بدأ المجلس الوطني التأسيسي في تونس مناقشة فصول الدستور الجديد والمصادقة عليها فصلاً فصلاً كما هو معمول به في النظام الداخلي للمجلس الذي يهيمن الإسلاميون على الغالبية فيه. وانطلق الجلسات العامة للنقاش بالتوطئة العامة للدستور التي تتضمن شكل الدولة ولغتها ودينها. وعلى رغم أن اللجان التأسيسية التي صاغت مشروع مسودة الدستور توافقت على مدنية الدولة ومصادر التشريع فيها، إلا أن جلسة النقاش شهدت عودة إلى الجدل حول علاقة الدين بالدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية فيها ومسألة تجريم «التطبيع» مع إسرائيل. وطالب النائب عن حركة النهضة الصادق شورو باعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع باعتبار أن «الشعب مسلم ومن حقه أن يعيش في ظل دولة إسلامية». واستغرب النائب الإسلامي غياب بند يجرّم التطبيع مع «الكيان الصهيوني» في الدستور على رغم أن كل الأحزاب تعهدت بذلك في حملاتها الانتخابية، بحسب قوله. وفي المقابل، بيّن رئيس كتلة التكتل الديموقراطي (حزب علماني مشارك في الائتلاف الحاكم) المولدي الرياحي أن لا موجب للتنصيص على تجريم التطبيع في الدستور أو التوطئة العامة، معتبراً أن هذه المسألة تشملها القوانين لا الدستور، بحسب رأيه. وفي هذا السياق، فسّر الخبير الدستوري جوهر بن مبارك أن وظيفة الدستور هي تنظيم السلطات وتحديد علاقة الحاكم بالمحكوم إضافة إلى ضمان الحقوق والحريات. وأضاف في تصريح إلى «الحياة» أن الدستور ليس مجلة جزائية حتى يتضمن عبارات التجريم سواء كان تجريم التطبيع أو تجريم الاعتداء على المقدسات. من جهة أخرى، طالب عدد من نواب المعارضة بالتنصيص على كونية وشمولية حقوق الإنسان في توطئة الدستور على رغم أن لجنة الصياغة رفضت ذلك في السابق. واعتبر النائب عن الكتلة الديموقراطية محمود البارودي أن التنصيص على شمولية وكونية حقوق الإنسان من شأنه أن يعطي قيمة أعلى للحقوق والحريات في الدستور الجديد. وحذّر في تصريح إلى «الحياة» من أن تصبح حقوق الانسان محل تجاذب سياسي وأيديولوجي بين الغالبية والمعارضة. يُذكر أن دستور 1959، الذي وقع إلغاءه إبان الثورة، كان يتضمن في فصله الخامس تنصيصاً على كونية وشمولية مبادئ حقوق الإنسان وكان هذا الفصل مرجعاً عند التحكيم في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء حكم النظام السابق. وعلى رغم أن النقاشات في المجلس كانت حادة ووجهات النظر كانت مختلفة، إلا أن نواب الغالبية ونواب المعارضة اتفقوا على أن يكون الدستور الجديد دستوراً توافقياً يعبّر عن تطلعات الشعب التونسي للحرية والكرامة والديموقراطية.