بدت أصوات المأمأة (الثغاء) الصادرة عن الخروفين الرابضين في حمام شقة «الأستاذ محمد» ينتظران مصيرهما المحتوم «مأمأة» عادية، لا غبار عليها. لكن العالم ببواطن أمور الخرفان يعلم جيداً أنها مأمأة إنكليزية بلكنة أسترالية عابرة للمحيطات. وعلى رغم انتقال الخروفين إلى عالم آخر مع بزوغ شمس أول أيام عيد الأضحى المبارك، إلا أنهما خلّفا وراءهما الكثير، ليس على صعيد الفخذة اللذيذة في الفرن بالخضراوات، ولا الكبدة المشوية المخصصة لأقارب الدرجة الأولى، ولا للأكياس المخصصة للتوزيع على فقراء الحي الكلاسيكيين من حارس العقار، وجامع القمامة، والشحاذ المزمن القابع عند أول الشارع فقط، بل نتج منهما أسى مشوب بالأسف بعدما طرقت الباب زوجة الجار وهي تدعي زيارة مفاجأة وملمحة إلى استعداد أخوي لتخليص زوجة الأستاذ محمد من أحشاء أحد الخروفين أو كليهما. تقدم الجارة بطلب ذي ملمح رسمي للحصول على أحشاء الخروف كان بمثابة إعلان رسمي بانضمام قطاع بأكمله من أبناء الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة الذين تجوز عليهم لحوم الأضاحي. أضحية العيد في مصر هذا العام لم تأتِ فقط محملة بتهم الإشعاع والسرطنة، ولا بمنع تصدير الأغنام الحية من أستراليا في فترة العيد للمعاملة السيئة التي تلقاها الحيوانات في هذه الفترة، بل وصلت ملبدة بوضع اقتصادي خطير واجتماعي غريب وسياسي مريب لم يطرأ على المصريين من قبل. كما لم يطرأ عليهم عيد من قبل يحمل تهانياً لهم وأماني عليهم ليس بالسعادة واليمن والبركات فقط، ولكن بخلافة إسلامية قريبة. لافتات التهنئة التي عرفت طريقها إلى الشوارع والحارات خلعت رداءها التقليدي من تهنئة لنائب برلماني قبطي للأخوة المسلمين بالعيد السعيد، أو مباركة وطنية من رجل أعمال منتفع للسيد الرئيس داعياً له بموفور الصحة وطول البقاء جاثماً على صدر الأمة، وخرجت هذا العام مهنئة الأمة نفسها - التي يفترض أن صدرها قد انزاح عنه الرئيس السابق - ومجددة الدعوة لسلفه بطول البقاء واستدامة الحكمة واستمرار العطاء، مع فرق وحيد وهو دعوة أهل المنطقة لحفل إنشاد ديني. ولافتات أخرى عرفت طريقها في المناسبة ذاتها من قبل مرشحين طامحين لخوض معترك الانتخابات البرلمانية المتوقعة بعد الانتهاء من معترك كتابة الدستور وبعده معترك الاستفتاء على أمل الانتهاء من معترك قضية شرعية اللجنة التأسيسية. وتحمل مثل هذه اللافتات تحيات وسلامات لأهل المنقطة الكرام مذكرة إياهم بالابتعاد عن الموبقات وتجنّب المفاسد والإكثار من ذكر الله. لكن واقع الحال في يوم الوقفة وأول أيام العيد يؤكد أن الجميع بات يذكر الله بمعدلات تفوق المعدلات الطبيعية بمراحل. الصفوف المتراصة أمام محطات الوقود تتصاعد منها عبارات الحوقلة والاستغفار والحسبنة على كل من كان سبباً في أن يتحول يوم الوقوف على «عرفة» وقوفاً على باب المحطة. محطة آخرين أو بالأحرى محطات عدة، يتجمهر عندها المصريون في مناسبة العيد السعيد، وهي تلك المحطات التي وعدت مشاهديها بعيد تركي صميم. وبدلاً من الجرعة اليومية المعتادة من حلقات «حريم السلطان» و «بائعة الورد» و «دموع الورد» و «سيدة المزرعة» وغيرها، ما ساهم إلى حد كبير في تخفيف الضغوط الدستورية ورفع المخاطر الاقتصادية وتغييب كوارث القرارات السياسية المتضاربة عن كواهل المصريين، أعلنت قنوات عدة عن أفلام تركية إمعاناً في التخفيف عنهم، على الأقل في عطلة العيد. لكن يبدو أن هناك «مؤامرة إمبريالية» للنيل من أعصاب المصريين حتى في العيد، فقد أصر البعض على المضي قدماً في التحذيرات التاريخية من مغبة الإفراط في تناول اللحوم رغم أنف مشاعر الملايين العاجزة عن شرائها، وهو ما دفع البعض إلى شن هجوم على مثل هذه التحذيرات الاستفزازية في ظروف اقتصادية استثنائية. وبصفة استثنائية يحتل الخروف الإلكتروني هذا العام مكانة الصدارة، متفوقاً بذلك على قرينه البلدي وزميله المستورد ليكون البديل الأوقع والأكثر مناسبة للجيوب الخاوية. ملايين الأغنام تم تداولها على متن الأثير العنكبوتي بين متمن لأهله بعيد سعيد، ومطالب لأصدقائه بعيدية العيد، ومتضرعاً إلى الله سبحانه وتعالى براحة إجبارية لجميع الفرق المتصارعة حول الدستور والمرور والوقود ... لحين انتهاء عطلة العيد.