المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقوش والتراث والهوية الوطنية .. اليوم بجامعة أم القرى
د. عادل غباشي يحاضر أمس عن عين زبيدة
نشر في الندوة يوم 25 - 05 - 2010

ضمن فعاليات معرض التراث العمراني بمكة المكرمة المصاحب لفعاليات معرض ومؤتمر التراث العمراني الدولي الأول للدول الإسلامية تعقد مساء اليوم الثلاثاء ثلاث محاضرات بقاعة الأمير فيصل بن فهد (رحمهما الله) تبدأ بعد صلاة المغرب مباشرة بمحاضرة المهندس صدقة سعيد فقيه والتي ستكون عن العناصر القديمة في مكة المكرمة ثم يتحدث الدكتور محمد الفعر عن الكتابات والنقوش في مكة المكرمة وبعد صلاة العشاء مباشرة تعقد ندوة بعنوان أهمية التراث ودوره في الحفاظ على الهوية الوطنية والتي سيشارك فيها كلاً من أ.د. ضيف الله الزهراني ، أ.د. عبدالله سعيد الغامدي وسيقدم الندوة أ.د. فواز الدهاس.
يذكر انه عقد لذات المناسبة عدد من المحاضرات يوم أمس بنفس المكان حيث ألقى وكيل جامعة أم القرى أ.د. عادل بن محمد نور غباشي محاضرة قيمة عن عين زبيدة بمكة المكرمة وتاريخها وأثارها.
قال قيها: (شرفني في هذا اليوم المشاركة في فعاليات المؤتمر الدولي للتراث العمراني في المملكة العربية السعودية الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله.
وشرف وسعادة وسرور أن تشارك وتتعاون جامعة ام القرى وأمانة العاصمة المقدسة وهيئة السياحة والأثار في إقامة معرض التراث العمراني بمكة المكرمة الذي يصاحبة أنشطة ثقافية وفكرية لإبراز الأعمال والمشروعات العمرانية المشرقة في تاريخ مكة لتكون مكملة للتاريخ الحضاري والمشرق لمملكتنا الحبيبة التي نعتز ونفخر بما ضيها وحاضرها ومستقبلها بإذن الله .
إخواني الكرام موضوعنا الذي نحن بصدد الحديث عنه (عين زبيدة) واقع دراستي لهذا الموضوع أنه أحتل أكثر من 40% من رسالتي لنيل درجة الدكتورة التي أكرمني الله فيها ونوقشت في هذه القاعة عام 1410ه وارتباطي بهذا الموضوع أيضاً يعود إلى مرحلة الدراسة في البكالوريوس عام 1400ه .
وماذا عساني أن أقول عن ذلك في مدة (30) دقيقة ، ومن هذا المنطلق فقد قسمت الموضوع إلى قسمين :
الأول : الجانب النظري للتعريف بالسيدة زبيدة وأعمالها العمرانية في مكة وطريق الحج العراقي.
- ثم أتناول المحاور التالية:
- نشأة عين زبيدة
- قناة عين حنين
- قناة عين عرفة في وادي نعمان
- أعمال الإصلاح والترميم منذ القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر للهجرة
- جهود الملك عبدالعزيز رحمه الله في إعمار عين زبيدة
- وصف المناطق التي تمر بها قناة عين زبيدة من منبعها في وادي حنين إلى مكة
- العيون المغذية لقناة عين زبيدة عبر مسارها من وادي حنين إلى مكة
- وصف مسار قناة عين زبيدة (عرفه) من منبعها بوادي نعمان إلى مكة
- وصف مسار قناة عين زبيدة عبر مسارها من وادي نعمان إلى مكة
ثانياً: أثار عين زبيدة وتتبعها من خلال ما استعرضه بإذن الله من وثائق وخرائط ولوحات تحكي قصة بنائها وطرازها المعماري وتميز المعماريين المسلمين وأساليبهم المعمارية لحمايتها وتسهيل جريان مائها وايصاله طبيعياً إلى مكة دون آلات أو ضخ أو رفع لمسافة تقدر بنحو (40) كم .
السيدة زبيدة وأعمالها الخيرية:
اسمها أمة العزيز بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور الذي تولى الموصل لوالده أبي جعفر المنصور في سنة 145/762م وقد توفي جعفر في سنة 150، أما زبيدة فقد ولدت في حوالي سنة 145/762م وقد كان جدها المنصور يرتعها في طفولتها ويقول يا زبيدة أنت زبيدة فغلب ذلك على اسمها ، وذلك لما كانت تتصف به من النضارة وحسن بدنها ، وفي سنة 165ه /781-782م تزوجت من ابن عمها هارون .
