ردت إسرائيل على التنديد الدولي بمصادرتها الثلثاء الماضي نحو 4 آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية في محافظة بيت لحم، وتهديد الولاياتالمتحدة باتخاذ إجراءات أخرى ضد حليفتها، بنشر عطاءات لبناء 283 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة «الكناه» غرب الضفة الغربية والجدار الفاصل، أي داخل ما يسمى «التكتلات الاستيطانية». وربط مراقبون بين قرار المصادرة والبناء وبين الانتخابات الداخلية الوشيكة داخل «ليكود» الذي يخشى زعيمه رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون أن يفقد من شعبيته لمصلحة حزب المستوطنين الأكثر تطرفاً. وأفادت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي مساء أول من أمس أن وزارة البناء والإسكان التي يترأسها أحد أقطاب المستوطنين الوزير أوري آريئل «أخرجت إلى حيز التنفيذ» قراراً اتخذته قبل أشهر، خلال المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، لبناء الوحدات السكنية في مستوطنة «الكناه»، وذلك بعد إقرار كل مراحل التخطيط للبناء على قسائم الأرض، ما يعني نقل الأرض إلى المقاولين ليعلنوا بناء الشقق الجديدة. وتزامن النشر مع ما كشفت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ملحقها الاقتصادي من أن موازنة دائرة الاستيطان تضاعفت خلال الأشهر الأولى من هذا العام ست مرات قياساً بالفترة ذاتها من العام الماضي، وبلغت نحو 120 مليون دولار. وربطت الصحيفة بين هذه الزيادة وحقيقة أن رئيس اللجنة الاقتصادية البرلمانية، كما وزير البناء والإسكان، هو من أقطاب حزب المستوطنين «البيت اليهودي»، بينما يسعى يعالون الذي تشارك وزارته في تمويل الدائرة، إلى كسب المعسكر المتشدد داخل «ليكود» تمهيداً لانتخابات داخلية متوقعة قريباً. من جهتها، أفادت صحيفة «هآرتس» في صفحتها الأولى أن الولاياتالمتحدة تدرس «ردود فعل» إضافية لتنديدها بمصادرة الأرض في محافظة بيت لحم. ونقلت عن موظف كبير في العاصمة الأميركية قوله إن رد الفعل «قد ينعكس بطرق أخرى»، رافضاً الخوض في تفصيل ماهية هذه الطرق. وأضاف أن تعقيب وزارة الخارجية الأميركية لم يعكس حقيقة الغضب الأميركي الكبير. وكان «منسق شؤون الاحتلال» أوضح أن قرار المصادرة اتخذ استمراراً لتعليمات المستوى السياسي عند انتهاء العملية العسكرية في الضفة الغربية، مطلع تموز (يوليو) الماضي التي أعقبت خطف المستوطنين الثلاثة ورداً على قتلهم، فيما أكدت أوساط أمنية أن الغرض من مصادرة هذه المساحة هو خلق تواصل جغرافي بين مستوطنات «غوش عتسيون». ونقلت «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله في حديث معها إن قرار المصادرة «أثار جنون الأميركيين»، وأن موظفين أميركيين كباراً نقلوا إلى نظرائهم في مكتب نتانياهو رسائل احتجاج شديدة اللهجة أعقبتها محادثة هاتفية أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نتانياهو. وتابعت الصحيفة أن مستشار الأمن القومي في مكتب رئيس الحكومة يوسي كوهين حاول في الأيام الأخيرة جاهداً امتصاص الغضب الأميركي من خلال الادعاء بأن تنفيذ المصادرة سيتم بعد سنوات طويلة إلى حين استصدار كل التصاريح اللازمة للبناء. كما ادعت أوساط نتانياهو عدم علم الأخير بقرار المصادرة، وأن وزير الدفاع لم ينسق المسألة معه، علماً أنه (يعالون) كان وراء الاقتراح الذي قدمه في جلسة للحكومة الأمنية المصغرة بمصادرة الأرض لبناء حي استيطاني يحمل اسم المختطفين الثلاثة. وادعت أوساط في مكتب منسق شؤون الاحتلال أن الأرض المصادَرة ليست بملكية فلسطينية خاصة. وأضافت الصحيفة أن الغضب من قرار المصادرة اجتاح العواصم الأوروبية أيضاً، ونقلت عن ديبلوماسيين أوروبيين قولهم إن عودة إسرائيل إلى نمط توسيع البناء الاستيطاني تعزز المقاربة القائمة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على المستوطنات، مثل تأشير منتجاتها ومنع بيعها في الأسواق الأوروبية. من جهته، كتب المعلق يوسي فرطر أن ديبلوماسيين أجانب اعتبروا قرار المصادرة «مناكفة إسرائيلية»، و»إصبعاً في عين المجتمع الدولي الذي صمت وأيد على مدار 50 يوماً الطحن في غزة». وأضاف إن القرار زوّد الوقود لماكنة الإعلام الفلسطينية و»حشر إسرائيل في الزاوية إياها، زاوية الدول المنبوذة والمارقة والمثيرة للأعصاب». ورأى المعلق أن القرار مرتبط باستطلاعات الرأي التي أشارت إلى تدني شعبية نتانياهو بعد الحرب على غزة، وأنه بات يخشى حقاً خسارة قاعدته الشعبية اليمينية التي يهدد زعيم المستوطنين نفتالي بينيت بالاقتطاع منها. وتابع أن نتانياهو فضّل إرضاء اليمين الغاضب على عدم احتلال غزة على حساب غضب المجتمع الدولي لأنه شرع في الإعداد لتبكير الانتخابات الداخلية في «ليكود» بهدف إعادة انتخابه زعيماً له قبل أن يصحو المنافسون المفترضون ويعلنوا ترشحهم.