التحقيق الأصلي من أرشيف "الحياة" دور المغتربات الأوروبية في إنتاج «المجاهدين» وإرسالهم الى لبنان (2 من 2) ... روايات رومية لا تشبه روايات كوبنهاغن... وشيوخ «الجهاد» هناك بلا عناوين كوبنهاغن - فاطمة رضا الحياة 28-11-2011 يبلغ عدد المسلمين في الدنمارك حوالى 200 ألف من أصل عدد السكان الذي يناهز الخمسة ملايين ونصف مليون نسمة. ويعود تاريخ قدوم المسلمين إلى الستينات من القرن الفائت حين هاجرت مجموعات كبيرة من باكستان والمغرب العربي وتركيا إلى البلد الاسكندينافي، وفئة أخرى وصلت إلى الدنمارك مع فتح باب الهجرة أمام الدول العربية، في الثمانينات. ويرجع مراقبون الأمر إلى عدد من الأسباب منها ديموغرافية بسبب قلة عدد الدنماركيين، ومنها ما يندرج في إطار فتح باب هجرة الفلسطينيين من أجل تخفيف الضغوط عن إسرائيل، ويركز هؤلاء على ان الهجرة أمام الفلسطينيين إلى الدنمارك في أواسط الثمانينات كانت سهلة جداً، وفي التسعينات برز وصول مجموعات كبيرة من المهاجرين الأفغان ومن ثم العراقيين. فور الشروع بالكلام عن طبيعة العلاقة التي تجمع بين المسلمين والدولة في الدنمارك، يتولّد لديك شعور بأن هوة كبيرة تفصل بين الجانبين على رغم مرور سنوات طويلة على وجود هؤلاء على الأراضي الدنماركية. أبناء الجاليات المسلمة هناك في غالبيتهم يعيشون على حساب الدولة، على رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة على وجود بعضهم على الأراضي الدنماركية، إلاّ أن هؤلاء لم ينخرطوا في سوق العمل. قلّة منهم وهم من «الجيل الشاب»، يسعون للتعلم والعمل بهدف الانخراط الجدي في الحياة هناك، من دون أن يعني ذلك «التخلي عن العادات والتقاليد والدين الإسلامي بالدرجة الأولى». وفي وقت يعتبر المتعلمون والمتخرجون من اختصاصات جامعية، بين العرب والمسلمين قلة، فإن شريحة كبرى من هؤلاء تختار المهن الحرة من خلال العمل كسائقين أو عمّال صيانة... وتجد فئة من المسلمين أو «الإسلاميين»، حرية كبيرة في موطنها الاسكندينافي في التعبير عن الرأي وممارسة معتقداتها الدينية من دون أدنى مضايقات، إلاّ أن ذلك لا يحول دون الكلام عن الإحساس ب «الدونية» و «العنصرية» في المجتمع الدنماركي. وإذا كان تجمع المسلمين في الدنمارك مرّ في مراحل فإن علاقتهم مع الحكومة سلكت طريقاً مشابهاً مع اختلاف السنوات. ويجمع المسلمون في كوبنهاغن على أنه حتى نهاية التسعينات لم تكن هناك مشكلات تذكر في العلاقة مع الدولة، وإن «كان الدنماركيون لا يحبذون من شعره أسود أو سحنته سمراء». المرحلة المغايرة بدأت مع وصول حكومة يمينية جديدة عام 2001 إلى سدة الحكم، وبدئها وضع قوانين جديدة و «صارمة» في حق اللاجئين، ما أدى إلى تنامي الشعور ب «التمييز» عند هؤلاء من دون الوقوع في إشكالات بارزة. ثم جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لترسم خريطة جديدة، تمتاز