ويظهر أن السيدة زبيدة نجحت نجاحاً كبيراً في أعمالها المعمارية الخيرية على طريق الحج الذي سمي باسمها ، حتى أن الرحالة ابن جبير الذي زار مكة تأثر بمستوى الخدمات التي كانت تقدم على الطريق عبر الاستراحات ومرافق المياه كالبرك والآبار وغيرها فقال : « هذه المصانع والبرك والآبار والمنازل من بغداد إلى مكة هي آثار زبيدة بنت جعفر بن ابي جعفر المنصور زوج هارون الرشيد وابنة عمه ، انتدبت لذلك مدة حياتها ، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع إلى الآن ولولا آثارها الكريمة في ذلك لما سكنت هذا الطريق والله كفيل بمجازاتها والرضا عنها)
وقد قدم الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد دراسة شاملة وافية لدرب زبيدة مبيناً المراحل التاريخية لإعمار الدرب والجهد الكبير والأموال العظيمة التي أنفقتها السيدة زبيدة في أعمال العمارة وبناء الاستراحات ومرافق المياه ذلك بتقديم لوحات ومخطاطات للآثار المكتشفة في تلك الدراسة.
كما اهتمت السيدة زبيدة بإنشاء الاستراحات في (طرسوس) وعلى حدود ثغور الدولة الإسلامية مع الشام ،وحجت وأنفقت في حجها أموالاً عظيمة تقرباً إلى الله وكان من ذلك سقيها الماء لأهل مكة وحجاج بيت الله الحرام ، هذا العمل العظيم الذي سطر اسمها بأحرف من نور وبقت آثاره إلى اليوم وهو ما سوف نتناوله فيما يلي:
نشأة عين زبيدة وأعمال ترميمها وإصلاحها حتى القرن الرابع عشر للهجرة:
حاجة مكة المكرمة إلى
مياه عين زبيدة:
اعتمد سكان مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام على ما تجود به الآبار لتوفير احتياجاتهم من الماء ثم تطورت أساليب توفير المياه، عندما عمل معاوية بني أبي سفيان رضي الله عنه في خلافته (40 – 60 ه /660 – 680م) على توفير المياه لمكة بالافادة من مياه العيون الواقعة في حرمها، والتي كانت تغذي بعض المزارع في ذلك الحرم، فأجراها لمصلحة عموم المسلمين ، ويبدو أنها لم تستمر في عطائها، حيث واجه السكان والحجاج بعد ذلك صعاباً كثيرة بسبب قلة المياه، مما دفع الوليد بن عبدالملك إلى تكليف عامله على مكة بحفر بئر سنة 88ه/ 706م ثم أمر سنة 93ه/711م باجراء مياه عين الثقبة وإيصالها إلى داخل المسجد الحرام بجوار زمزم.
وفي العصر العباسي لحظ هارون الرشيد (170 – 193ه/876 – 809م) انقطاع عيون معاوية بني أبي سفيان رضى الله عنه التي أجراها بمكة، فأمر بإحياء بعضها وصرفها في قناة عين يقال لها الرشا، ثم أوصل مياه هذه العيون إلى بركة تنسب إليه بالمعلاة، ثم سير منها الماء إلى بركة عند المسجد الحرام. لكن يبدو أن ما قام به الرشيد لم يؤد هدفه المنشود، واستمرت مشكلة نقص المياه بمكة قائمة تؤرق سكانها وحجاج بيت الله الحرام، حيث صور لنا ذلك الأزرقي بقوله: (ثم كان الناس بعد انقطاع هذه العيون في شدة من الماء وكان أهل مكة، والحاج، يلقون في ذلك المشقة،حتى أن الراوية لتبلغ في الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل الماء) وعلى هذا فإن مكة في هذا الوقت بحاجة إلى مورد مائي جديد لسد احتياجات سكانها والوافدين إليها.
أعمال السيدة زبيدة:
لما بلغ السيدة زبيدة معاناة سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام من قلة المياه، أمرت ببناء بركة بمكة وجلبت إليها مياه عين من داخل حرم مكة ، إلا أن ماءها كان قليلاً ولم يف باحتياجات السكان، وحينئذٍ أمرت زبيدة جماعة من المهندسين، بإجراء مياه عيون الحل إلى مكة على الرغم من أن الناس في ذلك الوقت قالوا لها إن مياه الحل لا تدخل الحرم، لأنها تمر بمرتفعات وجبال تمنعها، بيد أنها أصرت على عملها، وبعثت بأموال عظيمة لتحقق هدفها.
ويمكننا القول بأن أعمال زبيدة المعروفة بعين زبيدة لتوفير المياه من الحل قد أخذت طريقين، هما: عين حنين وعين عرفه.
أ- عين (حنين):
أتجه المهندسون والعمال إلى منطقة حنين التي اشترت زبيدة بساتينها، فأبطلوها وأنشأوا موضع ذلك سداً، لاجتماع السيول المغذية بمياهها لتلك المنطقة، ثم جلبوا مياه عيون تلك البساتين، عبر القنوات إلى مكة، وغذوا القناة بمجموعة من الروافد منها عين المشاش وعيوناً أخرى داخل حرم مكة، فضلاً عن اتخاذهم لمجموعة من البرك، التي تجمع مياه السيول، وتغذي بها قناة عين حنين .
