منذ أكثر من 1200 عام، وعين زبيدة تروي عطش الحجاج القادمين إلى مكةالمكرمة لاداء الركن الخامس من أركان الإسلام في هذه المنطقة شبه الصحراوية. وعين زبيدة التي تنسب الى بنت أبي جعفر المنصور زوجة هارون الرشيد، أبرز الخلفاء العباسيين، هي أول مشروع مائي وتشكل أنموذجاً فريداً للهندسة الإسلامية في ذلك الزمن. تنحدر العين التي بدأ العمل بها عام 800 من وادي النعمان أسفل جبال الحجاز عبر قنوات مائية يصل عمقها إلى 40 متراً تحت الأرض مبنية من الحجر المخرم، تم حسابها بطريقة دقيقة بحيث تصل إلى المشاعر المقدسة على سطح الأرض ويرتوي منها الحجاج مباشرة. ومن أعمال زبيدة أيضاً بناء أحواض لسقاية الحجاج خلال دربهم من بغداد إلى مكة، في ما عرف بدرب زبيدة تكريماً لها. وبحسب عمر سراج أبو رزيزة المشرف العام على وحدة إعمار عين زبيدة والمياه الجوفية فإن «عين زبيدة حلت مشكلة شح المياه وعطش الحجاج في ذلك الزمن عندما قررت زبيدة زوجة هارون الرشيد إنشاء مشروع مائي لسقيا الحجيج بعد ما كابدت من عناء ومشقة». وأضاف «كانت المياه تنحدر إلى المشاعر المقدسة عبر القنوات وصولاً إلى البازانات، وهي خزانات تحت الأرض يصل عددها إلى نحو 51 في مكةالمكرمة». وقال أبو رزيزة: «بعد يوم عرفة، تقفل المياه عنها وتوجه إلى مزدلفة، وفي يوم العيد يتم توجيهها إلى منى من أجل سد حاجة الحجاج من المياه بطريقة جيدة». وتابع: «إن عملية البناء لم تكن سهلة، فقد استغرقت 10 سنوات من العمل واضطرت زبيدة إلى بيع كل ما تملك من أجل إكمال هذا المشروع الحيوي الضخم لإيصال المياه». وأوضح المشرف على وحدة إعمار عين زبيدة أن العين كانت تضخ بين 30 إلى 40 ألف متر مكعب يومياً، أي ما يعادل ثلاثة إلى أربعة آلاف شاحنة يومياً (...) فمنطقة جبال الحجاز التي تنحدر العين منها تشهد هطول أمطار بمعدل أقصاه 300 ملم سنوياً. وتعكف الحكومة حالياً على إجراء العديد من الدراسات لإعادة إحياء عين زبيدة والاستفادة منها بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة. ورغم الاهتمام الكبير الذي يكتنف عين زبيدة التاريخية، إلا أنها تعرضت للإهمال بعد أن بدأت تتهالك بعض مواقعها، خصوصاً تلك التي تمر بالمشاعر المقدسة جراء أعمال التطوير والتحديث الجارية حالياً للتوسعة وتدشين المشاريع العملاقة لخدمة الحجيج. ولفت أبو رزيزة إلى أن العين أعيد ترميمها من قبل كريمة السلطان سليمان خان (خانم سلطان) إبان الحقبة العثمانية عام 1571، مشيراً إلى أن عمليات الترميم تناوب عليها حكام عدة للبلاد الإسلامية خلال 1200 عام دهمتها السيول وتم إصلاحها نحو 10 مرات. وأكد أن آخر من قام بعمليات الترميم هو الملك المؤسس للسعودية عبدالعزيز الذي أنشأ هيئة خاصة لعين زبيدة وجعل لها تنظيماً إدارياً ومالياً، كما قام بترميم البازانات وكان ذلك أواخر أربعينات القرن العشرين. يذكر أن زبيدة أمرت بعدد من الأوقاف الإسلامية في مكةالمكرمة من أجل ضمان استمرارية عطائها في سقيا الحجاج والمعتمرين بعد وفاتها، «وهذه الأوقاف لا تزال موجودة حتى اليوم وهناك دراسات لترميمها وإصلاحها»، بحسب أبي رزيزة. وقال: «إن كميات بسيطة جداً لا تزال تتدفق من العين، فهناك خطط لبناء خزان جوفي استراتيجي بتوجيه من الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتخزين المياه». وتابع «سيتم استخدام وادي نعمان كخزان بسعة 100 إلى 200 مليون متر مكعب لتغذية الحجاج في حال حصول طارئ لمياه التحلية».