولت جبنة بيض، وأكلت معها تشيبس، فحتماً ستدخل في حيص بيص، لأنك أسهمت في تشجيع أشياء لا تخطر على البال، فقاطعها كلها واجلس من دون أكل ولا شرب، وتفرج على التليفزيون، ولكن لا تشاهد القنوات التالية، ففيها إشعاع بصري يؤدي إلى الالتهاب الكبدي. يا أخي. الجماعة يحذرونك فلا تكتف بذلك، عليك أن تنشر التحذير عبر الإيميلات، خصوصاً التي تغص بحكايا عن النساء، من أن في ذاك المستشفى دخل ذاك الطبيب، فشاهد تلك المريضة، ولن أعلمك ماذا حصل، الستر فانشر، ولك الأجر، وانتبه من النساء وعلى النساء وتوخ منهن وعليهن الحذر، فواحدة يعرف قصتها الأخ الراوي عطست، وقد تنقل الأنفلونزا إلى نسائك جميعهن وقريباً، وأخرى ابتسمت لزميلتها، ولم تعجب أحدهم الابتسامة، فظن بها الظنون، فلم يكن الظن في مكانه لأنه كان لها ناب. ويستمر صاحبنا في سرد قصصه عن النساء وسوء الظن بهن وكأن الإيميل فيلم لدراكولا مصاص الدماء، رعب. كل هذا اللغط ومطلوب مني أن أنشر، أنا لا أنشر غسيلي، فكيف أنشر كل هذه التفاهة. وإلا قل أين الدليل القاطع لكل ما يسطرون ويكتبون؟ حقاً هناك أناس عالة على الإنترنت ورسائل بعضهم وللأسف هي الأكثر قراءة وإثارة للبعض الآخر، وكلها أكاذيب متبادلة. أنا لا أصدق أن الشركات المحلية والعالمية لا همّ لها في هذه الدنيا سوى أذيتي. المسألة أصبحت «فضاوة» الكترونية أكثر مما يلزم. إذا استمروا في كتاباتهم هذه سينطبق عليهم قول أحد الكتاب الكبار: عندما تأملت بعمق في هذه الحياة، رفعت نظري إلى السماء، وشكرت الله أنه خلق الموت. والآن أنا ذاهبة لأرتشف قهوتي، وآكل لوح الشوكولاتة التي أحب، وأشرب العصير بالنعناع، وأشم رائحة صابونتي الليمونية، وآخذ دوائي وأحسن الظن بالعالم كله، وأدفع بالتي هي أحسن حتى مع أعدائي، ولن أردّ على أي إيميل من هذا النوع، بل سأضع مرسله على «السبام»، وسأرفض وصول أية رسالة تزعجني، ولن أنشر له إيميله وأجري على الله. خلف الزاوية بعثت إليك بالأشواق يوماً فسرّتك الرسالة بل شذاها وقد أشبعتها بالعين ضماً فارجع لي الرسالة كي أراها