ومما تجدر الإشارة إليه أن المهندسين والعمال واجهوا أثناء عملهم جبلاً منعهم من إيصال الماء إلى مكة، عند ثنية خل الواقعة على حدود حرم مكة بالقرب من أعلام نجد، لكن إصرار زبيدة على إنجاز مشروعها وما بذلته من أموال، ساعد على تخطي ذلك الأمر الصعب، وتم لها ما أرادت . وكلفها ذلك المشروع مبلغ مليون وسبعمائة ألف دينار ذهباً.
أما تاريخ السنة التي أنشئت فيها هذه الأعمال، فقد حددها لنا الأزرقي بعام 194ه/809م ، وأكد ذلك الفاكهي بقراءته لنقش كتابي كان على بركة زبيدة التي بالمعلاة نصه: « بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وصلى الله على محمد عبده ورسوله بركة من الله مما أمرت به أم جعفر بنت أبي الفضل جعفر ابن أمير المؤمنين المنصور – رضى الله عن أمير المؤمنين – بإجراء هذه العيون سقاية لحجاج بيت الله وأهل حرمه، طلب ثواب الله وقُربة إليه على يدي ياسر خادمها ومولاها سنة – 194 – أربع وتسعين ومائية.
ب – عين (عرفه):
أشار المؤرخ قطب الدين النهروالي (ت990ه) ومن أتي بعده من المؤرخين المعاصرين ، إلى أن من أعمال السيدة زبيدة لخدمة حجاج بين الله الحرام، إجراء مياه
عين نعمان في قناة إلى جبل الرحمة بعرفة ثم من هناك إلى جبل خلف المأزمين، ثم منه إلى مزدلفة، ثم تسير القناة إلى أن تصل إلى جبل خلف منى، فتصب عند ذلك في بئر عظيمة مطوية تسمى بئر زبيدة .
وعلى الرغم من أن مصادر تاريخ مكة، مثل كتاب (أخبار مكة) لأبي الوليد الأزرقي، وكتاب (أخبار مكة) لأبي عبدالله محمد بن اسحاق الفاكهي، وكتاب (شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) لتقي الدين الفاسي، وكتاب (اتحاف الورى بأخبار أم القرى) لعمر بن فهند، وكتب التاريخ العام مثل كتاب (تاريخ الأمم والملوك) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وكتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي لم تشر إلى أن زبيدة أجرت مياه عين عرفة من وادي نعمان إلى بئر زبيدة الواقعة بالعزيزية اليوم، إلا أنه وردت اشارة في كتاب (العقد الثمين) للفاسي هذا نصها: (زبيدة بنت أبي الفضل جعفر بن أبي جعفر المنصور ... عظمت عنايتها بإجراء الماء إلى مكة ... ووجدت بخط بعض المؤرخين أنها اهتمت بحفر الأعين بعرفة ومنى ومكة). وهذا النص يجعلنا نرجح أن المؤرخ قطب الدين النهروالي، قد اعتمد في نقل أخبار عناية السيدة زبيدة بإجراء ماء نعمان إلى عرفة، ومنها إلى بئر زبيدة على مصادر تاريخية، لم استطع الوصول إليها.
وفي سنة 210 ه/825م ، لحظ أمير مكة صالح بن العباس، ما يعانيه بعض سكان مكة من مشقة في سبيل الحصول على الماء، من بركة زبيدة التي بالمعلاه، فكتب إلى أمير المؤمنين المأمون يستأذنه في حل هذه المشكلة، ببناء بعض البرك في مناطق مختلفة من البد وإيصال ماء بركة زبيدة إليها، كي يتمكن جميع السكان من الحصول على الماء من المواضع القريبة منهم .فصدر أمر المأمون بتنفيذ ذلك .
ولما بلغ ذلك الأمر زبيدة ، اغتمت نفسها لأنها تمنت أن تكون هي التي عملت ذلك، وحجت في سنة 211ه/826م، وقابلت أمير مكة في ذلك الوقت صالح بن العباس ولامته بقولها (هلا كتبت إلي حتى أسأل أمير المؤمنين أن يجعل ذلك إلي، فأقوم بالنفقة فيها كما أنفقت في البركة التي عملتها حتى أستتم ما نويت في أهل حرم الله) فاعتذر لها صالح من ذلك. ثم عملت بعض الأعمال العمارية في بركتها التي بالمعلاة .
ويظهر مما سبق أن المشروعات المعمارية التي نفذت ، كان لها أثرها الكبير في توفير المياه لسكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، إلا أنها كانت تتطلب متابعة دائمة لأعمال الصيانة وإعمار ما تخرب تستمر المياه في عطائها، وعلى هذا فقد حدث نقص في المياه وتوقف وصولها في سنتين عديدة عبر القرون الإسلامية منذ أن أتمت زبيدة مشروعها، وذلك لخراب القنوات أو قلة هطول الأمطار في سنين مختلفة مما تقل معه كمية مياه العين.
