طفت قضية وحدانية التمثيل الفلسطيني على السطح مجدداً، بعد ان ظلّت مستهدفة طيلة ما يقارب أربعة عقود، أي ما قبل منتصف العقد السابع من القرن الماضي، إثر قرار مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974، القاضي باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده. حينها اشتد أوار المعارك المريرة والطويلة بأشكال مختلفة مع الاطراف الاقليمية والدولية التي شعرت بسحب البساط من تحت أقدامها، ما أفقدها ورقة مهمة كانت توظّف بالنيابة عنها من أجل خدمة أجنداتها الخاصة في تحسين مواقعها الدولية أواستخدامها بالصراعات المزمنة بين الدول المختلفة البعيدة عن جوهر القضية الفلسطينية، فضلاً عن الغيظ الشديد الذي أصاب دوائر صنع القرار الاسرائيلي في الصميم، حيث اعتبر القرار الخطير بمثابة تهديد وجودي له، وبالتالي كرّس جلّ امكاناته السياسية والعسكرية والأمنية من خلال تجنيد حلفائه التقليديين وفي مقدمهم الادارة الأميركية والمنظمات النافذة للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، الساطع نجمها آنذاك بعد تجميع المزيد من عناصر القوة الذاتية، إذ استطاعت الاستحواذ على قلوب الفلسطينيين وعقولهم الذين ادركوا، للمرة الاولى منذ النكبة، وجود كيانية وهوية فلسطينية وطنية مستقلة يستظلّون بها ويتابعون كفاحهم الوطني العادل تحت رايتها، على رغم وجود أذرع سياسية وعسكرية أنشأها هذا النظام او ذاك، لكنها كانت مستوعبة في الإطار الوطني العام، ورافق ذلك الدعم اللامحدود من قوى حركات التحرر العربية الضلع الثالث لقوى الثورة العالمية. لم تنجح المحاولات المتواصلة لإنهاء المنظمة، سواء عن طريق الاجتياحات العسكرية المتتالية في لبنان، أو إيجاد البدائل لها عبر الحصار والضغوطات من كل حدب وصوب وفرض القيود عليها، فقد أظهرالشعب الفلسطيني وحدة موقف بشكل لم يسبق له مثيل دفاعاً عن مشروعه الوطني وعن قراره المستقل، وشكلت انتفاضة الحجارة الأولى خير رد على جرائم الاحتلال بعد الخروج من لبنان، واستماتة الاطراف الضالعة بالعدوان على مخيمات الشعب الفلسطيني لإنهاء منظمة التحرير ودفعها باتجاه التدجين والتبعية والوصاية. ان التطورات العربية اللاحقة خصوصاً انطلاق مؤتمر مدريد للتسوية السياسية الذي شاركت فيه الاطراف العربية برعاية أميريكية دق ناقوس الخطر حول مسألة التمثيل الفلسطيني حيث اقتصر دور المنظمة على توجيه الوفد الفلسطيني المفاوض عن بعد وليس بشكل مباشر ما دفع الجانب الفلسطيني الى اجراء مفاوضات سرية موازية شكلت المقدمات الموضوعية للوهن الذي أصاب الاطار الوطني العام الجامع، جراء توقيع اعلان المبادئ المفاجئ للجميع وما تبعه من تداعيات أدت الى انسحابات وتجميد عضوية وإرباك في الساحة الفلسطينية. غير ان موضوع التمثيل الفلسطيني لم يتمكن أحد من المساس به أي بمكانة المنظمة ودورها التاريخي. ان ما يجب التوقف عنده خلال المرحلة التي أعقبت تشكيل السلطة الفلسطينية هو حال الارتخاء المبنية على المبالغة بالتقدير للوصف اللاحق من ان عناصر الاستقلال الوطني أصبحت في متناول اليد، لذلك كان من الخطأ الفادح حشر مؤسسات المنظمة في عنق مؤسسات السلطة، الأمر الذي أفقدها استقلاليتها بكونها مرجعية وطنية لكل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. بعد مخاض عسير من المفاوضات التي توقفت عند حدود المرحلة الأولى في أيار(مايو) 1999 وفشل مفاوضات كامب ديفيد2، واندلعت اثرها الانتفاضة الثانية التي أدت الى اعادة احتلال مراكز المدن الفلسطينية واضعاف السلطة وتدمير مقراتها، الأمر الذي وضع الحالة الفلسطينية أمام تحديات جديدة تتمثل في اعادة بناء ما دمره الاحتلال وكذلك ترتيب البيت الداخلي واجراء حوار وطني شامل يضع استراتيجية وطنية في مواجهة المستجدات، لكن الامر استمر يراوح مكانه، ثم انطلق حوار القاهرة الاول عام 2003 ولم يفض الى شيء، وتكررت المحاولات ليتوصل الفرقاء خلالها الى اتفاق القاهرة عام 2005 الذي أجريت بموجبه الانتخابات التشريعية ولم تنفذ منه بقية البنود خصوصاً ما يتعلق بتطوير منظمة التحرير ومشاركة الجميع في أطرها ومؤسساتها، ومنذ ذلك الحين شهدت الساحة الفلسطينية أحداثاً دراماتيكية كان لها آثارها السلبية على مجمل الأداء الوطني وأضحت منظمة التحرير الكنز الثمين الذي يتطلع اليه اللاعبون الجدد لاستكمال مشروعهم العابر للحدود بعد سنوات من الجولات الحوارية كان آخرها توقيع الأطر القيادية الفلسطينية على اتفاق المصالحة في القاهرة وكذلك اتفاق الدوحة التنفيذي الذي رعاه أمير دولة قطرمن دون جدوى. أمام كل ذلك لا بد من وقفه نقدية لمجمل الأداء الوطني والشروع الفوري باتخاذ الاجراءات الكفيلة لاعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني على أساس ان المفاوضات فشلت فشلاً ذريعاً وان حكومات الاحتلال المتعاقبة ليست معنية بإيجاد أي حل عادل للقضية الفلسطينية استناداً الى القرارات الدولية ذات الصلة، وإعادة الملف الفلسطيني الى الأممالمتحدة بعد ان فقدت الولاياتالمتحدة صدقيتها وأهليتها لرعاية عملية التسوية بسبب انحيازها المطلق لإسرائيل. إن منظمة التحرير الفلسطينية هي آخر القلاع الحصينة، التي عمدها الشعب الفلسطيني بالتضحيات وهي تستحق كل الجهود من أجل الحفاظ عليها وتطويرها من خلال استنهاض عوامل القوة الكامنة لدى شعبنا في مواجهة كل المؤامرات، فمن هنا ستكون البداية والنهاية.