شهدت العاصمة التونسية أمس تظاهرات للاحتجاج ضد ما يُسمى «العنف السياسي» الذي استفحل في تونس في المدة الأخيرة. ودعا كل من الحزب الجمهوري وحزب المسار الاجتماعي وحركة نداء تونس (ترويكا المعارضة) بالإضافة إلى الجبهة الشعبية (وهي تحالف لليسار والقوميين) إلى مسيرة سلمية للتنديد بالعنف السياسي والمطالبة بحل لجان حماية الثورة التي يتهمها المعارضون بالوقوف وراء العنف. ورفع المتظاهرون الذين قُدّر عددهم بالآلاف في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة التونسية شعارات تندد بالعنف السياسي الذي يطال الفنانين والسياسيين والصحافيين بالإضافة إلى شعارات تطالب باستقالة وزير الداخلية وتشدد على حياد المؤسسة الأمنية إزاء التجاذبات السياسية، وشعارات أخرى تطالب بضرورة حل لجان ورابطات حماية الثورة. كما انطلقت في الشارع نفسه وفي الوقت نفسه تظاهرة لأنصار الحكومة ترفع شعارات مناهضة للمعارضة وتتضمن تأييداً للحكومة ولحركة النهضة وللجان حماية الثورة. واضطرت قوات الأمن المتواجدة بكثافة في العاصمة إلى إقامة حواجز أمنية للفصل بين المجموعتين المتظاهرتين تجنباً لوقوع مشادات واشتباكات. وعرفت العاصمة التونسية انتشاراً أمنياً كثيفاً منذ ليلة أول من أمس تحسباً للتظاهرات التي تمت الدعوة إليها. وطوقت مختلف التشكيلات الأمنية ووحدات الجيش الوطني المؤسسات الرسمية والإدارات العمومية والمجمعات التجارية الكبرى في العاصمة والأحياء القريبة منها، كما تم تسييج وزارة الداخلية بالأسلاك الشائكة مع غلق كل الطرق المؤدية إلى الوزارة التي تقع في قلب العاصمة. وكانت تونس، منذ يوم الجمعة، تعيش على وقع حادثة مقتل لطفي نقض وهو أحد القيادات الجهوية لحركة نداء تونس (حزب أسسه رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي) في مدينة تطاوينبالجنوبالتونسي. ويتهم قياديون في حركة نداء تونس رابطة حماية الثورة بالاعتداء بالعنف على القيادي لطفي نقض مما تسبب في وفاته. وإثر الحادثة، طالبت أحزاب المعارضة وجمعيات من المجتمع المدني بضرورة حل لجان حماية الثورة. وقال عصام الشابي عضو المكتب السياسي للحزب الجمهوري المعارض إن هذه اللجان الثورية «تذكّرنا باللجان الشعبية التي استعملها نظام معمر القذافي في ليبيا من أجل ترهيب المواطنين والسطو على مقدراتهم وثرواتهم». واعتبر الشابي، في تصريح إلى «الحياة» أن «لجان حماية الثورة ليست إلا ذراعاً تابعة لحركة النهضة (تيار جماعة الإخوان المسلمين في تونس) تعادي من يعاديها وتوالي من يواليها». وحمّلت حركة نداء تونس وزارة الداخلية و «حركة النهضة وأتباعها» مسؤولية ما حصل للقيادي الراحل، داعية القوى الوطنية والديموقراطية والشعب التونسي إلى «اليقظة لحماية الثورة ومكاسب الجمهورية» المهددة من طرف ما توصف ب «قوى الردة الإرهابية». موأيد رئيس الحكومة الموقتة حمادي الجبالي، في تصريح إلى وكالة الأنباء التونسية، دعوات المعارضة إلى حل لجان حماية الثورة باعتبار أنها «تساهم في نشر التوتر والفتنة ومن شأنها أن تزيد في تعقيد الوضع السياسي في البلاد» بحسب قوله. في المقابل رفضت الرابطة الوطنية لحماية الثورة الدعوات المُطالِبة بحلها، واعتبر رئيسها محمد معالج أن «من يدعو إلى حل روابط حماية الثورة هم أزلام النظام السابق وأعداء الثورة الذين يخشون المحاسبة والتطهير». وشدد في تصريح إلى «الحياة» على أن الدور الذي تقوم به الرابطة يقتصر على «توعية الناس بالقيم الثورية والضغط على كل الحكومة وبقية المؤسسات من أجل تحقيق أهداف الثورة» يُذكر أن لجان حماية الثورة تشكلت إثر هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي في كانون الثاني (يناير) العام الماضي لتتحول بعد ذلك إلى رابطة وطنية لحماية الثورة تحت نظام قانون الجمعيات في حزيران (يونيو) هذه السنة. وأفادت وكالة «فرانس برس» أمس بأن قوات الأمن استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع وأطلقت الرصاص في الهواء لتفريق مئات من المتظاهرين حاصروا مديريتي الشرطة والحرس في مركز ولاية قابس (جنوب) التي تشهد منذ 17 الجاري احتجاجات اجتماعية. وذكرت أن نحو 800 شخص من سكان حي محمد علي بمعتمدية قابسالمدينة حاصروا مديريتي الشرطة والحرس الوطني طوال ساعتين لمطالبة السلطات بفتح تحقيق في «تجاوزات» لرجال أمن قالوا إنهم «أفرطوا» في استخدام القوة وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عند تعاملهم ليلة الأحد مع متظاهرين لم يلتزموا حظر التجول. وفرضت وزارة الداخلية منذ مساء الأحد وحتى أجل غير مسمى، حظر تجول يبدأ التاسعة مساء وينتهي الرابعة صباحاً (بالتوقيت المحلي) في معتمديات قابسالمدينة، وقابسالجنوبية، وقابسالغربية، وغنوش التابعة لولاية قابس. وطالب المحتجون وزير الداخلية علي العريض القيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، بالاعتذار لسكان محمد علي وبفتح تحقيق في «تجاوزات» أعوانه، رافضين قبول اعتذارات من مدير إقليم شرطة قابس. وقررت المندوبية الجهوية للتربية التابعة لوزارة التربية التونسية إغلاق المدارس وسط مدينة قابس تحسباً لاستمرار أعمال العنف.