ونتتبع بإيجاز فيما يلي أعمال الصيانة والإصلاح والأعمار لعين زبيدة حتى عام 1342ه.
ففي سنة 228ه/842م حصل نقص كبير في كمية المياه بمكة إلى درجة أن بلغ ثمن راوية الماء أربعين درهماً ، علاوة على أن السيل الذي اجتاح مكة سنة 240ه/854م أدى إلى دمار بعض البرك وأثر على حياة السكان، فجرت أعمال إصلاح وعمارة سنة 241ه/855م ، كما عُمرت وأصلحت قنوات مياه عين زبيدة في سنة 246ه/ ، وسنة 594ه/1197م ، وسنة 625ه/1227م، وسنة 630ه/1232م وسنة 726ه/1325م ، وسنة 728ه/1327م وفي سنة 747ه/ 1346م اجتاحت مكة المكرمة سيول عظيمة، مما أدى إلى تهدم مواضع من قنوات عيني زبيدة ، وانقطعت المياه عن مكة المكرمة، فجرت أعمال معمارية عديدة لإصلاح ما تهدم وإيصال المياه إلى مكة المكرمة.
وفي آخر سنة 821ه/1418م انقطعت مياه العين عن مكة نتيجة للسيول التي دمرت قناتها فتم على إثرها إجراء أعمال لإصلاحها ، إلا أنه يظهر أن الحال لم يستمر على ذلك طويلاً حيث تطالعنا أخبار عن قلة المياه بمكة بعد ذلك بقليل،مما حفّز الحكام والأمراء وحتى التجار، إلى العناية بأمر توفير المياه لمكة، ففي سنة 831ه /1427م، عمّر شاهين العثماني بعض مواضع قنوات عين حنين، كما اهتم بذلك أيضاً الملك الأشرف صاحب مصر الذي بعث في ذي العقدة من السنة نفسها مبلغ خمسة ألاف أفلوري مع أمير المحمل المصرى، إلا أن العمارة والإصلاح بهذه الأموال لم يبدأ العمل بها
في نفس الشهر الذي وصلت فيه بل تأخرت إلى أول ربيع الثاني سنة 832ه/1428م.
وعلى الرغم من أعمال الإصلاح التي عملت في هذه السنة فإن مكة عانت الكثير من قلة المياه في سنة 834ه/ 1430م، فقد تم توفير الماء للحجاج في شهري شوال وذي القعدة من هذه السنة بملء البرك من مياه الآبار وقُدر ثمن رواية الماء في موسم حج تلك السنة بأشرفي واحد . مما نتج عنه قيام أحد التجار وهو الخواجا سراج الدين عمر بن محمد المزلق الدمشقي سنة 835ه/1431م باعباء عمارة عين حنين (زبيدة) وقنواتها إلى أن دخلت المياه مكة في شهر رمضان من العام المذكور، وقد كان تاثير ذلك كبيراً على سكان بلد الله الحرام والوافدين إليه، حيث عمّ النفع، وكثر الخير، لشدة احتياج الناس إلى الماء الذي وصف قبل إيصاله بالندرة .
ونظراً لانقطاع مياه عين عرفة (زبيدة) فقد أمر السلطان قايتباي سنة 875ه/1470م بعمارة قنواتها وبركها، ووصلت المياه إلى عرفة في يوم السبت ثاني عشر رجب من السنة المذكورة .
ومما يؤيد تاريخ هذه العمارة ونسبتها للسلطان قايتباى، نقشان كتبابيان ، نشر قراءة أحدهما إبراهيم رفعت، ومحمد أنور شكري الذي ضمن قراءته للنقش دراسة عنه ونشراً للوحتة ،ثم قام سعادة الأستاذ الدكتور محمد الفعر بدارسة النقشين ونشر لوحتيهما بإضافات علمية . والنقشين متطابقين في المعني حيث ورد بهما أن السلطان قايبتاي أمر الأميرين شاهين الجمالي وشقيقه سنقر الجمالي بعمارة عين عرفة سنة 875ه/1470م كما تم في هذه السنة أيضاً عمارة عين حنين.
وفي سنة 889ه/1484م توج السلطان قايتباي هذه الأعمال بإرسال مبلغ عشرة آلاف دينار، ومراسيم إلى أمير مكة، وقاضي قضاة الشافعي، والمحتسب،وكبار المسئولين في عمارة قناة عين عرفة سابقاً، للعمل على إجراء مياه هذه العين إلى داخل مكة، فتوجه مائة عامل إلى موقع العمل، وأعطى لكل منهم مبلغ ثلاثة دنانير أشرفيه، وذلك بناء على أمر السلطان قايتباي ، ونظرً لاختفاء القناة في بعض المواقع، فقد شكل ذلك صعوبة للعمال في عملهم . غير أنهم لم يتمكنوا من إيصال القناة إلى مكة كما سنشاهد ذلك من خلال أعمال العثمانيين بها.
