التحقيق الأصلي من أرشيف الحياة دور المغتربات الأوروبية في انتاج «المجاهدين» وارسالهم الى لبنان (1 من 2) ... سيَر ثلاثة موقوفين بتهمة «فتح الإسلام» بين كوبنهاغن وطرابلس وسجن رومية بيروت، كوبنهاغن - فاطمة رضا الحياة 8-11-2011 يشغل موضوع نشأة تنظيم «فتح الإسلام» حيزاً كبيراً من محاولة رصد كيفية تشكيل نواته الأساسية وبالتالي رسم صورة أكثر وضوحاً تبين نشأة هذه الجماعة وارتباطاتها الخارجية والإقليمية فضلاً عن أهدافها. ويشغل تمويل هذا التنظيم ورفده ب«المقاتلين» المهتمين كما تشير أوساط أمنية وسياسية لبنانية إذ أنه يعتبر مؤشراً الى ما إذا كان فرعاً من فروع تنظيم «القاعدة»، أم أنه واحد من تنظيمات تعتبر أوساط سياسية أن الاستخبارات السورية «فبركتها». وتقصي عمليات تجنيد محتملة تمت خارج الأراضي اللبنانية، مؤشر يصب في الإطار نفسه. جنسيات متعددة يتشكل منها هذا التنظيم، وإذا ما استثنينا تعداد الجنسيات العربية المختلفة التي أوقف متورطون منها بتهمة الانتماء إلى «فتح الإسلام»، نستطيع التماس دور لمجتمعات غربية في «تصدير المجاهدين» إليه وتغذيته عبر عرب مقيمين على أراضيها. ويُظهر استطلاع جدول الموقوفين والمحكومين، في سجن رومية بهذه القضية، أن السويدوألمانيا وأستراليا والدنمارك وغيرها تشكل بلاد شتات للكثير ممن انخرطوا في أنشطة «جهادية». ومن زياد الجراح اللبناني الذي شارك في هجمات 11 ايلول (سبتمبر)، وعاصم حمود الأستاذ الجامعي الذي درس في كندا واعتقل في لبنان، الى عشرات الأمثلة المشابهة التي تؤكد ان «القاعدة» تمكنت من تجنيد لبنانيين كثر في المغتربات الأوروبية، وصولاً إلى توقيف بعض المتهمين في قضية التخطيط لتفجير السفارة الإيطالية في بيروت. وأشير في حينه إلى أن أحد المتورطين في هذه القضية، سعودي، يدعى أبو عبد الله، من المحتمل أن يكون منسق تنظيم «القاعدة» بين الشرق الأوسط والخلايا المتطرفة في عدد من البلدان الأوروبية. وكان اتهم في الدنمارك وإيطاليا بنقل الأموال من المجموعات الموجودة هناك والمساهمة في إعداد «مجاهدين للمقاومة» في العراق. وارتبط اسم أبو عبدالله باسم إحدى الشخصيات الأساسية في تنظيم «القاعدة»، وأحد مساعدي أبو مصعب الزرقاوي، اللبناني - الكردي الأصل، مصطفى رمضان المعروف ب «أبو محمد اللبناني» والذي قتل في العراق مع ابنه محمد خلال معركة في منطقة أبو غريب غرب بغداد. ومن ألمانيا برز اسم الموقوف يوسف ديب، بتهمة محاولة تفجير قطارات وهو شقيق صدام ديب، الذي قتل خلال أحداث نهر البارد في إشتباكات منطقة «المئتين» في طرابلس. ومن بين الذين احيلوا على المحكمة العسكرية شخص من آل خزعل قريب لبلال خزعل، محكوم في استراليا بتهمة الانتماء الى تنظيم «ارهابي». ومن استراليا أُوقف أفراد من مجموعة نبيل رحيم، ومن بينهم المجنّس الاسترالي حسام الصباغ، والذي عاد إلى لبنان مفضلاً العمل كبائع فول في منطقة أبي سمرا في طرابلس، حيث اكتشفت استخبارات الجيش مخزناً