لا يمكن برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء سندات دول مجموعة اليورو، أن يتحول إلى «تمويل مُقنَّع للحكومات»، هذا ما أكده رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي في برلين أمس، في كلمة أمام البرلمان الألماني. ودافع عن هذا البرنامج، موضحاً أنه «لن يؤدي إلى تضخم». وتحدث دراغي عن آلية تطبيق السياسات المالية، معلناً أن البنك المركزي الأوروبي «ردّ على الوضع الاقتصادي الضعيف وعلى البطالة المرتفعة بخفض سعر الفائدة، وكان لمثل هذا الخفض في أوضاع طبيعية، أن يتميز بالتساوي بالنسبة إلى الشركات والمدّخرين في مجموعة اليورو، لكن ذلك لم يحدث حيث طُبّق الانخفاض بالفعل في بعض الدول وتراجعت الفائدة التي تفرضها المصارف على الاقتصاد الحقيقي في دول أخرى بنسبة طفيفة. فيما شهد سعر الفائدة ويشهد ارتفاعاً في عدد قليل من الدول». وأضاف: من النقاط الأساسية بالنسبة إلى مصرف مركزي ما يُسمى نقل السياسة المالية، نظراً إلى وجود علاقة ثابتة، في حال عمل الأنظمة المالية في شكل جيد، بين تغير سعر الفائدة من جانب البنك المركزي وكلفة القروض المصرفية للشركات والمدّخرين. واعتبر أن ذلك «يمَكّن البنوك المركزية من التأثير في الأوضاع الاقتصادية المركّبة والحفاظ على ثبات الأسعار، لكن النظام المالي لمجموعة اليورو يعاني مشاكل متزايدة، فضلاً عن تفكك كبير للأسواق المصرفية المنفردة». تفاوت الكلفة وأشار إلى «تفاوت كلفة التمويلات المصرفية في شكل كبير بين دولة وأخرى من مجموعة اليورو، كما ظلت الأسواق المصرفية فيها مغلقة أمام عدد كبير من المصارف، وأمام النظام المصرفي بكامله في بعض الدول»، لافتاً إلى «ارتفاع أسعار فائدة السندات الحكومية في بعض الدول في شكل ملحوظ، مُلحِقة ضرراً بكلفة التمويلات المصرفية ومحددةً دخول الأسواق المالية». واعتبر أن ذلك هو «السبب الرئيس الذي جعل المصارف تنقل الفوائد في شكل مختلف إلى الشركات والمدّخرين في دول مجموعة اليورو». وقال «لا يعني ذلك ضرورة أن تكون أسعار الفائدة متطابقة في منطقة اليورو، لكن لا يمكن القبول بظهور فوارق ضخمة ناتجة من أسواق رؤوس الأموال، التي لا تعمل جيداً أو من انطباع بانهيار مجموعة اليورو». ولفت دراغي، إلى أن التفكك الفردي لأسواق رأس المال «قاد إلى تفكك في سياسة السوق المالية الموحّدة، وفي اقتصاد مثل اقتصاد مجموعة اليورو، حيث يأتي ثلاثة أرباع تمويل الشركات من المصارف، تكون لمثل هذا الأمر تبعات على الاقتصاد الحقيقي والاستثمارات واليد العاملة». وتابع: لا يعني ذلك إمكان الدول التي تعاني صعوبات، الاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة لاستعادة عافيتها، بل على العكس تجد هذه الدول نفسها في دائرة مغلقة». واعتبر أن «انقسام عملية نقل السياسة المالية وتفككها إلى الدول والأسواق المنفردة، أمر خطير جداً، إذ «يهدد وحدة السياسة المالية وقدرة البنك المركزي على ضمان ثبات الأسعار، لذا رأى البنك المركزي ضرورة التدخل». وعزا دراغي أحد أهم أسباب هذا التفكك، إلى «التخوف من مستقبل منطقة اليورو، إذ تأثر مستثمرون في شكل لافت بسيناريوات كارثية مُتخيَّلة، لذا يطالبون الدول التي تُعتبر ضعيفة بأسعار فائدة تتجاوز المستويات التي تفرضها نسبة الخطر الحقيقية». ولا ينكر دراغي في المقابل «إقدام الدول التي تواجه صعوبات اليوم على تطبيق سياسات اقتصادية خاطئة في الماضي، لذا تصبح المسؤولية الأولى للدول التي تعاني من مثل هذا الوضع إجراء إصلاحات محددة لإقناع الأسواق بصدقيتها». ولفت إلى أن «دولاً كثيرة تُجري هذه الإصلاحات بالفعل، لكن أسعار الفائدة لا تتوقف عن الارتفاع، حيث يهيمن عنصر الخوف على تقويم الأسواق، والذي لا تتمكن الحكومات بمفردها من إزالته». تفاصيل البرنامج وعن هذا البرنامج، أعلن دراغي أنه «يتضمن تدخلات مسبقة غير محدودة في أسواق السندات الحكومية مركزاً على السنوات الثلاث، وتهدف هذه التدخلات إلى توجيه رسائل واضحة إلى المستثمرين، تفيد بأن لا مبرر لمخاوفهم». أما النقطة الثانية، فتتمثل في أحد شروط البرنامج القاضي بأن «تتحاور الدول مع الحكومات الأخرى حول برنامج آلية استقرار بشروط دقيقة وحقيقية». ولتأكيد دراسة البنك المركزي الجيدة للبرنامج وإزالة المخاوف من أن يكون «تمويلاً مقنَّعاً»، أكد دراغي أن البنك المركزي «حدّد بدقة منذ البداية التدخلات التي ستشمل الأسواق الثانوية فقط، أي حيث سبق للسندات أن طُرحت وخضعت للمداولات التجارية». وفي حال تدخله، فسيكون ذلك «لشراء سندات المستثمرين لا الحكومات». وأكد أيضاً أن هذا البرنامج لن يُلحق الضرر باستقلال البنك المركزي الأوروبي، الذي «سيستمر في اتخاذ قراراته في شكل مستقل، وسيقرر ما إذا كان عليه التدخل انطلاقاً من تقويمه عملية نقل السياسة المالية أم للحفاظ على ثبات الأسعار»، لأن خضوع الحكومات لشروط مُحدّدة «يساهم في الحفاظ على استقلال البنك المركزي». أما النقطة الثالثة، فتتمثل في «عدم خلق هذا البرنامج أخطاراً إضافية لمسدّدي الضرائب الأوروبيين، بل سيكون مثل هذا الخطر موجوداً فقط في حال تطبيق دولة ما سياسات خاطئة، وهذا ما تحول دون وقوعه آلية الاستقرار الأوروبي». والنقطة الرابعة، هي أن برنامج شراء السندات «لن يفضي إلى التضخم إذ حدّدنا نشاطنا في شكل يجعل تأثيره في السياسة المالية محايداً».