وأشار عبدالعزيز بن فهد (ت 922ه/1516م) إلى جهود المسلمين التي بذلت في عصره نحو العناية بقنوات عين زبيدة.
واختتم ذكر جهود المسلمين في العناية بأمر جلب مياه العيون إلى مكة قبل العصر العثماني، بما عمله السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك بمصر، الذي أمر المعمار
خاير بك بالتوجه إلى مكة المشرفة بصحبة جماعة من البنائين والنجارين والمهندسين. لإصلاح قناة عين حنين سنة 915ه/1509م والبحث في إمكانية جلب مياه عين وادي مرّ والجموم والمضيق، وقد تمت أعمال العمارة في قناة عين حنين سنة 916ه/ 1510م، حتى جرت المياه وسعد الناس بذلك.
وفي بداية العصر العثماني بمكة المكرمة عاني سكان مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام مشقة عظيمة في سبيل الحصول على الماء، مما أدى إلى اهتمام السلطان سليمان القانوني سنة 931ه/1524م بإصلاح عين عرفة وعين حنين.
ولما عرضت تزايد مشكلة نقص المياه بمكة على السلطان سليمان القانوني، أصدر أمره بتدارك ذلك الأمر بأي وجه كان، وأمر بالبحث عن العيون، وكيفية إجراء مياهها إلى بلد الله الحرام، مما أدى إلى اجتماع عدد من أعيان مكة المشرفة مع قاضي البلد عبدالباقي ابن على المغربي،والأمير خير الدين خضر سنجق جدة، لتدارس أمر السلطان.
وبعد مشاورات اللجنة فيما بينها أجمع رأيهم على الآتي:
1- إن أغني العيون الموجودة في ذلك الوقت هي عين عرفة، وقد تجلى ذلك لهم بعد أن لحظوا قلة مياه عين حنين وانقطاعها في بعض السنين، بسبب قلة مياه الأمطار، على حين كانت عين عرفة مستمرة في عطائها.
2- إن قناة عين عرفة ، معروف مسارها من المنبع إلى بئر زبيدة ( تقع الآن في حديقة الطفل الواقعة بأول العزيزية).
3- إن هناك قناة مخفية تحت الأرض،تمتد من بئر زبيدة إلى داخل مكة، وذلك يحتاج إلى حفر التراب للكشف عنها وإصلاحها.
4- إن تكاليف إصلاح هذا الجزء المختفي تحت الأرض يقدر بثلاثين ألف دينار.
فلما عرض ذلك على السلطان في أوائل سنة تسع وستين وتسعمائة ، التمست أخته هانم سلطان منه أن يأذن لها في عمل هذا الخير، حيث كانت صاحبته الأولى زبيدة أم جعفر العباسية، فناسب أن تكون هي أيضاً صاحبة هذا الخير، فأذن لها في ذلك، وعلى هذا بدأ العمل في الإصلاح والعمارة لعين عرفه (زبيدة) واستمر لمدة عشر سنوات إلى أن تم إيصال مياه عين عرفة من بئر زبيدة (موقعها بحديقة الطفل بالعزيزية)مجاورة لمسجد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز إلى الأبطح (في موضع مبنى امارة منطقة مكة المكرمة الحالي) سنة 979ه/ 1571م وبذلك التقت لأول مرة في التاريخ مياه عين عرفة بمياه عين حنين.
وتتابعت أعال الإصلاح والعمارة إلى منتصف القرن الرابع عشر للهجرة/ العشرين للميلاد وكان من أبرز ذلك ، أعمال العمارة سنة 1025ه/1616م، وسنة 1122ه/1710م، وسنة 1124ه/1712 – 1125ه/1713م ، وسنة 1191ه/1777م ، وسنة 1205ه/1790م، وسنة 1208ه/1793ه، وسنة 1274ه/1857م وسنة 1296ه/1878م، وسنة 1322ه/1904م ، وسنة 1327ه/1909م
وفي عهد الملك عبدالعزيز (رحمه الله) ومنذ ضمه لمكة المكرمة إلى حكمه عام 1343ه بدأ عهداً جديداً من الأعمار والإصلاح لعين زبيدة وقنواتها وبركها والأسبلة والخزانات المرتبطة بها ، فازدادت كمية المياه عما كان سابقاً ن وظهر لأول مرة في التاريخ أن القناة التي أسست منذ أكثر من (1200) سنة غير قادرة على استيعاب كمية المياه الإضافية .
مما يعد تطوراً في تاريخ عين زبيدة ، وقد ظهرت آثاره بزيادة كميات المياه الواردة إلى مكة المكرمة لسقيا سكانها وحجاج بيت الله الحرام.
وقد أثبت ذلك بالوثائق والآدلة الأثرية في بحثي المرسوم (جهود الملك عبدالعزيز في إعمار عين عرفة) نشر بمجلة الداره .