خطوطها ب «التشدد» مع المسلمين، ومع هذه المرحلة بدأت عملية المراقبة عن كثب لبعض الجماعات والمساجد، إلاّ أن ذلك لم يتسبب مطلقاً في الحد من حركة المسلمين، ويرى البعض أن الحكومة الدنماركية «تصرفت بدهاء، إذ أنها أبقت على حرية الحركة للجميع، ما يسهل لها القبض عليهم وتتبعهم في حال الاشتباه بأي عمل». وتبعتها قضية الرسوم الكاريكاتورية، ومحاولة شابين من أصل تونسي اغتيال من قام برسمها، ما وضع الحكومة الدنماركية أمام واقع، كان مستبعداً حتى وقت قريب، إذ أنها كانت تعتبر أن «لا خوف عليها، وأن هؤلاء إذا ما أرادوا التحرك، فسيكون في البلاد التي يتحدرون منها». ومع التشدد بالقوانين تماشياً مع دول الاتحاد الأوروبي والقوانين العالمية في مكافحة الإرهاب، من جهة، ومحاولة تحصين الداخل الدنماركي، أصدرت الحكومة الدنماركية مجموعة قوانين طرحت تساؤلات عن مدى التزام الحكومة بالحريات العامة، ومن أكثر القوانين إثارة للجدل، قانون يتيح للاستخبارات الدنماركية «ترحيل لاجئ»، وإن كان يحمل الجنسية الدنماركية، من دون إعطاء مبرر لقرارها. كما أن تعديلاً طاول قوانين الزواج وجمع الشمل إذ أن الحكومة أصدرت قراراً يقضي بعدم قدرة أي لاجئ على الزواج من خارج البلاد والمجيء بعائلته إلى الدنمارك، وبالتالي فإن هؤلاء يلجأون إلى السويد من أجل إتمام زواجهم، وهو ما يصنفه البعض سياسة غير مباشرة للحد من تواجد اللاجئين على الأراضي الدنماركية. تتعدد القوانين المتعلقة باللاجئين وبتنظيم علاقتهم مع الدولة، وتتشعب، إلاّ أنها باتت أكثر تعقيداً في المرحلة الجديدة، في ظلّ إحساس المسلمين أنهم «مستهدفون» وأن مؤامرة تحاك ضدهم، في حين أن تؤكد الحكومة أنها قوانين تضمن سلامة الجميع وحريتهم على حدّ سواء. وتحوّل هاجس المؤامرة ضد المسلمين والعرب، إلى اتهام الحكومة بالتضييق عليهم من خلال منع مرور السيارات في شارع «نوريبروغاد» (وهو معروف بأنه شارع «عربي»)، في الوقت الذي يؤكد مسلمون يوصفون ب «المنفتحين»، أن قرار الحكومة نابع من حرصها على الحد من زحمة السير والتلوث، فقررت تحويل الشارع إلى شارع مشاة. «المتشدد» و «المنفتح» و «الأصولي» و «السلفي» تسميات نسبية في كوبنهاغن، ومن تجده الحكومة متشدداً وتوجه إليه تهماً بالتطرف، يراه آخرون، ممن يصنفون أنفسهم مدافعين عن الإسلام «متهاوناً في دينه». ويعتبر المسجد أو المصلى الذي يقصده المسلم، مؤشراً الى ميوله وأفكاره بالتالي تصنيفه. عناوين منازل خلّفها الموقوفون «الدنماركيون» في سجن رومية في لبنان، وراءهم في العاصمة الاسكندينافية كوبنهاغن. أسماء معارف، أرقام هواتف، وكلمة سر من وليد البستاني إلى شخص في الدنمارك «تسهّل فتح الباب أمام معلومات عن حياته هناك»، هي حصيلة مقابلة كل من البستاني وعلي إبراهيم ومحمود أسعد. في شارع فسيح وهادئ يبعد دقائق معدودة من وسط كوبنهاغن، تقع شقة وليد البستاني في مبنى حجري، موصد بباب أوتوماتيكي. محاولة السؤال عنه ليست سهلة، في ظلّ انعدام الحركة في الشارع، إلاّ من حفنة طلاب بينهم فتاة محجبة مرّت بصخب من أمام المبنى، قبل أن يعود الشارع إلى سكونه فور ولوجهم الشارع المحاذي. وخروج رجل آسيوي من المبنى لا يساعد كثيراً مع قوله انه لا يتقن الإنكليزية. الأسماء على «الانترفون»، لا تعطي مؤشراً على وجود شقة للبستاني في المبنى، كما أنها لا تحمل أي اسم عربي آخر. بعد دقائق، أفضت محاولات الضغط على كل أزرار «الانترفون» إلى نتيجة، صوت رجل مستعد للإجابة عن «سؤال» ولكن من دون «استقبال الزائر». أكد الرجل بلغة إنكليزية واضحة أن العنوان صحيح «ولكن وليد ليس هنا، لقد اختفى فجأة، منذ عام تقريباً». وبحسب الجار، فإن الشرطة الدنماركية سألت عن البستاني أكثر من مرة واقتحمت شقته في إحداها ولكنه لا يعلم السبب. ويؤكد أن معرفته به كانت سطحية، وأنه عند مداهمة الشرطة للمنزل اعتقد أن الأمر على علاقة بطفله، إذ ان وليد كان أخبره عن «مشكلات مع الحكومة الدنماركية، لأنها هددته بأن تأخذ منه طفله لأنه يعاني من مشكلات نفسية»، ويؤكد ان وليد كان رجلاً هادئاً، لا يزوره إلاّ بضعة شبان ومراهقين. وعلى بعد شارعين فقط، من شقة البستاني، وفي ما يشبه مجمعاً سكنياً كبيراً، تقع شقة علي إبراهيم. اسم الشاب اللبناني لا يزال على «الانترفون»، واسمان عربيان آخران. الأول لشخص عراقي، في الشقة المواجهة لشقة إبراهيم، ينفي أنه التقاه قبلاً أو يعرف أي معلومات عنه، ويؤكد أنه لم يمر على وجوده في الدنمارك إلاّ شهور معدودة. صوت باب يفتح من الطابق الثاني، من دون أن يظهر أي شخص، وعند الصعود درجات معدودة يظهر رجل أربعيني، بدا متردداً في الظهور. ولدى سؤاله عمّا إذا كان يتكلم الإنكليزية، أجاب باللغة العربية «سمعتك تتكلمين العربية». الرجل تركي الأصل، لم يرَ إبراهيم منذ فترة طويلة، «اعتقد أنه عاد إلى بلده، اعتقد أنه لبناني». الرجلان لم يسمعا شيئاً عن علي الذي لا يزال اسمه على باب شقته وصندوقه البريدي، ويؤكدان أن الشرطة الدنماركية لم تسأل عنه أو تحاول دخول شقته. تضارب معلومات «الوقف الاسكندينافي» أو مسجد «التوبة»، اسم يتكرر بين الأماكن التي يوجد فيها المسلمون في الدنمارك. وهو مسجد أكد الموقوفون الثلاثة، ترددهم إليه. وإن كان البستاني وأسعد ذكرا اسم مسجد «طيبة»، بصفته المسجد الأقرب إلى فكرهما. وفي «الوقف الاسكندينافي»، مرة أخرى، اسم علي إبراهيم لا «يُذكّر» أحداً بشيء، والجواب الأكثر ترداداً أنه قد يكون واحداً من مئات المصلّين الذين يتوافدون على «الوقف». وهو ما لا ينطبق على كل من أسعد والبستاني، إذ يؤكد رئيس القسم الإعلامي والسياسي في «الوقف»، بلال أسعد (لبناني من عكار)، أنهما «كانا يترددان على الوقف، منذ زمن بعيد لكنهما انقطعا عنه بعد أن باتت لهما توجهات «جهادية»، فانتقلا