للسلاح يعود الى هذه المجموعة ويملكه عمر حدبا وهو يحمل أيضاً الجنسية الأسترالية ويعمل كسائق تاكسي في لبنان. ويتم التحقيق مع بعض «المهاجرين» في كثير من الأحيان لمجرد «تورط» أحد أفراد عائلتهم أو الاشتباه في تورطه مع إحدى الجماعات «الارهابية»، وهو ما ينطبق على الفلسطيني الفار محمد عزام، إذ تم التحقيق مع اشقائه: عز الدين، المقيم في الدنمارك منذ ما يقارب خمسة عشر عاماً، وزكريا المهاجر إلى تركيا، ونبيه المقيم في المانيا، ومن ثمّ إخلاء سبيلهم. الدنمارك ترد اكثر من غيرها في التحقيقات كبلد يجري فيه «تجنيد لبنانيين وعرب في تنظيمات متشددة»، أو على الأقل تمهيد الطريق أمام «الفكر الجهادي لاستقطاب عدد كبير منهم». وإلى جانب تردد اسم مصطفى رمضان، والمعلومات التي تشير الى ان الأخير جُنّد في الدنمارك وجاء الى لبنان وانتقل منه الى العراق، ليقتل مع ابنه الذي لم يكن بلغ السادسة عشرة حينها، برز اسم الدنمارك مجدداً مع التوقيفات التي حصلت أثناء معارك نهر البارد وبعدها. ومن أبرز الموقوفين في هذه القضية وليد حسن البستاني، الذي كان تردد أنه قتل في معارك البارد، قبل أن يعتقل في منطقة الميناء، بعد بدء هذه المعارك. ومن الموقوفين أيضاً في سجن رومية، الفلسطيني محمود فياض أسعد، وهو يتشارك مع البستاني في حيازتهما إقامة دائمة على الأراضي الدنماركية، حيث أمضيا 17 عاماً مع «دنماركي» ثالث موقوف بالتهم ذاتها، وهو علي محمد إبراهيم ويحمل الجنسية الدنماركية. فمن أين تبدأ حكاية هؤلاء «الدنماركيين»؟ من سراي طرابلس أم من الميناء أم من مخيم البارد حيث تم توقيفهم؟ أم من ببنين وفنيدق ومخيم البارد من حيث يتحدرون؟ أم من القلمون والزاهرية والقبة حيث كانوا يسكنون؟ أم من الدنمارك حيث أمضوا سنوات طويلة من حياتهم؟ «الحياة» اعدت ملفاً يتضمن تحقيقات من بيروت وكوبنهاغن حول سيَر هؤلاء في محاولة لإستطلاع استعداداتهم للتجند في تنظيمات متطرفة، ودور مهاجرهم في صوغ ميولهم هذه.والحلقة الأولى من بيروت: الزيارة المرتقبة إلى الدنمارك من أجل الإضاءة على حياة الاغتراب التي عاشاها، قبل عودتهما إلى لبنان ومن ثمّ توقيفهما بتهمة الانتماء إلى تنظيم «فتح الإسلام» شكّلت سبباً رئيسياً في استعداد «الدنماركيين»، من أصل لبناني، لرواية حكايتهما من وراء القضبان، ما سهّل الطريق للكلام مع الموقوف الثالث من أصل فلسطيني. يتشارك الموقوفون الثلاثة، على اختلاف رواياتهم، المدة التي أمضوها في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، فضلاً عن أن تهمهم لا تنحصر بعلاقتهم بتنظيم «فتح الإسلام» فقط وإنما تتعداها إلى تهمتي انتمائهم إلى تنظيم «القاعدة» و «الإرهاب»، إذ يمكن «مواجهتهم» (زيارتهم في السجن) يومي الاثنين والجمعة، أما يوم الأربعاء فمخصص لمن تنحصر تهمتهم في الانتماء إلى «فتح الإسلام» وحده. وليد البستاني لا يتردد وليد البستاني في الكلام عن كيفية التحاقه بتنظيم «فتح الإسلام»، نظراً