«نريد منكم «الزُيارة» فهي تدفع البلاء في مثل هذه الأيام المباركة من موسم الحج وعيد الأضحى»، كلمات ردّدها الشاب السعيد بن محمد لاستمالة قلوب الناس وجيوبهم في الشوارع وخصوصاً في المدن الكبرى كالعاصمة الجزائرية. و «الزُيارة» بضم حرف الزي، تعني في اللهجة الجزائرية «التبرع بالنقود أو ما يقابلها من القمح والسميد والزيت والسكر لأحفاد الأولياء الصالحين من العلماء ومن الزاهدين». يتكرر المشهد عادة في عيدي الفطر والأضحى. فيجد السعيد وغيره من أحفاد الولي الصالح «سيدي بن محمد بن عودة»، ضالتهم في جمع الأموال في المناسبات. ويقول السعيد ل «الحياة»: «في عيد الأضحى تكون أيادي الجود كثيرة، ومحاولات التقرب من الله تكون أكبر». وأضاف: «هناك عائلات تقدم كثيراً من الأموال وتتصدق بالألبسة، خصوصاً تلك التي يؤدي أحد أفراد أهلها مناسك الحج، داعين عودتهم من البقاع المقدسة». ومع حلول عيد الأضحى، قرر السعيد ترك قريته في أعالي جبال غيليزان، ليجوب المدن الكبرى وصولاً إلى العاصمة الجزائرية. فتجده، بعدما قطع مسافة تزيد عن 420 كيلومتراً، يطلب برفقة إبله «الزُيارة» بكلمات مقنعة وجاذبة لا ينسى فيها ذكر الله ليستعطف قلوب الناس. كلمات حفظها عن ظهر قلب في حلقات الذكر والموعظة التي استفاد منها منذ نعومة أظافره. فهو لم يدخل المدرسة يوماً، لكنه تعلّم قراءة القرآن وحفظه في بيت خاص لذلك في قريته في منطقة غيليزان غرب العاصمة، حيث يوجد «ضريح الولي الصالح جدنا الأكبر سيدي محمد بن عودة ومقامه»، كما يؤكد. ويضيف: «لكل واحد من المتبرعين نيّة أو مغزى من التبرع... كثيرون ينتظرون مثل هذه الفرصة لإعطاء المال والدعاء من الله أن يحقق لهم أحلامهم وأمانيهم وطلب المغفرة أو شفاء مريض». يعتمر الشاب الأسمر، عمامة تقليدية يرتديها عادة سكان المناطق الجنوبية في الجزائر، «حفاظاً على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا»، كما يفيد. لكن سرعان ما يكشف عن سرّ هذه العمامة وعن عباءته التقليدية أيضاً، قائلاً: «أحاول أن لا أفضح هويتي أو وجهي في شكل كامل، وهذه العمامة والثياب تساعدني على ذلك، إضافة إلى أنها جزء من وفاء بوعدي للأجداد من أحفاد الولي الصالح في إبقاء هذه العادة وإرثها». «دراويش» الأعياد السعيد هو واحد ممن يطلق عليهم اسم «الدراويش» الذين يستقبلون الأعياد الدينية بفرحة بالغة. فهم من أحفاد هذا الولي الصالح وأتباعه. ويجمعون المال والإبل والخرفان للقيام بما يُسمى «الوعُدة» بضم العين. والوعدة» هي عشاء مفتوح لإطعام المساكين والفقراء وعابري السبيل، تتخلّله تلاوة آيات من القرآن الكريم. ويقول المختصّ في الفلسفة الإسلامية والتصوف عبدالقادر جريدي ل «الحياة»، إن «(الوعدات) الخاصة بالأولياء الصالحين هي من العادات المتجذرة لدى بعض سكان المناطق الداخلية في الجزائر، يتوارثونها أباً عن جد في تقليد يُحتفى به في المواسم الدينية». وعن الولي الصالح «سيدي محمد بن عودة»، يفيد بأنه «عُرف بورعه وعلمه وشارك في معركة «مزغران» لصدّ الغزاة الإسبان في عام 1557، كما أسس مدرسة قرآنية ومكاناً لإيواء الفقراء وعابري السبيل». واللافت أن تسمية القائمين على جمع التبرعات لإعداد العدة لوعدة «سيدي محمد بن عودة» متعددة ومختلفة. ويقول بن عروة كريم الباحث وأستاذ علم الاجتماع في الجزائر، إن «هناك من يطلق عليهم اسم «الدراويش» أو «الزاهدين»، وهناك من يصفهم ب «طالبي باب ربي» أي يجب ألا ترد مطالبهم وأياديهم فارغة خاوية». ويشرح كريم أن هؤلاء الشباب أو «الدراويش» تعودوا على السير لمسافات طويلة والتجول بين الأحياء السكنية والشوارع طلباً للمال أو التكرم عليهم بشيء ما. ويؤكد أنهم «لا يلتفتون إلى حياة المدينة وأن حياتهم اليومية بسيطة ومبنية على الترحال والتنقل من مكان إلى آخر». ويضيف: «هندامهم وكلماتهم وأحاديثهم بسيطة غير متكلفة ولا تخلو أبداً من ذكر الله». إذ إن الأولياء الصالحين في الجزائر الذين يعتبرون مثالاً أعلى لهؤلاء الشباب، كانوا من العلماء وفاعلي الخير في زمانهم مثل «سيدي محمد بن عودة» وغيرهم من الأولياء الصالحين الموزعين في مناطق جزائرية عدة، وما زالت أعمالهم وذكرهم محل اهتمام الجزائر العميقة.