(1) نشأنا على تسمية العالم لنا ب «الشرق الأوسط»... ولا يعلم الكثير منا: لماذا نحن شرق ولماذا نحن أوسط في ذلك الشرق؟! وإذا كنا نحن الذين نقع في وسط خريطة العالم شرق فماذا تبقى للغرب كي يقتطعه من الخريطة؟ عندما توجه مراسل «وكالة أنباء الشرق الأوسط» إلى وزير الخارجية الإيراني، مؤخراً بسؤاله، ضمن مؤتمره الصحافي، علق الوزير الإيراني على مسمى الوكالة بقوله: الشرق الأوسط أم الغرب الأوسط؟ التساؤل الإيراني الماكر يمكن أن يحمل وجهين للتفسير: أحدهما التلميح إلى الموقف العربي من الأحداث الإيرانية المتوافق في مجمله مع الموقف الغربي، وهو التفسير الأقرب والأشهى لبعض وسائل الإعلام العربية. التفسير الثاني، وهو الأشهى لي!، هو حول إشكالية المسمى التي قد تعصف بها تحولات سياسية قادمة. لا أعرف متى بدأ العالم يسمينا (الشرق الأوسط) ولا من الذي جاء بالتسمية! لكن المؤكد أن التسمية جاءتنا من الغرب الأقصى. من توزيعات الخريطة العالمية السياسية: يبدو أن أميركا هي التي سمّت العالم كله الشرق وهي الغرب وحدها، أما وسط العالم فهو المحيط الأطلسي الذي يفصل بين الغرب (أميركا) والشرق (بقية العالم). ولأن كل ما على يمين أميركا في الخريطة هو شرق، فقد تمّ تقسيمه، تسهيلاً للطالب الأميركي في مادة الجغرافيا!، إلى شرق أقصى وشرق أوسط وشرق أدنى. ولو أن المسميات أطلقت على بقع العالم من دون نوازع وهيمنات سياسية لأصبحت الصين واليابان والهند وما جاورها هي الشرق (أقصى وأدنى)، وأصبحت أميركا وبعض أطراف أوروبا وأفريقيا المتاخمة للمحيط الأطلسي هي الغرب (أقصى وأدنى). وأصبحت الجزيرة العربية (بلاد العرب) بدولها المتاخمة لها شمالاًً وجنوباً هي (وسط العالم). هكذا تقول خريطة العالم التي لا يمكن تغييرها بحسب تحولات الهيمنة السياسية والعسكرية. ولو صح ذلك للمتنفذين في كل عصر لكانت أوروبا في القرون الماضية موضوعة في وسط خريطة العالم، وقذفت بلاد العرب عند الأطراف المتدلية من أميركا الجنوبية! أو لكانت أميركا الآن هي المهيمنة على وسط الخريطة، وبجوارها فقط دولة واحدة هي إسرائيل (الطفل المدلل)، أما بقية دول بلاد العرب فسيقوم رسّام الخريطة بإزالتها بالممحاة! خريطة الجغرافيا لا تتغير بتغير خريطة القوى، التي تتلاعب إذ ذاك بالمسميات فنصبح نحن (الشرق الأوسط) كما الآن. (2) إذا كانت تهديدات الهيمنة الصينية القادمة على العالم واقعية ووشيكة، فسيصبح مدرس الجغرافيا في الصين هو صاحب اليد الطولى في تسميات بقع العالم. وبما أن الصين هي شرق العالم فسيصبح كل ما بقي من خريطة العالم (غرب). وعندئذ ستصبح الهند والباكستان وإيران هي الغرب الأدنى، وستصبح أميركا هي الغرب الأقصى. وسنصبح نحن، بلاد العرب (الغرب الأوسط) بدلاً من الشرق الأوسط. في عصر الهيمنة الصينية، ستصبح لدينا «وكالة أنباء الغرب الأوسط» وصحيفة «الغرب الأوسط» و «طيران الغرب الأوسط». وعندما يتم أي تفجير إرهابي في أي مكان من العالم سيقال في نشرات الأخبار: (وقد اشتبه في شاب ذي ملامح غرب أوسطية شوهد قرب مكان التفجير)! أما قضية فلسطين فلن يتم تغيير مسمّاها إلى (قضية الغرب الأوسط)، بل ستبقى بمسمّى قضية الشرق الأوسط التي (نشرق) كل يوم بمرارتها في حلوقنا... ما لم يكن المبعوث الصيني للسلام أقل انحيازاً من المبعوث الأميركي للسلام. (3) إذا أصبح قرار العرب بيد العرب فلن نصبح الشرق الأوسط ولا الغرب الأوسط، بل العالم الأوسط. * كاتب سعودي