لقناعته التامة بأحقية قضيته «الجهادية». ولد عام 1964 في ببنين -عكار. والتحق في صفوف «حركة التوحيد الإسلامي» أيام الحرب قبل أن يهرب إلى ليبيا عام 1986، بعد خطف شقيقه على يد القوات السورية وإدراج اسمه على لائحة المطلوبين، ومن ثم هاجر إلى الدنمارك، حيث بقي هناك إلى ما بعد وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد. وإن كان البستاني يقول أنه تعرف إلى كل من إبراهيم وأسعد في سجن رومية، ولم يكن على معرفة شخصية بهما في العاصمة الدنماركية التي قطنوها طوال تلك السنوات، إلاّ إنه يؤكد صداقته المتينة مع مصطفى رمضان. ويُدرج علاقته به في كونهما ينتميان إلى الفكر «السلفي الجهادي»، الذي اكتسبه البستاني من شيخ يدعى «أبو سعود»، في مسجد «التوبة» في كوبنهاغن. ويوضح أن «السلفيين الجهاديين» يهدفون إلى محاربة القوات الأميركية في أفغانستان والعراق، الذي كان يأمل في الوصول إلى أراضيه من أجل «أداء واجبه»، إلاّ أن إدراج اسمه على لوائح المطلوبين في سورية، جعله يتريث في الالتحاق ب «المجاهدين»، وذلك بطلب من رمضان نفسه، ومقتل هذا الأخير أثّر سلباً على وصول البستاني إلى العراق. بعد عام 2002 بدأ البستاني بزيارات متقطعة إلى لبنان، «بهدف الاطمئنان على عائلته الجديدة»، أي زوجته الثانية التي اقترن بها في العام نفسه، عبر ذويه، وكان يسكن منزلهم، الذي يفصله شارع عريض وممر مجرى نهر جاف، عن منزل أهل شهاب القدور «أبو هريرة». وعام 2006 عاد للاستقرار في لبنان، وما لبث أن التحق بتنظيم «فتح الإسلام»، بعد أن لمس تقاطع مصلحته معهم وهي «الجهاد في بلاد الرافدين»، ومحاربة «عملاء سورية وإيران المتضامين مع المخطط الأميركي والمتمثل بالهلال الشيعي في المنطقة»، إضافة إلى «محاربة اليهود» و «الدفاع عن أهل السنة في لبنان». ولا ينفي البستاني تورطه مع «فتح الإسلام»، لافتاً إلى أنه لا يوجد خلف القضبان من «كان يتمشى في الشارع وأُلقي القبض عليه»، إلاّ أنه يعتبر أنه تمّ إلحاق الأذى به مرتين: الأولى في تضخيم الدور الذي نُسب إليه مؤكداً أنه لم يكن «قيادياً» في التنظيم. والثانية باتهام التنظيم بأنه يتحرك بطلب من السوريين، ويوضح أن حركتهم مرتبطة ب «القاعدة»، معتبراً أن هذه ليست تهمة إذ أن «القاعدة» تنظيم يحمل فكراً اسلامياً صحيحاً يهدف إلى «محاربة الاحتلال وكل من يتعرض لأهل السنة». ويأسف إلى ما آلت إليه الأمور جراء «التورط في معركة مع الجيش اللبناني»، مؤكداً أن تطورات هذه المرحلة كانت بسبب «اختراق التنظيم من قبل المخابرات السورية». يكرر البستاني ولاءه ل«القاعدة» ويعتبره أمراً مشرفاً على خلاف اتهامه بالانتماء إلى سورية «التي يُبغضها أكثرية اللبنانيين». هو أب لسبعة أولاد، خمسة من زواجه الأول، وطفلان من زواج ثانٍ. وتؤكد زوجته الثانية أن تحركاته خارج السجن كانت عادية، وأنه «استغل» بسبب طيبة قلبه. وتقول أن يومياته في لبنان مشابهة لما كان يقوم به في كوبنهاغن «يذهب إلى نادٍ رياضي ويعود بعد ساعات قليلة متعرقاً، يأخذ حماماً ويأكل ويمضي وقته مع أطفاله، وفي الدنمارك كان يومياً يقضي وقته من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة العاشرة والنصف عند أولاده من زواجه الأول». وتشير إلى أنها لا تعلم أي شيء عن أصدقائه، في البلدين إذ أنها «لا تنكشف على رجال»، فهي تحتجب في غرفتها إذا ما دخل زائر، «وهو أمر نادر». وتقول أنه كان يملك مسدساً، «اعتقد أنه مرخص، من أجل حمايتنا»، كان يغيره باستمرار، ولكنه تخلى عنه قبل أحداث البارد بفترة طويلة، وقبل ذلك قام «ببيع» كمبيوتره المحمول. وتروي أنهما «اضطرا إلى ترك منزلهما في مخيم البداوي، قبيل أحداث البارد، بعد أن تمّ توقيف زوجها ليوم واحد للتحقيق معه بسبب إثارته موضوع «بيان على الانترنت يكشف نوايا الشيعة في لبنان»، في المسجد. ولأن «المخابرات» انتشرت في المنطقة وكانت تقوم بحملة اعتقالات وتوقيفات، ترك البستاني منزله وعاد بعد أيام لينقل عائلته إلى شقة في منطقة القلمون، منع خلالها زوجته من الاتصال بأي كان، حتى بشقيقته التي تسكن المنطقة نفسها. «الشقة كانت فارغة إلاّ من بعض الأغطية والوسادات وجرة غاز موصولة على غاز صغير. والتزمت جزءاً منها لم أكن أخرج منه، وكنت اعلم أن هناك آخرين ولكن لم أعرف عددهم أو شكلهم ولكنهم لم يكونوا كثراً، إذ أن كمية الطبخ التي كنت أطهوها ليست كبيرة»، تقول أم رضوان. خروجها وطفليها «من أجل إحضار بعض الحاجيات»، حال دون ضبطها خلال مداهمة «شقة القلمون»، وذلك قبل يوم واحد على بداية معارك مخيم نهر البارد. ومن بعدها «اختفى وليد ولكنه كان يتصل كل أربعة أيام ليطمئن زوجته». ويقول عن هذه المرحلة بأنه اختبأ في الجبال، وكان يتابع الأخبار من بعيد «مندهشاً كيف تحولت المعركة ضد الجيش اللبناني». البستاني ينتظر «العفو العام»، لأنه «لم يؤذِ أحداً ولم يشارك في أحداث البارد»، وعندها «سأقوم بأخذ عائلتي والسفر مجدداً إلى الدنمارك»، لائماً الحكومة الدنماركية، التي يزوره ممثلون لها كل ثلاثة أشهر أو أكثر ويمدونه بدوائه إذ أنه مصاب «بانفصام الشخصية»، يقولها البستاني بكل هدوء. ويكمل: «لا بد من مراجعة دقيقة لما حصل، لمعرفة الخلل الذي أصاب التنظيم وسمح للمخابرات السورية باختراقه». محمود أسعد (أبو عمر) «انفتاح» وليد البستاني وعائلته على إظهار جميع المراحل التي مرّ بها قبل توقيفه لا ينطبق على «مواطنه الدنماركي»، من أصل فلسطيني محمود أسعد (أبو عمر). يقوم الأخير بالإجابة على الأسئلة بتحفظ شديد، بعد السؤال عن الغاية من وراء طرح كل منها. أبو عمر «بريء»، بحسب قوله، وهو متهم بالارهاب والانتماء إلى تنظيمي «القاعدة» و «فتح الإسلام»، فقط لأنه كان يقوم «بنقل أموال الزكاة من الدنمارك إلى لبنان». ولأنه «مغترب ولا يعرف طريق الفقراء الذين تجوز عليهم هذه الأموال، كان يسلمها إلى جاره في المخيم الحاج ناصر اسماعيل، الذي أوقف في ما بعد على أنه أحد قادة «فتح الاسلام» في المخيم». أبو عمر متزوج من ثلاث نساء فلسطينية وصومالية ولبنانية. تم القبض عليه بعد بدء أحداث مخيم البارد بأسبوعين، حين كان يخرج بواسطة سيارة إسعاف «من أجل التوجه إلى المطار للحاق بموعد رحلته»، وبعد سؤاله: «لماذا لا يزال داخل المخيم؟ و «عدم اقتناع الأجهزة الأمنية بأن لا مكان آخر لديه للجوء إليه»، تمّ توقيفه ولا يزال. «لا علاقات شخصية له داخل السجن، ولا يعرف أي تفاصيل عن «فتح الإسلام» أكثر مما يقال في نشرات الأخبار». ولكنه سمع داخل السجن من موقوفين ومحكومين في هذه القضية، لا سيما السوريين منهم أن الاعترافات التي بثّها التلفزيون السوري، «ملفقة بغالبيتها». إذ أن «زملاءه» في الزنزانة أشاروا إلى أن بعض من ظهروا على شاشة التلفزيون «معتقلون في السجون السورية منذ فترة طويلة يصل بعضها إلى عشر سنوات». علي ابراهيم (ديب) متحمس من أجل إبراز قضيته. متيقظ إلى كل كلمة، ومنظم لمعلوماته، يستعرض ما حصل معه بالتفاصيل الدقيقة. «قضيتي مختلفة عن الجميع هنا»، أنا لا أنتظر العفو العام لأني بريء». يتهم ابراهيم الحكومة الدنماركية في توريطه وتسليمه إلى السلطات اللبنانية. الوحيد من بين الموقوفين يحمل الجنسية الدنماركية ويدرس الآداب. يؤكد أنه عاد إلى لبنان للاستقرار مع عائلته، لأن البيئة الدنماركية ليست مثالية للأطفال من أجل أن يتربوا على العادات والتقاليد. يتردد الى الدنمارك من أجل المساعدات التي ينالها، كمواطن دنماركي لا يزال طالباً. حاول السفر في شباط (فبراير) 2007، إلاّ أنه «فوجئ بمنعه من السفر، تحت عنوان سري». أثار قضيته عبر السفارة الدنماركية وبعد أخذ وردّ اتصلت به القنصلية الدنماركية في لبنان وأبلغته ان بامكانه السفر لأن لا شيء يمنعه من ذلك. ابراهيم الذي كان يتحفظ بالتنقل بعد مقتل شقيقه صدام ديب في أحداث المئتين، توجه إلى سراي طرابلس برفقة والده «من أجل أن يحصل على جواز سفر بدل عن ضائع، كي يتمكن من السفر»، حيث تم القبض عليه. يقول: «الإعلام اللبناني نشر خبراً عاجلاً أني كنت هناك بدافع تفجير السراي، ولم ترد السفارة الدنماركية وتبرئني على رغم أنهم كانوا على علم بتحركي هذا». ويعتبر أن توقيفه تمّ بسبب شقيقه صدام، بالإضافة إلى شقيقه محمد الحاج ديب (24 سنة) الموقوف في ألمانيا بتهمة محاولة تفجير قطارات في 31 تموز (يوليو) 2006، كما يشير إلى إمكانية الالتباس بين لقبه «أبو عربي»، وآخر يحمل اللقب نفسه شارك في معركة الزاهرية، متسائلاً: «ألا يعادل وجود أحد أشقائي في الجيش وجود آخر مع فتح الإسلام؟»