قام النظام، سقط النظام! أنجز الرئيس، أخفق الرئيس! وبقي تلفزيون الدولة يمجد النظام، أي نظام ويُثني عليه! رياح الربيع العاتية التي خلعت رؤساء، وزلزلت أنظمة يمكنها أن تأتي على كل ما يعترض طريقها، بدءاً بالرموز الشعبية، مروراً بالقوى الوطنية، وانتهاء بالثوار أنفسهم الذين نفخوا في الرياح لتهب هباً أكيداً على دول في المنطقة. قدرة الأبواق الإعلامية على التلون بألوان الربيع الزاهية، وتحويل دفة الإشادة وفق اتجاه الرياح تعطيها مناعة تساعدها على البقاء. وقديماً قالوا إن البقاء للأقوى، ولكن حديثاً أكدوا أن البقاء للألين، أي الأكثر ليونة. بمعنى آخر، فإن النظريات الإعلامية الكلاسيكية التي تشير إلى أن المحطات التلفزيونية الرسمية لا تعني أنها ليست لسان حال النظام، أو بوقاً لرأسه، أو حتى ناطقاً باسم سياساته تتحطم اليوم على صخور الرياح الربيعية. وعلى رغم أن بعضهم يقول إنه ربما تهب رياح الربيع تدريجياً، فتبدأ بالرأس ومنه إلى أدوات النظام، ثم تأتي على أبواقه الإعلامية لتطهرها وتعيد ملكية المحتوى إلى الشعب، يشير واقع الحال إلى احتمالين. فإما أن رياح التطهير لم تأت بعد، وإما أنها لن تأتي أصلاً. لقد هتف الثوار حتى بُحت أصواتهم مطالبين بضرورة تطهير الإعلام. ورغم اختلاط الحابل بالنابل أحياناً، واختراق أصوات الراغبين في تحقيق مكاسب شخصية على حساب الثورة بها بين مطالب بزيادة مستحقات مالية لا يستحقها، أو راكب لثورة لم يقم بها، إلا أن الغالبية العظمى من الشعب تعلم أن رياح الربيع أو حتى نذره لم تقترب بعد من القائمين على أمر تلفزيون الدولة. ورغم هامش حرية الانتقاد والتحليل الذي يبدو متسعاً على أثير تلفزيون الدولة، فإن المسؤولين الجدد بدأوا في «ضرب المربوط» أملاً بأن يخاف «السايب». فالحديث الرسمي عن عدم وجود رقابة وارتفاع سقف التعبير يواكبه وضع قيود دقيقة للنقد، وانخفاض سقف الحرية ليناسب مقاسات جماعة وحزب واحد. قبل أسابيع قال وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود إن الانتقاد، وإن كان للرئيس، يرحب به، شرط أن يكون خالياً من التجريح وفي حدود الأدب. وضرب مثالاً ظهور محلل سياسي عبر إحدى القنوات ليصف رحلات الرئيس للخارج أنها بغرض الاستجداء. واعتبر الوزير كلمة «استجداء» غير لائقة! وقبل أيام أحال الوزير مخرج ومعدة ومذيعة برنامج صباحي على التحقيق لأن الضيف تجرأ وأهان الرئيس في إطار تحليله لوضع جماعة «الإخوان المسلمين» وإحكام قبضتهم على الدولة. ومن الطبيعي أن يتحسس كل من المذيع والمعد والمخرج بالإضافة إلى الضيف طريقهم في الاستوديو قبل أن ينبس أحدهم ببنت شفة خوفاً من كلمة هنا أو تعبير هناك قد يُصنف تحت بند الإهانة أو التجريح أو حتى عدم اللياقة. وانتظاراً لهبوب رياح ربيعية مطهرة، يستمر تلفزيون الدولة - رغم مقاومة بعض العاملين فيه - في دور بوق النظام.