«أريحا أولاً: خريطة الطريق الجديدة»، للفنانة الأردنية سماح حجاوي، كان أول نتاجات مشروع «مسارات أريحا» المتضمن نشاطات ثقافية وأعمالاً فنية لخمسة فنانين فلسطينيين وعرب وأجانب، كخطوة في اتجاه إطلاق النسخة الرابعة من معرض المدن تحت عنوان «أريحا الأقرب إلى الأرض... أبعد من السماء». وتقوم فكرة عمل حجاوي على العودة إلى المرجعية التاريخية «غزة أريحا أولاً»، كبداية لتأسيس السلطة الفلسطينية، إذ تقترح الفنانة الانطلاق في مسيرة من مدينة أريحا لطرح أفكار وحلول سياسية بديلة للمسألة الفلسطينية، ورسم خريطة طريق جديدة. كما يدعو عملها الناس إلى شرب الشاي، وأكل «البرازق» (حلوى بالسمسم)، والتأمل في فكرة اختفاء جغرافية فلسطين وأرضها، ومن ثم التفكير بمعنى الهوية الفلسطينية. كما تحضّ الفنانة على إعادة تخيل حل سياسي مختلف للقضية الفلسطينية، يخرج عن الإطار السائد لحل الدولة الواحدة أو الدولتين. أما مسيرة الألمانية سوزان بوش، بعنوان «عبور أريحا»، فهي عبارة عن مسيرة صامتة لثلاث ساعات في المشهد المعتم حول مدينة أريحا، بحيث تستكشف المسيرة الفراغ حول المدينة، كملتقى أدائي تجريبي. ويسعى المسار إلى طرح تساؤلات عن كيفية تغير وعينا لمشاهد أريحا ومعالمها الطبيعية، أو تلك التي من صنع الإنسان. في حين تختفي المشاهد الطبيعية الموسعة في الليل وتختفي العلاقة بين التلال القاحلة والمنحدرات والسماء والأفق. فعندما تظلم السماء قد تستمر العيون في الرؤية، لكن الحواس الأخرى هي التي تشتد، مثل الشعور بالجسد والشّم والسمع. فالصمت يحفز السمع لا القول، بحيث يرتكز على التأمل لا على عقلنة الأمور. يعتبر الاستكشاف وتأملات المشاركين المتعلقة بالمكان والفراغ بعد المسيرة الصامتة، جزءاً رئيساً من فكرة المسار الذي يستمر من غروب الشمس وحتى ساعة متقدّمة من الليل، كما يتضمن وجبة جماعية للمشاركين. وتحت عنوان «على حافة الحقيقة: واحات أريحا»، انطلقت مسيرة الفنان الفلسطيني إياد عيسى، لتتضمن البحث في مدينة أريحا كواحة ضمن السياق الجيوسياسي المحيط بها، إضافة إلى محاولة معرفة مدى تأثير البُعد الجغرافي للمدينة في حقائق جديدة معزولة مكانياً ضمن المدينة ذاتها. واستكشف المسار «الواحات» المختلفة في المدينة، مثل مشاريع التنمية الحضرية الحالية والتجمعات البدوية والمنتجعات السياحية والمواقع الأثرية ومعسكرات الأمن والنقاط الحدودية (كالاستراحة) ومخيمات اللاجئين والمواقع الدينية وغيرها. بحيث تُصاغ هذه «الهتروتوبيا» بعيداً من الفراغات العامة في المدينة، قوانينها وعاداتها وقيمها وصورها الخاصة عن مدينة أريحا. ويستطلع المسار المقترح هذه المساحات من خلال إعادة ربطها بالزمان والمكان، في اختبار مدته ثلاث ساعات لاستكشاف تمثيلات مدينة أريحا المختلفة في هذه الأماكن. وتحت عنوان «منطق الطير»، انطلقت البريطانية سارة بدينغتون التي أخذت المشاركين في مسيرة مدتها ثلاث ساعات، في وقت متقدّم من بعد الظهر، لمتابعة رحلة الطيور وهجرتها. واستلهمت فكرة المسار من المسرحية الإغريقية «الطيور» لارستوفانيس (414 ق م) ومن القصيدة الصوفية «منطق الطيور» لفريد الدين العطار (1177م). وكان فن الشعر والأداء، البوتقة التي قدمت من خلالها الفنانة تأملاً للمشهد الطبيعي وللارتباطات التاريخية والمعاصرة بين الأرض والسماء والزمان والمكان. ويلفت المسار الانتباه إلى الكائنات الحية المهددة بالانقراض والتنوع البيولوجي لمدينة أريحا ويسلط الضوء على الرحلة الفعلية والشعرية للطيور إلى جانب إطلاق الطائرات الورقية. إذ تقع فلسطين على واحدة من أهم طرق هجرة الطيور في العالم، مع أكثر من 500 مليون طائر يمر في فضائها مرتين في السنة على «الطريق» بين أفريقيا وأوروبا وآسيا. أما مسيرة الفنانة الفلسطينية شروق حرب، بعنوان «عندما تتكلم رحاب... قصة خيانة وبقاء»، فأثارت جدلاً واسعاً، تمحور حول إعادة سرد لقصة المرأة الكنعانية رحاب التي استضافت وخبأت جواسيس يوشع بشرط حفظ سلامتها وعائلتها من الإسرائيليين المحتلّين لمدينة لأريحا. وتعتبر قصة رحاب حدثاً مهماً في كتاب يوشع، إذ تسلط الضوء على كيفية اندراج مجموعة من الكنعانيين في الدين اليهودي. ومن خلال دراسة مكتشفات أثرية ظهرت حديثاً واستشارة خبراء الدين والفلسفة، فإن هذا المسار يلفت النظر إلى مأزق رحاب الأخلاقي والتاريخي والرمزي على حد سواء. ويقول يزيد عناني، القيّم على المعرض: «بعض الفنانين انحاز إلى تاريخ أريحا وإنتاجها المعماري، والبعض الآخر اتجه نحو الإنتاج الإنساني والثقافي، وهناك من تعامل مع طيور المدينة وحيواناتها وحشراتها، في حين تعامل آخرون مع الميثولوجيا، أو الأرض والماء والجيولوجيا والمشهد الطبيعي، وهناك من اهتم بحركة النجوم والحجب والقوى الفضائية وتأثيراتها في العلاقات الإنسانية، إضافة إلى مسار يسلط الضوء على ما يمكن تسميته «أريحا الآن». ويشارك في المعرض الفنانون الفلسطينيون إياد عيسى وشروق حرب، والبريطانية سارة بدينغتون، والأردنية سماح حجاوي، والألمانية سوزان بوش، ويعملون وفق مساراتهم المختلفة منذ نيسان (أبريل) الماضي، وكل بطريقته، على مستوى الرؤية، والتقنيات المستخدمة، وغير ذلك.