يؤكد عدد كبير من مسيحيي سورية تمسكهم بجذورهم وبقائهم في أرضهم على رغم الأحداث الدامية التي تشهدها بلادهم منذ حوالى 19 شهراً، لكنهم متخوفون على مصيرهم في حال وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم ما قد يدفعهم إلى الهجرة. ويقول فادي (29 سنة) الذي يدير متجراً للتحف الشرقية في دمشق القديمة إن الشرق مهد المسيحية، مضيفاً: «كل الأزمات التي مرت على البلاد منذ ألفي عام لم تتمكن من مسحنا من الخريطة الوطنية»، والكنائس والأديرة «التي نمارس فيها طقوسنا وصلواتنا لا تزال قائمة» منذ مئات السنين. ويذكر فادي الذي عانى قطاع عمله من الأحداث غير المسبوقة التي تمر بها بلاده بعبارة للمسيح «واردة في الإنجيل وفيها في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم». ويرى فادي أن الوجود المسيحي في المنطقة مهم جداً «لاكتمال موزاييك البلد»، رافضاً هجرة المسيحيين و «صبغ البلد بلون واحد». وعلى رغم تأكيده على التمسك «بمهد المسيحية» مع أبناء طائفته لأنه «صاحب الأرض وليس ضيفاً عليها»، يستدرك فادي بأنه قد يضطر للهجرة موقتاً حتى انتهاء الأزمة لأنه لا يريد أن يصيبه مكروه «كشأن كل السوريين». ويشيد فادي مناشري (25 سنة)، الطالب سنة ثانية ماجستير صيدلة، بسورية البلد «الحاضن إيجابي» لكل الأديان، مؤكداً بقاءه في البلد، إلا إذا «تغير الوضع السياسي» وأصبح «غير مناسب»، ما قد يدفعه إلى السفر. ويقول سلوم (35 سنة)، وهو موظف في مكتب سياحي أقفل بسبب قلة المورد، إن المسيحيين، على رغم أنهم أقلية، هم «مثل الخميرة للعجين ومن دونهم لا يصلح الخبز». ويشكل المسيحيون نحو خمسة في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 23 مليون نسمة. لكن سلوم الذي يبحث عن عمل جديد يستدرك أنه قد يضطر «إلى الهجرة مرغماً في يوم ما»، مشيراً إلى تخوفه من «حكم إسلامي وليس من تغيير النظام». ولطالما عاش المسيحيون في اطمئنان في سورية حيث الغالبية سنية والحكم في أيدي الأقلية العلوية (10 في المئة) منذ أربعين عاماً. إلا أن كثيرين منهم يتخوفون من أن تفرز «الثورة» حكماً إسلامياً متطرفاً مناهضاً للحريات الدينية التي نعموا بها على مدى عقود طويلة على رغم انضمام أعداد منهم إلى المعارضة و «الحراك الثوري» خلال الأشهر الأخيرة خصوصاً. ويعبر إبراهيم حداد (53 سنة) عن تخوفه «من أن يحوّل دخول المتطرفين التكفيرين السلفيين البلد إلى مأساة»، مشيراً إلى أن السلفيين يختلفون عن المسلمين الذين «لا مشاكل بيننا وبينهم ونعيش معهم بمحبة وأخوة». في المقابل، يرى المطران لوقا الخوري المعاون البطريركي في مطرانية الروم الأورثوذكس أن «ليس هناك تخوف بمعنى التخوف في هذا الوقت»، مضيفاً: «عندما احتدت الأحداث وهجر المسيحيون من بيوتهم في بعض المناطق المسيحية، فان الشعب السوري كله تعرض للمخاطر وللعصابات المسلحة». وأضاف: «أن من حمل السلاح وأتى سورية لخرابها سيخرب سورية بكاملها ولا يميز بين كنيسة أو جامع». إلا أن جورج خ. (30 سنة) الذي يسكن في منطقة السليمانية في حلب ذات الغالبية المسيحية، يعبر عن اعتقاده بأن الثورة «صبغت باللون الإسلامي المتطرف، وتشهد على ذلك أسماء الكتائب المحاربة والمجاهدين الوافدين إلى البلد للجهاد في سورية». ويقول جورج لفرانس برس إنه يفكر حالياً في الانتقال إلى لبنان مع انتظار الفرصة المناسبة للمرور إلى دولة أوروبية، لأن «المستقبل بات ضبابياً»، على حد قوله. ويبدو أن المشهدين اللبناني إبان الحرب الأهلية (1975-1990) والعراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين والحرب الأميركية والأعمال الطائفية التي «دفعت إلى هجرة المسيحيين»، حاضران في أذهان العديد من مسيحيي سورية. يضاف إليهما تسلم الإخوان المسلمين الحكم في مصر بعد الإطاحة بحكم الرئيس حسني مبارك. وتعتبر فاديا (48 سنة) أن الاضطرابات التي يمر بها الشرق الأوسط والتغييرات التي حدثت «غير مطمئنة» على المدى البعيد. وتقول: «الفاتيكان لم يتمكن من حماية المسيحيين خلال الحرب اللبنانية ولم يتمكن من ذلك في العراق». وتتمنى المعلمة دعاء العمر (23 سنة) أن تكون هذه الأزمة «لفترة زمنية وتمر». وتطالب الدول التي «تعتقد أنها تقوم بدعم المسيحين» بأن «تشجع المسيحيين على البقاء في أرضهم بدلاً من تسهيل هجرتهم وأن ترسل لنا السلام». ويؤكد المطران لوقا الخوري على فكرة استهداف سورية بأكملها «بسبب الحرب الكونية على سورية، لا شك في أن هناك بعض الدول التي تريد تفريغ البلاد (من مسيحييها) وتريد الفتنة بين الشعب السوري»، مشيراً إلى أن هذا الأمر بدأ قبل الأزمة الحالية. ويوضح أن المسيحيين يجب أن يبقوا هنا «لأن قبر المسيح هنا وقيامته هنا وصلب هنا وتعذب هنا». ويؤكد الخوري وقوف المسيحيين في وجه التدخل الخارجي لحل الأزمة في سورية، لأن هذا التدخل «لن يرحم أحداً لا مسيحيين ولا مسلمين... وهو لم يرحم أحداً في ليبيا وفي العراق». ويضيف: «التدخل الخارجي هو لخراب البلاد نحن نرفضه سورياً ومسيحياً وإسلامياً».