ولاتزال قنوات المياه إلى اليوم شاهداً أثرياً على هذا الإنجاز الحضاري.
وصف عين زبيدة (حنين) ومسار قناتها:
تمتد قناة عين حنين (زبيدة) في الوقت الحاضر من الشرائع إلى الأبطح حيث تلتقي بمياه قناة عين عرفة، وترفدها مجموعة عيون هي: عين مشاش، وعين ميمون، وعين الزعفران، وعين البرود، وعين الطارقي ، وعين ثقبه ويمكن تتبع وصف منبع العين ومسار قناتها وروافدها بما يلي:
منبع العين:
أجمع العديد من المؤرخين والرحالة على أن منبع عين حنين كان يقع في ذيل جبل طاد، من جبال الثنية الواقعة في طريق الطائف، حيث كانت مياه العين قبل جلبها إلى مكة تصب في بستان يسمى حائط حنين ، وتعددت رواياتهم في تحديد موضعها من ذيل جبل طاد وبعده عن المسجد الحرام ، حيث ورد أنها تبعد عن مكة المكرمة بضعة عشر ميلاً وفي بعضها الآخر ثمانية عشر ميلا ، كما ذهب محمد لبيب البتنوني إلى أن بعدها عن عرفة من جهة الشمال الشرقي 35 كليو متراً، وجاء في وثيقة مؤرخة بعام 1125ه/1713م، أن منطقة الشريعة (الشرائع اليوم) مكان حايط حنين.
وبالبحث الميداني في الوقت الحاضر لا نجد آثار مياه منسابة في منطقة ذيل جيل طاد، إلا أنه ظهر من دراسة لموضع منبع العين أن المياه كانت تنسكب منه نسبة 1370ه/1950م، وكان يقع بالقرب من ذلك الموضع خرزة (فتحة على القناة للسقياة والصيانة) اندثرت الآن، وقد تأكد ذلك بمقابلة أجريت مع المجاورين للموقع من كبار السن سنة 1408ه/1988م، وتقدر المسافة بين هذه المنطقة وباب السلام أحد أبواب المسجد الحرام من الجهة الشمالية الشرقية، بنحو 40 كم .
وصف المناطق التي تمر عبرها قناة عين زبيدة (حنين):
ظهر من البحث الميداني عن شبكة قنوات عين حنين وروافدها أنه لا يرى منها على سطح الأرض إلا القليل، فضلاً عن بعض الخرزات التي على هذه القنوات، وقد أشار صلاح الحلوة ( الذي قام مع فريق علمي عام 1396ه/1976م بمسح درب زبيدة) إلى وجود بعض القنوات والخرزات القريبة من منطقة البرود، مما جعله يحار في أمرها حيث تساؤل عن علاقتها بدرب زبيدة كما أشار في موضع آخر إلى أنه لو مُدت هذه القناة، من المنطقة القريبة من البرود إلى مكة ، لكانت من أهم روافد المياه بها.
وعلى ضوء ذلك وبناءً على دراسات ميدانية فإن قناة الماء تتجه من منبعها بذيل جبل طاد، إلى جهة الغرب، حتى تصل إلى بستان يعرف اليوم ببستان ابن سليمان، ثم تتجه القناة من هذا الموضع إلى جهة الجنوب ثم الشمال الغربي وتستمر في طريقها إلى أن تصل إلى جبل أشفى فتلتقي في هذا الموضع بقناة تجمع مياه عيون مشاش، وميمون، والزعفران، ثم تستمر القناة
في طريقها جهة الشمال الغربي إلى أن تصل إلى جبل ستار(المجاهدين حديثاً) فتلتقي بمياه عين البرود، ثم تتجه القناة إلى الغرب إلى أن تصل إلى الأبطح بعد أن يرفدها قناة عين الطارقي، وقناة عين ثقبة.
روافد قناة عين زبيدة(حنين):
تتمثل في مجموعة عيون تصب مياهها في قناة عين حنين، لزيادة كمية المياه وهي كما يلي:
1- عين مشاش ، وعين ميمون ، وعين الزعفران، تقع في شمال شرق مكة في أودية مدرجة من ديار بني لحيان اليوم، حيث تغذي هذه العيون قناة في ذلك الموضع، وتتجه بعد ذلك إلى الغرب إلى أن تلتقي بقناة عين حنين عند جبل أشفى.
2- عين البرود ، وتقع في سهل البرود ، وتنتقل مياهها عبر قناة إلى جبل ستار (المجاهدين حديثاً) حيث تلتقي بمياه عين حنين وروافدها.
3- عين الطارقي، تقع في ذيل جبل الطارقي، وتنتقل المياه منها عبر قناة تتجه إلى الشمال الغربي إلى أن تصل بقناة عين حنين مقابل جبل الطارقي.
4- عين ثقبة، تقع في ذيل جبل ثقبة، تنتقل منها المياه عبر قناتين إلى أن تلتقي بقناة عين حنين، مقابل حبل ثقبة وأمام جبل حراء من الجهة الجنوبية الشرقية.