إلى مساجد أخرى يجدان أنها أقرب إلى فكرهما». كما يشير إلى أنه كانت لديهما «مشكلات عائلية لجهة تعدد الزوجات ولم يشعرا بالاستقرار». المسجد الذي انتقل إليه كل من البستاني ومحمود أسعد، هو مسجد «طيبة»، الذي يؤكد متابعون لشؤون الإسلاميين في الدنمارك، أن اختراقه من جانب الاستخبارات الدنماركية والمراقبة المشددة عليه دفعا بالمصلين فيه الى أن يتفرقوا إلى مساجد أخرى. والقيمون على «الوقف»، والذي يعد المسجد الأكبر في كوبنهاغن، يؤكدون أن المشرفين على مسجد «طيبة» هم أربعة شبان طيبين، إلاّ أن هذه الصبغة ألصقت بالمسجد جرّاء مواضيع صحافية «غير دقيقة»، وذلك بسبب «الثقة العمياء التي يوليها الدنماركيون لصحافتهم». ويرى هؤلاء أن «السلفية الجهادية» ليست بحاجة إلى مسجد أو مصلّى من أجل التسلل إلى الشبان، لأن من لديه «الاستعداد» يلجأ إلى الإنترنت ويوفر المعلومات التي يريدها ويتصل بالمجموعة التي يريد. ولكن فرضية التواصل عبر الإنترنت، لا تتعارض مع شبهات تدور حول أناس معينين ومنهم «أبو أحمد»، الذي يُقال إن لديه مجموعة شبان تحيط به، وذلك لما تلقاه أفكاره من صدى لديهم ومنها أنه «يحق للمسلم سرقة المحال الدنماركية، لأنها تعتبر غنائم حرب، إذ ان لا عقد بين الكفار (الدنماركيين) والمسلمين». وفي حين يرى بعض المشايخ في الدنمارك، أنه لا يمكن تصنيف هذا الأمر ظاهرة، وأن المساجد الدنماركية عصية على «تجنيد» أو زيادة «تشدد» المسلمين، فإن بعض من عرفوا البستاني في الدنمارك، يقولون إنه كان مؤمناً عند وصوله إلى الدنمارك، إلاّ أنه في منتصف التسعينات من القرن الماضي بدأ مرحلة جديداً من التشدد والتطرف. «كلمة السر» التي أرسلها البستاني إلى أحد الأشخاص في الدنمارك، لم تفتح الكثير من الأبواب، إذ يؤكد الأخير أنه عرفه في مرحلة سابقة لتشدده، ومن ثم قام البستاني بالابتعاد منه، إذ انه كان يعتبر أنه «متهاون في الدين». ويضيف أن البستاني أعطي حجماً أكبر بكثير مما يحتمل، إذ انه «صاحب ذكاء محدود، ولا يمكن أن يكون مخططاً لأي شيء». وعن بعض ما جاء على لسان البستاني من أنه من أنصار «القاعدة»، يقول: «أرى أن وليد تغير كثيراً، ولم يعد هو نفسه الذي عرفته». ويؤكد أن البستاني كان على صلة بمصطفى رمضان أو «أبو محمد اللبناني»، إذ انهما يتشاركان الفكر الجهادي، وإن كان «رمضان يسبق وليد بأشواط، وقد اختفى منذ مدة طويلة قبل أن نسمع أنه استشهد في العراق». السؤال عن موقوفي «فتح الإسلام الدنماركيين»، في البلد الذي أمضوا فيه ما يقارب 17 عاماً من حياتهم، ليس سهلاً. فالمغربي م.