شهد العقدان ونصف عقد الماضيان موتاً بطيئاً لمنظمة التحرير الفلسطينية. المنظمة التي أنشئت في 1964 من قبل جامعة الدول العربية والتي تمت السيطرة عليها بعدئذ من الداخل من قبل حركات المقاومة (بقيادة فتح). نجحت في توحيد الفلسطينيين في الشتات. وباتت القوة الدافعة الرئيسة وراء إعادة إحياء الهوية الوطنية الفلسطينية خلال السعي إلى تحقيق التحرر الوطني. تضاءلت أهمية منظمة التحرير في عام 1993 عندما وقّع قائدها ورئيس لجنتها التنفيذية، ياسر عرفات، مذكرة تفاهم مع دولة إسرائيل. وبينما أصبحت السلطة الوطنية الفلسطينية نقطة محورية في النشاط السياسي الفلسطيني، لاحظ عدد قليل من الناس أن السلطة الوطنية خاضعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. حيث تؤكد كل وثيقة رسمية أنها وجميع وزاراتها ومؤسساتها جزء لا يتجزأ من منظمة التحرير الفلسطينية. إن سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على الأرض والناس والمال والسلاح جعل منها طرفاً أكثر أهمية من منظمة التحرير الفلسطينية المتناثرة والمشتتة. فبعد بيروتوتونس، لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية أكثر من عدد قليل من المكاتب هي عبارة عن سفارات فلسطينية. ومع شح المال، أصبحت رام الله المكان الذي يُبقي منظمة التحرير الفلسطينية على قيد الحياة أكثر من أي مكان آخر. إن ظهور الحركات الإسلامية، خصوصاً حماس، ورفض حماس للانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية جعل من مصطلح الممثل «الشرعي والوحيد» مصطلحاً فارغاً. وفي حين أن منظمة التحرير الفلسطينية تناضل من أجل الشرعية، فإن احتضانها لمصطلح «الوحيد» أصبح نكتة بعد أن فاز المرشحون المنتمون إلى الحركة الإسلامية بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني. وبينما كان المجلس الوطني الفلسطيني يعتبر تلقائياً كل المنتخبين البرلمانيين بحكم الواقع أعضاء في هذا البرلمان في المنفى، فإن شرعية منظمة التحرير الفلسطينية تبقى موضع شك في ظل عدم موافقة حماس على الانضمام. شمل اتفاق المصالحة بين الوطنيين الفلسطينيين والإسلاميين بنداً يدعو إلى إعادة تنشيط منظمة التحرير الفلسطينية لتكون أكثر تمثيلاً لجميع الفلسطينيين. وافقت حركة حماس التي عارضت منذ سنوات منظمة التحرير الفلسطينية، على الانضمام إلى الجهود المبذولة لإصلاح المنظمة. وقد أنتجت محادثات وراء الكواليس جرى معظمها في عمان وقادتها الأمانة العامة للمجلس الوطني الفلسطيني إلى نتائج إيجابية. وسترى منظمة تحرير فلسطينية جديدة النور قريباً بشرط أن تستمر المصالحة الحالية وأن تجرى الانتخابات في فلسطين. وللتأكد من أن انقسام غزة والضفة الغربية لا يشكل عقبة، وافق المهتمون أن تعتبر فلسطين (أي الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة) دائرة انتخابية واحدة. وبالتالي، فإن التمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني المقبل سيقوم على انتخابات داخل وخارج فلسطين مع استثناء واحد. إن الأردن، حيث يتم إعطاء الفلسطينيين والفلسطينيين اللاجئين الجنسية لن يشهد انتخابات ولكن سيتم الاتفاق على ممثلين استناداً لاتفاق داخلي لم يعلن عنه. إن عودة منظمة التحرير الفلسطينية سيكون لها انعكاسات سياسية على نطاق أوسع من ذلك بكثير. من المرجح، أن منظمة التحرير الفلسطينيةالجديدة سيكون مركزها خارج فلسطين في الوقت الحاضر. إن الشائعات التي تقول إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (الذي لم يشمل إعلانه عن عدم ترشيح نفسه لرئاسة السلطة الفلسطينية، عدم ترشحه لرئاسة منظمة التحرير الفلسطينية) يبحث عن منزل عائلي في حي عبدون الديبلوماسي في عمان، هذه الشائعات تميل إلى التأكيد أن المقر الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينيةالجديدة لن يكون في رام الله. وعلاوة على ذلك، فإن عودة منظمة التحرير الفلسطينية سوف تزيد بالتأكيد المطالب الفلسطينية قوة للحصول على حق العودة على الرغم من أن هذه المطالب لم تذهب بعيداً عن طاولة المفاوضات. إن وجود طرف إسلامي قوي في منظمة التحرير الفلسطينيةالجديدة يعني أيضاً أنه يمكنها الاستفادة من الزعماء الإسلاميين الجدد في تونس وليبيا ومصر وربما في دول عربية أخرى. مهما كانت التركيبة لمنظمة التحرير الفلسطينيةالجديدة فإن أحداً لا يتوقع أن تكون كما كانت المنظمة في السبعينات والثمانينات. إن عودة منظمة التحرير الفلسطينية، كقوة سياسية وليس عسكرية، يعني أن الفلسطينيين سيرغبون في ترجمة سلطة الشعوب المكتشفة حديثاً في العالم العربي لتعزيز التطلعات الفلسطينية. على الصعيد الدولي، فإن منظمة التحرير الفلسطينيةالجديدة سوف تستخدم دعمها الشعبي الجديد والمحلي والإقليمي والدولي لإحداث تغييرات حقيقية في السياسة مما يمهد الطريق لمفاوضات جادة بعيداً عن فرصة لالتقاط الصور والوعود غير الملزمة. ومثل هذا التغيير، سوف يحسن، بما لا يقبل الشك الموقف التفاوضي لمن سيكون مسؤولاً عن هذا الإنجاز. * كاتب فلسطيني