وصف عين زبيدة
(عرفة) ومسار قناتها:
منبع العين:
تباينت روايات المؤرخين في تحديد منبع عين عرفة، فورد أنها: (في وادي نعمان) وأنها بأرض حسان بوادي نعمان، كما ورد أن منبع العين من ذيل جبل كرا
وبمقارنة ذلك بما ورد في ثلاث وثائق حُدد بها موقع عين عرفة من خلال رسم كروكي للموقع، علاوة على الدراسة الميدانية، يظهر أن منبع العين يقع – حاليا – في وادي نعمان فيما يعرف بالعقم ، وتمثل آخر الخرزات الواقعة في ذلك الموضع منبع العين، وتأخذ من الخارج شكلاً دائرياً محيطة من الخارج 8.5م، وسمك الجدار 90 سم ولها فتحة مربعة الشكل طول ضلعها 90 سم للنزول إلى أسفل الخرزة، حيث يقع المنبع على عمق 34م عن مستوى سطح الأرض، أما صفة العين من داخل فقد وردت في وثيقة مؤرخة بعام 1305ه/1887م.
وصف المناطق التي تمد عبرها قناة عين زبيدة (عرفة):
أورد العديد من المؤرخين وصفاً لمسار القناة ابتداءً من منبعها بالعقم إلى منتهاها بمكة المكرمة، وانظراً لأهمية ذلك في الاستدلال على مواضع القناة في المناطق التي تختفي فيها تحت سطح الأرض ، سنورد أمثلة لذلك نتبعها بنتائج الدراسة الميدانية صورة واضحة في ذلك، فقد وصف قطب الديني النهروالي مسار القناة في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي كما يلي : أنها تنبع من ذيل حيث تنصب منه المياه « في قناة إلى موضع يقال له الأوجر من وادي نعمان، ويجرى منه إلى موضع بين جبلين شاهقين في علو أرض عرفات... ثم أديرت القناة بجبل الرحمة محل الوقوف الشريف ... وجعل منها الطرق إلى البرك التي في أرض عرفات ... ثم استمر عمل القناة إلى أن خرجت من أرض عرفات إلى خلف جبل من وراء المأزمين على يسار المار من عرفات ويقال له طريق ضَبّاب، ويسمى الآن عند أهل مكة المظلمة - بضم الميمي ثم ظاء معجمة ساكنة فلام مكسورة ثم ميم مفتوحة ثم هاء التأنيث - ، ثم تصل منها إلى مزدلفة، ثم تصل إلى جبل خلف منى في قبليها ثم تنصب إلى بئر عظيمة مطوية بأحجار كبيرة جداً تسمى بئر زبيدة موقعها بالعزيزية عند حديقة الطفل إليها ينتهي عمل هذه القناة « وقد كان هذا قبل أعمال العثمانين في مد هذه القناة من هنالك إلى الأبطح كي تلتقي بقناة عين حنين، وتسير مياههما معاً من هناك إلى داخل بعض أحياء مكة.
كما وصف السيد عبدالله الزواوي مسار القناة من منبعها من ذيل جبل كرا إلى الأبطح بقوله « منبعها ذيل جبل كرا وينصب (الماء) من ذيل جبل كرا في قناة إلى موضع يقال له الأوجر من وادي نعمان ويجري منه إلى موضع بين جبلين شاهقين في علو أرض عرفات فعملت فيها القنوات إلى أن جرى ماء وادي نعمان إلى أرض عرفة ثم أديرت القنوات بجبل الرحمة محل الموقف الشريف ... وجعل فيها الطريق إلى البرك التي في أرض عرفات فتمتلئ ماء يشرب منه الحجاج يوم عرفة، ثم استمر عمل القنوات متوجهاً إلى جهة الشام (الشمال) وهناك بازان اسمه فقير الذئب الأعلى والمساحة (المسافة) من جبل الرحمة إليه ألف وثلاثمائة وثمانية وسبعين متراً، وبعده بازان فقير الذئب الثاني والمساحة (المسافة) غليه أربعمائة وخمسة أمتار ثم ينعطف الدبل (أي القناة ) نحو المغرب (الغرب) داخلاً في وادي المغمس وينتهي إلى حوض البقر،والمساحة بينهما ألف وأربعمائة وعشرين متراً ... ومنه متوجهاً في باطن الجبل وهو الموضع المسمى بالحاضر ويقرب منها أراضٍ زراعية يقال لها الهمدانية، ثم يرجع منه يميناً إلى بازان الحقابة الذي على يسار الذاهب إلى عرفات، ثم يتوجه يميناً أيضاً إلى بازان المعترضة وبعده يتعلق الدبل (أي القناة) بسفح المأزمين على يسار القادمين من عرفات ويقال له طريق ضب وهو المعروف الآن بالقناطر، ثم يصل منها إلى مزدلفة، ثم يتوجه من مزدلفة مارا بوادي النار، وهناك بازان على رأس جبل على يسار الذاهب إلى مكة يقال له دقم الوبر، ومنه يكون الدبل متعلقاً في الجبل إلى المفجر وهناك ماكينة الوابور ... لإيصال الماء في ماسورة إلى بعض أمكنة بمنى يرد منها الحجاج، ثم يتوجه منحدراً خلف جبل منى إلى فتحات موازية لمدرج منى بجانبها مسجد وحوض لسقيا الدواب يسمى حوض البقر الثاني ومنه يكون الدبل تحت الأرض إلى بئر عظيمة ... تسمى بئر زبيدة إليها ينتهي عمل القناة « قبل العصر العثماني الذي تم فيه مد القناة من هناك إلى الأبطح لتلتقي بمياه عين حنين،ويسيران بعد اجتماعهما إلى داخل بعض أحياء مكة.
