تدور داخل حزب «ليكود» اليميني الحاكم في إسرائيل منافسة شديدة بين عدد من أقطابه على حمل راية «التمرد المنضبط» على زعيم الحزب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في أعقاب قرار الحكومة المصغرة للشؤون الأمنية والسياسية تعليق إصدار تصاريح لبناء مساكن جديدة في مستوطنات الضفة الغربية لمدة عشرة شهور. في غضون ذلك، تعتزم الحكومة التذرع بالقرار لتبرر للمحكمة العليا عدم تنفيذها أوامر الأخيرة بإخلاء 6 بؤر استيطانية عشوائية. ويرى مراقبون أن احتجاجات عدد من وزراء «ليكود» ونوابه تندرج أساساً في إطار سعي كل منهم لتسجيل نقاط في أوساط المعسكر المتشدد في الحزب، أكثر من كونها احتجاجاً سياسياً حقيقياً. ويضيف معلقون أن هذه الاحتجاجات لا تهدد زعامة نتانياهو بل تخدمه في الحلبة الدولية، إذ تظهر المصاعب التي يواجهها نتانياهو في تقديم «تنازلات» للفلسطينيين. وكان نتانياهو نجح في «تحييد» أكثر الوزراء تشدداً في «ليكود»، وزير الشؤون الاستراتيجية موشي يعالون ووزير الدولة بيني بيغين العضوين في الحكومة الأمنية المصغرة وفي «الهيئة الوزارية السباعية»، عندما نجح في إقناعهما بتأييد قرار تعليق البناء، مخمداً بذلك نيران معارضة كان المتشددون في «ليكود» بقيادة النائب داني دانون، عوّلوا على يعالون الذي سبق أن أعلن معارضته لأي نوع من تجميد الاستيطان، أن يشعلها. وحيال تأييد يعالون الذي اعتبر قرار الحكومة «مناورة سياسية أرادها نتانياهو في إطار علاقاته بأصدقاء إسرائيل في العالم»، وصمت بيغين الذي شدد في تبريره التأييد بأنه «خلال الشهور العشرة المقبلة سيتم بناء آلاف الشقق في يهودا والسامرة، وسيتم بناء مبان عامة مهمة تتعلق بنسيج الحياة وتتيح إجراء حياة طبيعية»، ارتأى وزير الخارجية السابق، نائب رئيس الحكومة حالياً سيلفان شالوم أن يقود المعارضة لنتانياهو، معتبراً ان قرار الحكومة «لا لزوم له إذ لن يعيد الفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات». واعتبر معلقون أن انتقادات شالوم تصب في إطار مناكفته رئيس الحكومة الذي استبعده من مراكز النفوذ رغم أنه «الرجل الثاني» في الحزب، أكثر من كونها «أيديولوجية»، مذكّرين بحقيقة أن شالوم كان حتى الأمس القريب من «المعتدلين» في «ليكود»، وبالتأكيد أكثر اعتدالاً من نتانياهو. وانضم وزير البيئة غلعاد اردان إلى المحتجين واحتج أساساً على عدم إطلاعه ووزراء آخرين على نية الحكومة المصغرة اتخاذ قرار تعليق البناء. ووجّه سهامه إلى وزير الدفاع زعيم حزب «العمل» ايهود باراك على خلفية توزيعه أوامر تعليق البناء على رؤساء 14 مستوطنة . ورأى اردان وغيره من نواب «ليكود» أن باراك «يستعجل إصدار الأوامر لاعتبارات سياسية» ولإرضاء نواب حزبه المعارضين رؤيته في حكومة يمينية. ودعا اردان رئيس الحكومة إلى عدم المساس بمستوطني الضفة الغربية، «على غرار المس الذي لحق بالمستوطنين في قطاع غزة»، وقال: «يحظر علينا أن نكرر أخطاء الحكومات السابقة». ورد نتانياهو بالقول إنه سيلتقي رؤساء المستوطنات، ولن نسمح بأن يحصل للمستوطنات في الضفة الغربية ما حصل لمستوطنات غوش قطيف، في قطاع غزة لا قدر الله». من جهته، طعن الوزير عوزي لنداو (إسرائيل بيتنا)، وهو الوزير الوحيد الذي عارض قرار الحكومة المصغرة، في القرار وطالب بإقراره في الهيئة الموسعة للحكومة «لأننا بصدد مسألة مركزية في صلب جدول أعمال الدولة، ومن المهم أن تعطى الفرصة لجميع الوزراء للتعبير عن مواقفهم». وأعرب زميله في الحزب نائب وزير الخارجية داني يعالون عن أمله ب «ألا يكرر الفلسطينيون خطأ 29 (تشرين الثاني) نوفمبر 1947 (رفض قرار التقسيم) ولا يفوتوا الفرصة للسلام». وأضاف إن قرار نتانياهو تعليق الاستيطان «تاريخي