، في إشارة إلى شقيقيه الأول متقاعد من الجيش والآخر قتل في غارة إسرائيلية على موقع العبدة للجيش اللبناني. ويحتفظ بجميع التواريخ التي عرض خلالها الإعلام لقضيته ولا سيما تلك التي تؤكد انتهاك حقوق الإنسان في التوقيفات، لافتاً إلى أنه تمّ تعذيبه ووضعه في السجن الإفرادي. ويبدي استعداده إلى محاكمة علنية عبر التلفزيون الدنماركي من أجل إبراز قضيته «المحقة»، لا سيما وأنه «طوال فترة إقامته في كوبنهاغن لم يرتكب مخالفة واحدة تسيئ إلى مسيرته». ويقول بأنه كان يصلي في مسجد «التوبة» أو «الوقف الاسكندنافي» وهو «الأكثر اعتدالاً بين المساجد الأخرى»، مؤكداً أنه كان يصلي ويعود إلى منزله، ولا يختلط مع أي كان، لا سيما من كان يسمع «أن حولهم نقاط استفهام». يتهم علي الحكومة الدنماركية بممارسة «العنصرية تجاهه لأن شعره أسود»، ويحمّلها المسؤولية المعنوية عن كل ما يحصل له ولأطفاله الخمسة، بعد أن قطعت عنهم المعاش، مؤكداً أن حال عائلته إلى تدهور مع وجوده داخل السجن مع شقيقه الأصغر، وعدم قدرة والده على إعالتها. .. في «فان طرابلس - رومية» عشر نساء ورجلان وخمسة أطفال تجمعوا من مناطق مختلفة في طرابلس، برفقة سائق يقلّهم أسبوعياً إلى سجن رومية. المحطة الأولى في المحكمة العسكرية (بيروت) من أجل الحصول على إذن خاص لمواجهة الموقوفين من رجالهم وأبنائهم. ستائر سود تغطي نوافذ الحافلة تتماثل مع ما ترتديه النسوة، عدا إحداهن حجابها أحمر مزين بدبوس ذهبي. الخرق الذي يرتكبه لون حجابها، لا ينسحب على الأمور الأخرى التي تتشارك فيها والأخريات من ركاب الحافلة، فهي والدة طفل يرافقها لزيارة والده. أكثر من امرأة تشكو بأنها كانت عروساً جديدة، حين تمّ القبض على زوجها. ويحسب بعضهن مرور السنوات على أطفالهن الذين ولدوا أو كانوا بعمر الأيام حين أوقف والدهم. ومن بينهن فتاتان كانتا أعلنتا خطوبتهما قبل أيام من سجن «رجلي مستقبلهما»، وهما تنتظران منذ أكثر من سنة ونصف السنة خروجهما، ومستعدتان للانتظار طوال العمر لأن رجليهما «لم يرتكبا خطأ»، وتتساءلان ببساطة «هل أصبح الدفاع عن الدين خطأ يحاكم عليه المرء؟». كثيرات منهن يؤكدن أن رجالهن لم يمثلوا أمام القاضي إلاّ مرّات قليلة ولدقائق معدودة، ويعتبرن أن هذا «ظلم لا يمكن السكوت عنه»، ويطالبن بعفو عام يُخرج أزواجهن الذين لا تتعدى تهمهم إلا وشاية من «أن أحد المتورطين مع «فتح الإسلام» ذكر اسم أحدهم خلال التحقيق. أو آخر يبيع ملابس وأشياء «شرعية» وزبائنه من أفراد هذا التنظيم. وثالث اشترى أو باع هاتفاً خليوياً لأحد هؤلاء». تعرفت النسوة بعضهن على بعض خلال «الرحلات» إلى سجن رومية، وبتن صديقات، بعضهن تربطهن إلى جانب توقيف أزواجهن صلات عائلية. تلمع بعض العيون من تحت النقاب وتقول إحداهن «هذه هي رحلة العذاب إلى رومية»، فتعلو ضحكات من أفواه اختفت تحت «البرقع» الأسود. الوصول إلى الباب الخارجي لسجن رومية، يزيد الاكتظاظ في الحافلة، إذ تحاول كل سيدة اللحاق بمن اصطحبت من أطفالها، بعد توزيع الآخرين على الأصدقاء، وحمل الأكل وبعض الملابس والحاجات، التي جاءت بها إلى زوجها. هرج ومرج يطبع المرور على الحاجز الأول، الذي يسعى القيمون عليه الى التأكد من بطاقات الهوية والتصريحات المعطاة لأهالي الموقوفين. وهامش «التساهل» الذي يتمتع به أهالي المحكومين من «الاسلاميين» يعطي من تشبههن في الملبس فرصة العبور إلى مبنى