وبعد هذا العرض يمكن تتبع قناة عين عرفة من منبعها بالعقم إلى الأبطح بمكة المشرفة كما يلي:
تسير القناة تحت مستوى سطح الأرض في خطوط متعرجة من منبعها بالعقم متجهة إلى مكة المكرمة، فتمر بجبال ملحة وجبال الهادة العليا والهادة السفلى إلى أن تصل إلى منطقة المسار وهما جبلان في علو أرض عرفات ونظراً لطبيعة ارتفاع الأرض وانخفاضها، فإن القناة تظهر فوق مستوى سطح الأرض في بعض مناطق عرفة وعند سفح جبل الرحمة، حيث تدور القناة به من الجهات الشمالية والجنوبية والغربية، لتوفير الماء للحجاج وعابري السبيل.
وفي منطقة عرفة تتفرع من القناة عدة فروع التغذية صهاريج عرفة وفي نهاية جبل الرحمة تتجه القناة جهة الشمال حيث تختفي تحت سطح الأرض إلى أن تغذي بازان فقير الذئب الأعلى الذي كان موضعه يبعد عن جيل الرحمة بمقدار 1378م، حيث تتجه القناة منه إلى بازان فقير الذئب الثاني الذي كان موضعه يبعد عن الأول بمقدار 405م، ثم تنعطف القناة نحو الغرب تجاه وادي المغمس (عرنه) وتنتهي إلى حوض البقر على بعد 1420م من البازان الثاني. ومما هو جدير بالملاحظة أنه لا تظهر حالياً على سطح الأرض بتلك المنطقة إلا بعض الخرزات ثم تسير القناة إلى موضع يقال له الخاصرة ثم تتجه القناة إلى بازان الحقانة وقد كان يقع على يمين القادم من عرفات ثم تتجه يميناً إلى بازان المعترضة (الجديد) ثم يعود ظهور القناة على سطح الأرض عند سفح جبل المأزمين حيث تتجه جهة الجنوب طريق ضب وتسير القناة على قناطر عند منطقة العابدية، ثم تتجه القناة جهة الغرب وتختفي تحت سطح الأرض، وتسير تجاه الشمال الغربي ثم تتجه إلى جهة الجنوب الغربي فتمر مياهها عبر بازان مزدلفة ومنه تتجه نحو الغرب إلى أن تصل إلى جبل دقم الوبر،حيث تبدأ بالظهور على سطح الأرض متعلقة بسفح الجبل. وتتجه منه إلى المفجر سفح جبل ثبير حيث كان يقع في ذلك الموضع سابقاً آلة بخارية لرفع الماء إلى صهاريج بمنى.
وتسير القناة من سفح جبل ثبير ظاهرة فوق سطح الأرض إلى منطقة قريبة من مستشفى الأهلى بالعزيزية اليوم، ثم تختفي القناة تحت سطح الأرض متجهة إلى بئر زبيدة التي يشغل موقعها اليوم حديقة الطفل بالعزيزية.
ومن بئر زبيدة تتجه القناة قليلاً نحو الغرب ثم تعدل اتجاهها نحو الشمال حيث تخترق المنطقة الصخرية التي تم تكسيرها ومد القناة بها عام 979ه/1571م، وتتجه القناة من بئر زبيدة إلى الأبطح حيث يوجد خرزة تجتمع فيها مياه عين عرفة بمياه عين حنين، وأثناء سير القناة من بئر زبيدة إلى الأبطح تمر ببازان يمسى بازان الجن ويعرف موقعه اليوم بالقرب من عمارة أكرم مندورة التي كانت تشغلها سابقاً المحكمة الشرعية الكبرى بمكة. ثم تتجه القناة إلى جهة الششة حيث كانت تغذي بازان القاضي ثم تنعطف منه القناة جهة الشمال الغربي حيث تصب في خرزة بالأبطح وتلتقي بقناة عين حنين في موضع مبنى أمارة منطقة مكة المكرمة حالياً، ومن هذا تسير القناة لتغذية مناهل المياه داخل أحياء مكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.