لو وضعنا جانباً الجوهر المركزي الداخلي للمسألة السورية، المتمثل بنظام استبدادي يرفض مطالب شعبية محقة بالحرية والديموقراطية، فأنها – أي المسألة السورية- تشكل تقاطعاً استثنائياً لخطوط الانقسام الإقليمية الثلاثة الأشد حضوراً وخطورة في آن واحد. الصراع الفلسطيني، في ما خص علاقة النظام السوري بتحالفات محور «المقاومة»، وحقيقة الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل، من جهة. والانقسام الشيعي السني المتعمق في المنطقة، من حيث أدوار وطبائع النظام السوري الأصيلة وغير الخفية في هذا المنحى من جهة ثانية. وثالثاً، القضية الكردية، من حيث حضورها ضمن الجغرافيا السورية، وكذلك عبر تشابك النظام السوري مع أطراف كردية أخرى، كحزب العمال الكردستاني، وما يثيره ذلك من حساسية بالغة لكل من تركيا والعراق. المقصود هنا، أن الدول المركزية في الإقليم السياسي للشرق الأوسط، محفزة بالضرورة للانخراط والمساهمة، وإن من مواقع وبأشكال متباينة، في المسألة السورية وتفرعاتها. تلك الدول التي قسمها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في نظريته وكتابه الشهير «العمق الاستراتيجي» إلى مثلثين جغرافيين متداخلين. يتشكل «المثلث الواسع» من تركيا ومصر وإيران، بينما يتأسس الآخر «المثلث الداخلي» من إسرائيل وسورية والسعودية. وفي العلاقة بين المثلثين، حسب نظريته، فأن أي مسألة إقليمية حتى يكتب لها النجاح والعبور، فأن عضواً واحداً من كلا المثلثين، على الأقل، يجب أن يكون مؤيداً لها، وأن لا تلاقي الرفض والامتناع من قبل جميع الأعضاء الآخرين في المثلثين، مجتمعين. وهو شيء يعني استحالة تحقيق أي مسألة إقليمية، حتى لو انخرط فيها كل أعضاء المثلث الواسع مقابل ممانعة المثلث الداخلي بالمجمل، والعكس صحيح تماماً. أن تموضع المسألة السورية راهناً هو كالتالي: عضوان من المثلث الواسع، تركيا ومصر، يؤيدان بوضوح الثورة السورية وتحقيقها لمراميها، بينما يعيق ذلك العضو الثالث، إيران. التعقيد يتأسس في المثلث الداخلي للإقليم. فبينما تظهر المملكة العربية السعودية، في شكل جلي، كمساند لتحقيق المنتفضين السوريين تطلعاتهم، فأن إسرائيل تظهر في منطقة غير واضحة من ذلك، وإن كانت أقرب لكبح تلك التطلعات، سلوكاً وتخميناً. القوة الداخلية ل «سورية» يمكن تقسيمها، بشيء من التساوي، بين الطرفين، الثوار والنظام. والنتيجة الرقمية لذلك: عضوان في المثلث الإقليمي الواسع، وعضو ونصف من المثلث الداخلي، يؤيدان تطلعات الثورة السورية. بينما يعيق عضو في المثلث الواسع ونصف عضو في المثلث الداخلي، وعضو غير واضح الملامح، تلك التطلعات. بالمعايير تلك، فأن راهن الحالة السورية يمكن تصنيفه بمحددين واضحين: الأول استحالة العودة إلى ما قبل 15 آذار (مارس) 2011، فطرفان رئيسيان من المثلث الواسع، وطرف وأكثر من المثلث الداخلي، قطعوا مرحلة إمكانية العودة، سياسياً وأخلاقياً. بينما يبقى الطرفان الأخيران، في كل من المثلث الواسع والداخلي، غير حاسمين تماماً في موقفهما، إيران وإسرائيل، ويمكنهما الانخراط في أية تسوية، حال توافر شروط ومنح لهما في بعض الملفات الأخرى. سيكون من شأن عدد من «الحلحلات» الإقليمية الدفع نحو انفراج، عبر تحقيق تمايز واضح في ميزان القوى. فعودة تنشيط العلاقات السياسية التركية الإسرائيلية، وتشكل الدور التركي كضمان مديد للتيارات السياسية السورية المحافظة، قد يدفع الجانب الإسرائيلي لتغيير موقفه الغامض من المسألة السورية، وسيكون ذلك بالغ الفاعلية في التأثير في المواقف الدولية، وبالذات منها الموقف الأميركي، الذي ربما يشابه عملياً نظيره الإسرائيلي، من حيث درجة الغموض. كما أن تحولات في العلاقة الباردة السعودية الإيرانية، قد تدفع الجانب الإيراني إلى مزيد من الجدية في البحث عن مستقبل الأسد، مقابل الحفاظ على نوع من نفوذها، عبر بقاء جزء من قيادته وأجهزته الأمنية. وأخيراً يبقى الدور الأهم للنصف السوري الفاعل، فاستمرار سيطرته الميدانية على أجزاء متزايدة من الأراضي، والمزيد من عجز النظام في خوض معركة ميدانية مباشرة مع الثوار، وتحقيق مزيد من الألفة والوضوح بين القوى السياسية السورية المعارضة. كل ذلك، يمنحها الغلبة النسبية، التي ستشكل فرقاً واضحاً في ميزان القوى بين النظيرين حسب هذه النظرية. * كاتب سوري