السجن. تدخل النساء إلى نقطة التفتيش، حيث يتم تفتيشهن بدقة، وفي هذه النقطة لا يُسألن عن بطاقاتهن، وملاحظة «المفتشة»، للمرأة التي أمامها «أن وجهها غير مألوف»، تبقى عابرة لمجرد الظن بأنها تزور السجن في فترات متباعدة. ينطلقن بعدها في حافلة داخلية مقابل 500 ليرة للراكب، يصلن إلى باب مبنى الموقوفين، ما يسهل انتقالهن مع كل ما يحملن، وإن كان بعضهن يعتبر أن أجرة هذا الفان عبء إضافي، في ظلّ المصاريف الأسبوعية من أجل الوصول إلى رومية. الدخول من باب مبنى الموقوفين، يتطلب التسجيل في غرفة مجاورة، وإن كان جلوس رجل الأمن خلف مكتب يتدافع عليه العشرات، لا يعطيه فرصة التأكد من «تسجيل الجميع»، فإن مجرد حمل أكياس ثقيلة أو الركض وراء طفل لالتقاطه، يؤدي إلى عبور «سهل» للحاجز الثالث من دون التدقيق في بطاقات الهوية أو السؤال عن اسم المسجون أو صلة القرابة. وبعد دقائق، تتسارع فيها دقات القلب خوفاً من أن يطرأ أمر يفرض السؤال عن بطاقة الهوية، تصل إلى المكان المخصص للمواجهة. ويكفي أن تعرف «شكل» أهل الموقوف، كي تتعرف عليه ولا يبقى سوى أن يبدي استعداده للكلام بعد أن تكشف عن هويتك. فالمواجهة تتم من وراء الزجاج، وعبر هواتف داخلية «إنترفون»، بعضها معطّل وأخرى تصدر «خريراً» يعيق إجراء حديث طويل. وتخرج من حواف الأجهزة حشرات صغيرة، ليشعر المتكلم وأن الحشرات تشاركه مواجهة السجين. الزائرون يقفون ويفسح المجال واحدهم للآخر تماماً كما المساجين، الذين ينظمون تواليهم على الهواتف، ويشرف عليهم، «عميد المسجونين» وسيم عبدالمعطي، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في جريمة اغتيال الشيخ نزار الحلبي عام 1995. ساعات يمضيها الزوار وقوفاً، وفي حين يتحدث الكبار همساً، تعلو أصوات الأطفال، فتسمع طفلة تخبر والدها عن سوار ربحته في «السحبة»، أو طفلاً يشكو والدته التي تحرمه تناول الشوكولا بكثرة... قبيل الساعة الثالثة يبدأ الزوار في الانسحاب، ويخرج ركاب «فان طرابلس»، بانتظار أن يكتمل عددهم، يطلّ بعضهن حاملاً لوحات وأشغالاً يدوية من عمل الأزواج خلف القضبان. وتبدو الأعصاب مشحونة أكثر مما كانت عليه مع بداية النهار: مسنّات يعربن عن عدم قدرتهن على تحمّل المزيد، وتقوم إحداهن بتأنيب الأطفال في حركة استباقية لئلاّ يستمروا في المشاغبة التي طبعت رحلة الصباح. ومن بينهن من تشكو عدد «إخلاءات السبيل» التي تقدمت بها. زوجة وليد البستاني الثانية، التي كانت مكشوفة الوجه ،على رغم قولها في اللقاء الأول أنه اشترط أن تضع النقاب حين تقدّم لخطبتها، وأنها قبلت، تعود إلى الفان حاملة طلب إخلاء سبيل جديداً. وتحشر نفسها مع طفليها في مقعد على النافذة، بعد عطلة قسرية ليوم واحد، بسبب زيارة والدهما. وعند سؤال الطفل الأصغر (3 سنوات)، ماذا كان يفعل في الداخل، يجيب: «كنت عند البابا». ورداً على السؤال أين البابا؟، يقول: «في السفر»، ويخبئ عينه بيده، في إشارة إلى عدم رغبته في الاستمرار في الكلام.