على شاشة في الهواء الطلق، تعتنق عمّان القديمة وآثار جبل القلعة خلفية لها. وفي صالة سينما في أكثر أحياء عمّان ازدهاراً، وفي ثلاث محافظات مختلفة، استمتع الجمهور الأردني بأربعة عشر فيلماً أوروبياً وفيلمين محليّين ضمن الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان الفيلم الأوروبي، وذلك على امتداد ثمانية أيام وما يزيد على الثلاثين ساعة عرض. المهرجان نظمته المفوضية الأوروبية بالتعاون مع الهيئة الملكيّة الأردنيّة للأفلام. وكان لافتاً أن هذه الدورة جاءت في ثيمتها مماشية لما تشهده المنطقة من تحوّلات وتقلّبات سياسية، فكانت «الانتقاليات» العامل المشترك الأصغر والأكبر في آن معاً في أفلام هذا العام، حيث سلّطت الضوء على حقب تاريخية مختلفة في أوروبا كان فيها الانتقال من نظام سياسي إلى آخر حيناً، وجسّدت تجارب شخصية معقدة عبر أبطالها نقاطاً مفصلية على أصعدة مختلفة حيناً آخر، تاركة للمشاهد استخلاص النتائج وتقييم المراحل والتحوّلات وتبعاتها على أرض الواقع في كل مرّة تستحيل فيها الشاشة الفضية سوداء مرصعة بأسماء أولئك الذين يحظون بقليل من الشهرة وكثير من التصفيق في نهاية كل عرض. الأيديولوجيا التي تفرق حفل الافتتاح برعاية الأميرة ريم العلي وحضور سفيرة بعثة الاتحاد الأوروبي يؤانا فرونيتسكا وممثلين عن السفارات الأوروبية المشاركة وعدد من ممثلي الفعاليات الثقافية ومحبّي السينما، جاء مرحاباً مضيافاً، تخلله إلقاء الكلمات الترحيبية والتعريف ببرنامج المهرجان، الذي تضمّن بالإضافة لعرض أربعة عشر فيلماً أوروبياً، عرض فيلمين لمخرجين أردنيين، وعقد ورشة عمل تتناول أحدث أنماط التسجيل الرقمي انتشاراً، الفيلم باستخدام الخلوي، بإدارة لجنة تحكيم مرموقة ضمّت الممثل المصري خالد أبو النجا والممثلة الأردنيّة صبا مبارك والناقدة السينمائية اللبنانية فيكي حبيب والمنتج والمخرج الأردني أصيل منصور. على إيقاع الموسيقى الشعبية المجرية، افتتح المهرجان عروضه مع الفيلم المجري «رقصت حتى الموت» للمخرج «أندري هيولز»، والذي تناول قصة أخوين تفرقهما الأيديولوجيات السياسة ويجمعهما شغفهما القوي تجاه الرقص، تماماً كشغف جمهور الهيئة الملكيّة الأردنيّة بالأفلام، والذي آثر متابعة الفيلم تحت زخات المطر الخفيفة حتى النهاية، على الرغم من أنّه كان ممكناً المنظمين اختيارُ فيلم آخر لعرض الافتتاح يحمل أبعاداً أعمق وأكثر جرأة في الطرح، لا سيّما أن المهرجان حمل في طياته للمشاهدين أفلاماً مثل «رحلة كارول» للمخرج الإسباني «إيمانول أوريبي»، الذي أخذ جمهور سينما الرينبو إلى الحرب الأهلية الإسبانية ليرافقوا «كارول» ذات الاثني عشر عاماً في ظل القصف وغياب الأب ووفاة الأم، والفيلم البولندي «الخميس الأسود» للمخرج «أنتوني كراوزي»، الحائز على خمس جوائز دولية والذي يعرض الأحداث المأسوية التي تلت تظاهرة عمالية في العام 1970 راح ضحيتها ثمانية عشرة شخصاً وجرح فيها المئات. الأفلام التي حملت طابعاً تجارياً يقترب من روح السينما الهوليوودية الرائجة عند العامة شهدت أكبر عدد من الحضور، فقد امتلأت صالة العرض لحضور فيلم «فندق ماري جولد الأكثر سحراً على الإطلاق» للمخرج «جون مادين» من بريطانيا والذي يضم كوكبة من النجوم العالميين، كما اضطر منظمو المهرجان لفتح صالة إضافية لاستقبال مشاهدي الفيلم الفرنسي الكوميدي «المنبوذون» لكل من «إريك توليدانو» و «أوليفييه نقاش» والمبني على قصة حقيقية بين مليونير مُقعد ومساعده ذي الخلفية الفقيرة والإجرامية. ولقد تلا عرض هذا الفيلم نقاش بين الحضور عن توظيف الفكاهة والصورة النمطية في هذا النوع من الأفلام وافتقار شخصياتها للوضوح من ناحية التركيبة النفسية على حساب ما من شأنه أن يضيف صراعات وإشكالات قد تبعد السواد الأعظم من قاصدي السينما عن شراء تذكرة لحضور الفيلم أو الترويج له. أفلام أخرى تم عرضها أتت من النمسا وإيطاليا وألمانيا وفنلندا وهولندا والسويد ورومانيا وجمهورية التشيك وبلجيكا فيما كان أربعة وخمسون مشاركاً في ورشة عمل تتناول موضوع أفلام الخلوي ينمّون مهاراتهم ويلتقطون أفلاماً في محافظاتهم الثلاث: إربد والزرقاء وسحاب، والتي تم عرضها في اليوم الختامي أمام لجنة التحكيم التي اختارات أفضل ثلاثة منها، وأثرَت المشاركين والحضور بنقاش تناول واقع السينما في ظل التغيّرات التي تشهدها المنطقة والربيع العربي. والحال أن الإنتاج السينمائي الأردني الآخذ بالازدياد في السنوات الماضية بدعم الهيئة الملكيّة الأردنيّة للأفلام، لقي ترحيباً لدى الجمهور المحلّي، ففيلم فادي ج. حداد «لمّا ضحكت موناليزا» استُقبل بكثير من الإقبال والقبول في محافظات المفرق ومادبا والعقبة، وفيلم «مدن ترانزيت» لمحمد الحشكي اختتم فعاليات المهرجان. مهرجان الفيلم الأوروبي وغيره من أسابيع السينما العالمية التي تقام في عمّان تعتبر لكثر الآن النافذة الوحيدة للولوج إلى عالم السينما العالمية، وهي للآن تنجح في إضافة المزيد كل عام مع إبقاء الباب مفتوحاً لمزيد من التطوير والتنويع.