ش، الذي قال الموقوف محمود أسعد إنه يعرفه تماماً، وعلى رغم وعوده بالكلام في مقابلة شخصية وليس عبر الهاتف، «بقي مسافراً في هولندا»، لأسبوع على رغم تأكيده أنه سيعود بعد يومين من تاريخ المكالمة الأولى. ومن اللافت أن الشخص نفسه يملك معلومات عن «أبو أحمد»، لم يفشِ أياً منها، بما في ذلك اسم أو عنوان المسجد حيث يمكن أن يكون الأخير موجوداً بحجة «الكلام على الهاتف»، مشيراً إلى أن هاتفه مراقب. و «أبو أحمد»، كما يصفه البعض شاب ثلاثيني، لبناني أو لبناني - فلسطيني، يؤكد الكثيرون أنه لا يمكن أن يتكلم مع أحد، كما أنه يصعب الوصول إليه. ويستبعد بعض المسلمين أن يقود مجموعة أو يقوم بدعوة «مشبوهة»، ويعتبرونه من الذين اختاروا الطريق الخاطئ ليتعلموا الدين وباتوا ينقلونها بخطأ أكبر. وهم يقللون من أهمية حركته، معتبرين أنها تندرج في إطار «خالف تعرف». وقد اتهم أربعة شبان، أحدهم في ال 16 من عمره، بالتحضير لأعمال إرهابية عام 2005، ومن بين الأدلة على تورطهم التي أبرزتها المحكمة كانت علاقتهم ب «أبو أحمد». ويعتبر الكثيرون أن من أخطر ما تعانيه المساجد في الدنمارك وغيرها من الدول الأوروبية، الانجرار وراء شيخ ما «علّم نفسه بنفسه، وفهم الإسلام بطريقة مختلفة يميزها التطرف». ومن كوبنهاغن، روت شريكة حياة البستاني الأولى، المرحلة الأولى من هروبه من لبنان، حين ترك طرابلس إلى مخيم عين الحلوة، ومن بعدها ذهبا إلى اليونان عند أحد الأقارب ومن ثمّ إلى ليبيا حيث أقاما سنتين، إلى أن أمّن أحدهم لهما تأشيرة، فانتقلا إلى الدنمارك. وتؤكد طليقة البستاني في الدنمارك، وزوجته في لبنان أنه لم يطلقها شرعاً، وأنها «مصدومة لما وصل إليه وليد». فعلى رغم أنها عاصرت مرحلة تشدده الذي بدأ عام 1996 حين بدأ يمنعها من مشاهدة التلفزيون أو وضع صور في المنزل، ويطلب اليها ارتداء النقاب، إلاّ أنها تعتقد بأنه تمّ استغلاله لأنه كان لديه اندفاع دائم من أجل «المقاومة» في العراق وفي أفغانستان، لا سيما في المرحلة التي صادق فيها مصطفى رمضان. وعلى رغم أنها كانت ممنوعة من الظهور أمام الرجال، إلاّ أن اسم رمضان هو الوحيد الذي تذكره من أصدقائه. تتجنب الزوجة الأولى للبستاني الكلام مع الصحافة، «خوفاً على أولادها»، وهي موجودة في الدنمارك رغم إرادته إذ انه أرسلها إلى لبنان عام 2001 من «أجل تسجيل الأولاد في مدرسة شرعية»، ولكن بعد أن علمت بزواجه الثاني، أخذت أولادها الخمسة وعادت إلى الدنمارك، «كان يأتي لزيارتهم مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع ويمضي معهم ساعتين أو ثلاثاً»، وهو ما يتضارب مع ما قالته زوجته الثانية، التي تؤكد أنه كان يذهب يومياً لزيارتهم. معلومات متطابقة وأخرى متضاربة، وثالثة مكملة لروايات خرجت من لبنان، وأناس متعاونون، وآخرون يتساءلون عن الغاية من البحث في هذا الموضوع طالما أن للصحافة والصحافيين «موقفاً مسبقاً معادياً لهم، والتعامل معهم على أنهم مجرمون من دون الأخذ بالأسباب التي دفعت إلى ذلك»، وتحفظ من جانب آخرين على السماح بتصوير أو حضور صلاة الجمعة. إلاّ أنها تجمع على تصنيف وجود أسماء دول أوروبية بين «المصدِّرين لمجاهدين» في إطار عابر، وعدم