وغير مسبوق، وثمة فرصة حقيقية اليوم، لا تقل عن أهمية القرار الدولي الرقم 181 للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين ... لكن المشكلة تبقى في أن الفلسطينيين لم يفوتوا أي فرصة لتفويت الفرصة، لذا أرجو ألا يفوت الفلسطينيون الفرصة لتحقيق سلام حقيقي». من جهته، دافع الوزير العمالي اسحق هرتسوغ عن قرار الحكومة، واعتبره مستوجباً «في ظل الوضع الاستراتيجي الصعب الذي تعيشه إسرائيل»، وقال: «نحن بصدد قرار مهم غير مسبوق من شأنه أن يغير ملامح الشرق الأوسط ... الكرة الآن في ملعب أبو مازن». تحرك «المتمردين» وكان «النواب المتمردون الثلاثة» في «ليكود» داني دانون وتسيبي حوتوبيلي ويريف لفين عقدوا مساء أول من أمس اجتماعاً احتجاجياً. وقام دانون بجمع تواقيع 500 من أعضاء مركز «ليكود» على عريضة تطالب بالتئام اللجنة المركزية للحزب لبحث موضوع تعليق البناء والتصويت عليه. وأعلن رئيس اللجنة الوزير موشي كحلون انه سيدعوها إلى الاجتماع قريباً. ويعتزم المتطرف موشي فيغلون من «أمناء ارض إسرائيل» داخل «ليكود» تصعيد النشاطات الاحتجاجية ضد نتانياهو. ووصف رئيس مستوطنة «أريئل» المقامة في قلب الضفة رون نحمان قرار الحكومة ب «المخزي». وهنأ الوزيرة ليمور ليفنات «على جرأتها» في توصيف الإدارة الأميركية الحالية ب «المريعة»، وقال إن أقوالها عكست شعور غالبية الإسرائيليين وموقفهم من «الرئيس حسين اوباما»، متعمداً هذه التسمية. وتابع انه يدرس إمكان التوجه الى المحكمة العليا بالتماس لتعلن أن قرار تعليق البناء «غير قانوني». باراك يأمر بتشديد المراقبة على البناء في غضون ذلك، أصدر باراك تعليماته لموظفي وزارته بتأهيل 40 مراقباً للبناء لمتابعة تنفيذ قرار الحكومة عدم البدء ببناء مساكن جديدة في مستوطنات الضفة. وكان المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز قال في اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة الأربعاء الماضي إن «الحكومة لا تملك أدوات لتطبيق قرار تعليق أعمال بناء جديدة في المستوطنات إزاء النقص في مراقبي البناء»، مشيراً إلى وجود 14 مراقب بناء فقط في كل المستوطنات. وبحسب قرار باراك، فإن مراقبي البناء سيعملون بمرافقة أفراد الشرطة و«حرس الحدود» و«الإدارة المدنية» لجيش الاحتلال لفرض قرار الحكومة. ووصف إردان أوامر باراك بأنها تمس مساً خطيراً ب «حقوق الإنسان»، مضيفاً أن لباراك «أجندة سياسية تستوجب من الوزراء المؤيدين الاستيطان إسماع رأيهم». وقال وزير الإعلام الذي يقيم في مستوطنة طاولها قرار تعليق البناء يولي إدلشتاين إنه يخشى أن يمارس باراك سياسة متشددة مع المستوطنات في الضفة «من دون الاكتراث بحقوق الإنسان للمستوطنين». ودعا إلى تعويض المستوطنين والسلطات المحلية للمستوطنات جراء تعليق البناء . إرجاء إخلاء بؤر عشوائية في غضون ذلك، كشف أن الحكومة الإسرائيلية ستطلب من المحكمة العليا هذا الأسبوع مهلة زمنية أخرى لإخلاء بؤر استيطانية. وتنظر المحكمة منذ فترة في التماسين لهدم تسعة بيوت في إحدى البؤر و7 في بؤرة ثانية وتفكيك بؤرة أخرى في «غوش عتسيون». وطلبت المحكمة من النيابة العامة وضع جدول زمني لهدم البيوت. وهناك التماس ثالث لتنفيذ أمر بإخلاء ست بؤر صغيرة أخرى طلبت المحكمة في شأنها من النيابة تبرير تأخر الجيش في الإخلاء. وأفادت صحيفة «هآرتس» أمس أن النيابة العامة تعتزم الطلب باسم الحكومة إرجاء النظر في الالتماسات إلى حين وضع الأخيرة سياسة واضحة في شأن البؤر العشوائية. وستدّعي الحكومة أنه في ظل قرار تعليق البناء في المستوطنات في الضفة «والتطورات السياسية المرتبطة بها»، فإنها في حاجة إلى مزيد من الوقت لبلورة سياستها والإعداد لتنفيذ أوامر الإخلاء.