«كن مهذباً مع أمك، الأرض» Be a gentleman with your mother, The earth، مقولة حكيمة تنسب إلى زعيم التبت الروحي «دالاي لاما». والأرض هي الأم الفعلية غير البيولوجية لجميع البشر، يقول تعالى: «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى»، وجعلت الشريعة السمحة إماطة الأذى إحدى شعب الإيمان. وقال صلوات الله وسلامه عليه «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»، دلالة على نظافة هذا الكوكب وطهره. تفاجأت حقيقة، وبعد عودتي من غربة خمسة أعوام شبه متواصلة بأنه لا أحد يحكي عن حقوق الأرض، ولا أحد يهتم بالأرض، ولا أحد ينافح ويدافع عن الأرض، ولا عن حقوق سكانها في العيش في بيئة نظيفة وخالية من التشويه والتدمير والأوساخ التي انتشرت بفعل الإنسان، وأنا المعتاد على هذه النقاشات خلال خمسة أعوام. فحين يقوم الناشطون في مجال البيئة في الغرب بتنظيم اللقاءات، ورفع الشعارات في المؤتمرات والتجمعات الكبرى، مطالبين بالحفاظ على الكوكب الأم، فلا أحد يهتم عندنا. وحين فرضت ضرائب الكربون على الشركات الكبرى في الغرب، هربت باستثماراتها إلى العالم النامي لتدمر بيئته كيفما تشاء. وفي حين توقع الاتفاقات، وتنظم المؤتمرات للحفاظ على الأرض وتقليل التلوث في العالم الغربي، اكتفينا نحن بالحضور والتوقيع صورياً، ولم يحرك ساكناً على أرض الواقع. وفي حين يمنع الغرب استخدام أكياس البلاستيك في البقالات والمحال التجارية، ويقوم الناس باستخدام أكياس القماش و«الخيش» أو البلاستيك المقوى الذي يعاد استخدامه لفترات طويلة، تحولت حياتنا هنا إلى بلاستيك في بلاستيك، ويتم تشجيع صناعة البلاستيك بشكل غير مسبوق، ويقدم لها «اللقيم» بأسعار رمزية، حتى أفسدت حياتنا وأرضنا. ففي كل شارع توجد مئات الأكياس المتطايرة في الهواء، وكل شجرة صغيرة أو كبيرة علق بها مئات الأكياس، وحتى الصحراء لم تسلم. فأكياس البلاستيك تملأ الأرض، وما لم يعلق منها بنبتة صغيرة، اندفن جزء منه وبقي الجزء الآخر ظاهراً وشاهداً على عدم اهتمامنا، وتساوى في عدم الاهتمام الرسمي والشعبي. ومن يريد تعليم أبنائه وأن يكون قدوة حسنة للآخرين في محافظته على البيئة فلن يستطيع، فلا حاويات مخصصة لفرز ما يمكن أن يعاد تدويره، ولا أحد يهتم أو يطالب، وأمانات المدن والبلديات آخر اهتماماتها كوكبنا الذي نعيش عليه. عموماً «لو خليت لخربت»، كما يقولون، والحمد لله فهناك ضوء في آخر النفق. فقد بدأ في مدينة جدة تنفيذ مشروع فرز النفايات من المصدر لجمع النفايات وإعاده تدويرها، وتم اختيار حي الفيحاء وحي مسرة كمرحلة أولى، على أن يعمم المشروع على كل الأحياء. وكل الشكر لأمين جدة الدكتور هاني أبو راس، الذي اعترف بأن مشاريع تدوير النفايات في المدن هي «الذهب المفقود»، بحسب صحيفة «الشرق». كما افتتح أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل أخيراً جامعة العلوم والتكنولوجيا التي أعلنت عن توجهها الأخضر والصديق للبيئة في كل أنشطتها، ونتمنى ان تكون قدوة لبقية الجامعات في هذا المسلك. اقتصادياً، كتبت الزميلة منى المنجومي تحقيقاً في هذه الصحيفة، آخر يوم من الشهر الماضي، قال فيه متخصصون إن المملكة تخسر 40 بليون ريال سنوياً بسبب عدم تدوير النفايات. وبحسب التحقيق أكد الاستشاري في معدات النظافة وتدوير النفايات المهندس محمد سلامة «أهمية تعاون المواطنين لفرز النفايات، خصوصاً المواد البلاستيكية والزجاجية وكذلك الحديد، إضافة إلى الكرتون والمواد العضوية». وأضاف: «كل مادة من تلك المواد يمكن إعادة تدويرها وإدخالها مجدداً في الصناعة بحسب نوعها، كما أن المواد العضوية يمكن استخدامها لإنتاج الأسمدة العضوية». ومن فمك يا مهندس محمد إلى آذان مسؤولي البلديات والأمانات، فقد تأخرنا كثيراً، وكل الخوف أن نتأخر أكثر- كعادتنا - حتى لا يمكن أن تجد شبراً نظيفاً تصلي فيه في مدننا وصحارينا الشاسعة. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. www.rubbian.com