اعتبارها «ظاهرة». ولكن يبقى «أبو أحمد» و «أبو سعود» ومن قبلهم «أبو محمد اللبناني» أسماء بارزة لا يمكن تجاهلها في هذا المجال. الدنمارك «لا تتدخل في التحقيقات» والاستخبارات «لا تعلّق» استعداد الموقوفين «الدنماركيين» الثلاثة في سجن رومية، لرواية قصصهم كان بهدف تحريكها على المستوى الدنماركي، ونقل بعض تساؤلاتهم الى المعنيين ومن أبرزها «لماذا تخلّت الدنمارك عنّا؟»، فضلاً عن اتهامهم الحكومة «بالعنصرية» تجاههم لأنهم «ذوو شعر أسود»، أي عرب. والتزاماً منها في تحسين علاقتها مع الشرق الأوسط، بعد قضية الرسوم الكاريكاتورية ترحب وزارة شؤون المغتربين في الدنمارك بالتعليق على مثل هذه «الاتهامات». ويؤكد السفير لارس ثيوزن، أن كل من له الحق في العيش على الأراضي الدنماركية، سواء كان يملك إقامة دائمة، كما هي حال وليد البستاني ومحمود أسعد، أو حاملاً للجنسية كعلي إبراهيم، يتم التعامل معهم على أنهم «مواطنون دنماركيون، وتقوم الوزارة في متابعة قضيتهم في الخارج، بصرف النظر عن التهم الموجهة إليهم». ويوضح أن الشرط الوحيد الذي يمنعهم من تقديم هذه المساعدة، هو رفض «السجين» نفسه هذا الأمر. ويضيف أن الوزارة تستعرض مع الحكومة التي تحتجز الموقوف، التهم الموجهة إليه، من دون التدخل في تفاصيل التحقيق أو الطلب منها إطلاق سراح سجين ما، معتبراً أن الحكومة الدنماركية لا يمكن أن تتدخل في سير تحقيق أو في الشؤون الداخلية لأي بلد. ويشرح أن الفرع المسؤول عن متابعة هذا الأمر في الخارجية، يقوم بزيارة السجناء في جميع أنحاء العالم بمعدل مرة كل ثلاثة أشهر. ويتم التركيز خلال الزيارات على وضع السجناء وإذا ما كانوا يتعرضون لانتهاك لحقوق الإنسان، وتأمين أدوية وحاجات أساسية لهم. مستطرداً: «لا نأمل أن يكون وضعهم، كما لو أنهم في السجون الدنماركية». ويوضح أن الحكومة الدنماركية لا يمكنها تمويل محامٍ من أجل الدفاع عن المتهمين بقضايا مختلفة حول العالم، ولكن يمكنها أن تؤمن له محامٍ إذا ما قام هو بدفع التكاليف. وعن قطع الرواتب الشهرية للموقوفين في لبنان، يقول ثيوزن أن هذا القرار من اختصاص وزارة المال، وهناك قرار بتوقف الحكومة الدنماركية عن إعطاء المساعدات الشهرية خلال مدة معينة، بعد ثلاثة أشهر أو أكثر من خروج المواطن من أراضيها، بصرف النظر ما إذا كان سجيناً أم لا، وتحديد المدة يرتبط بنوعية المساعدات التي ينالها الفرد أثناء إقامته في الدنمارك. ولا يرى مانعاً في عودة عائلات أي من الموقوفين أو المحكومين إلى الدنمارك في حال كانت لديهم إقامات شرعية، كما أن عودة هؤلاء للدنمارك غالباً ما تكون طبيعية وحتى لو تمت محاكمتهم في تهمة ما، ولكن يبقى القرار النهائي في ذلك لوزارة الداخلية والاستخبارات الدنماركية التي بات بإمكانها طلب ترحيل أي كان من دون محاكمة. ويرفض ثيوزن التعليق على أي من القضايا الثلاث، أو «التهمة» التي يوجهها علي إبراهيم بأن حكومة الدنمارك كانت وراء توقيفه في لبنان، معتبراً أنه لا بد من العودة إلى الاستخبارات الدنماركية في هذا المجال، التي أجابت عن هذا الأمر ب«لا تعليق»، عبر مكتبها الإعلامي. مساجد كوبنهاغن... وأئمتها لا يوجد قانون ينظم وجود المساجد في الدنمارك. والمسجد هناك لا يعني وجود قبة أو مئذنة، وإنما هو عبارة عن شقة واسعة، أو مبنى صغير تمّ تحويله من قبل بعض الشبان إلى مسجد أو مصلى. يعتبر مسجد «التوبة/ الوقف الاسكندنافي»، المسجد الأكبر والوحيد الذي يعمل كمؤسسة، ويضم حوالي 1000 عضو يدفعون اشتراكات شهرية تتراوح بين 20 و 50 دولاراً أميركياً. وعلى رغم أن «الوقف» لا يلبي تطلعات الكثير من الإسلاميين، إلاّ أن تسعة من أعضائه اتهموا ب «الخيانة العظمى» للدنمارك، بسبب «الاستنجاد في الخارج» في إطار الاعتراض على الرسوم الكاريكاتورية. ويقول القيمون عليه أنه يسعى لإعطاء الصورة الصحيحة عن المسلم. مسجد «طيبة» من أكثر المساجد شهرة في الدنمارك، لجهة إلصاق تهمة تواجد «متشددين» فيه، وبعد معلومات عن أن «أبو أحمد» كان يصلي في «طيبة» قبل أن «تخرقه» الاستخبارات الدنماركية. تتردد معلومات عن أنه يتواجد في مسجد «قباء»، وهو مسجد لم «يتعرف» أي من المسلمين إلى عنوانه، في ما عدا المغربي م.ش الذي قال أنه في منطقة «أمّا» ولكنه لا يعرف العنوان تحديداً وإنما يعرف كيفية الوصول إليه. مصطفى رمضان (أمير المجاميع) تحوّل إلى رمز من رموز البيئة «الجهادية» العراقية، بعد أن قتل في غارة أميركية على غرب بغداد في 17 أيلول (سبتمبر) 2004. مصطفى رمضان كان يُكنّى في لبنان ب «أبو الشهيد»، وخلال وجوده في الدنمارك ب «أمير المجاميع»، وعُرف ب «أبو محمد اللبناني»، بعد مقتله في العراق مع ابنه البكر «أبو سهيل» الذي لم يكن قد بلغ السادسة عشرة من عمره. هو بيروتي من اصل كردي تزوج من سيدة لبنانية من مجدل عنجر أواخر ثمانينات القرن الفائت وهاجرا إلى الدنمارك. يقول من عرف رمضان في الدنمارك أنه كان شاباً في الثلاثينات، وواحداً من المهاجرين القدامى، وأنه كان ملتزماً منذ البداية ويسعى إلى الاهتمام بالشباب «الجدد» وتنبيههم إلى ضرورة الحفاظ على دينهم وتقاليدهم. أب لخمسة أولاد، قتل أكبرهم معه في العراق، ويعيش الباقون مع أرملته التي تزوجت أخيراً. وتشير معلومات إلى أن «أبو محمد» الذي جند في الدنمارك كان قريباً من أصوليين أكراد، وان علاقته ب «أبي مصعب الزرقاوي» نشأت من خلال نشاطه مع جماعة «أنصار السنة» التي يتزعمها «الملا كريكار» المقيم في النروج. أهله يرفضون الكلام بعد «ما قاسوه» اثر مقتله. ولكن اسمه بات يتردد في كثير من الميادين لا سيما في صفوف أصحاب الفكر «السلفي الجهادي»، الذين «تتآكل» صدورهم الغيرة لأنه سبقهم إلى العراق، ويعتبرون أن أي محطة من حياتهم الحالية ما هي إلاّ خطوة للالتحاق بنهجه.