خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وأحسن طريقة لدرء الانتقاد هي السخرية. قد يكون هذا صحيحاً في العلاقات بين طلاب المرحلة الثانوية، لكن أن تنتهجه جماعة سياسية، فهذا هو عين الخطأ. فبعد عقود طويلة من الصمت الإجباري، والتشويه التلفزيوني المتعمد لكل ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين التي كانت حتى 15 شهراً مضت لا يشار إليها إلا ب«المحظورة»، انفتحت الأبواب لتستضيف البرامج من تبتغيه من دون حاجة إلى الحصول على موافقات أمنية أو الانصياع لنصائح سياسية. لكنّ الخبرة المتراكمة من العمل في الخفاء منعاً للحبس أو الاعتقال جعلت الكوادر غير مهيأة، أو بالأحرى غير معتادة على تلقي النقد والتعامل معه. صحيح أن لدى كوادر الجماعة خبرة بالغة الثراء في التعامل مع جولات الهجوم الأمني وصولات الحرب السياسية، إلا أن التعامل مع هذه الهجمات في ظل نظام سياسي ديكتاتوري يكن العداء لها يختلف كل الاختلاف عن التعامل مع انتقاد الإعلام الشديد أو الخضوع لموجات سخرية لدى برامج تلفزيونية تخصصت في الانتقاد السياسي من بوابة الكوميديا. فمع «ثورة يناير»، دخلت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية «حزب الحرية والعدالة» مضمار السياسة، لكنّ فوزها بدور البطولة لم يضمن لها أداءً ناضجاً على الصعيد الإعلامي. فانتقادات البرامج التلفزيونية المتكررة للجماعة ورموزها وتصريحاتهم، حتى وإن اتسم بعضها بالمبالغة أو تصيد الأخطاء، لم تقابل بصدر رحب ولم تعامل بمهنية سياسية أو نضج العمل العام. أصيب رموز الجماعة وحزبها بصدمات قوية كلما انتقدت البرامج قراراً إخوانياً هنا، أو أداء برلمانياً هناك. وزاد الطين بلة أن قناة الجماعة التلفزيونية لم تصحُ بعد على طبيعة العمل التلفزيوني، بل تتعامل مع الشاشة باعتبارها مولوداً جديداً انضم حديثاً إلى عائلة الآلة الإعلامية الإخوانية التي تعمل من أجل مصلحة الجماعة وإعلاء كلمتها بغض النظر عن الأفراد. ولم تفرق بين الاتصال الشخصي، وهو أداتها التاريخية في التواصل والاتصال، وبين الظهور التلفزيوني عبر قناة متاحة للجميع، وليس فقط للإخوة والأخوات. وبالتالي تحولت شاشة الإخوان إلى بوق مرئي للمرشد ومكتب الإرشاد، ثم للحزب وأنشطته، وبعدهما لمرشح الإخوان. ليس هذا فقط، بل ظهرت نبرة استعلاء عدوانية تجاه كل ما عدا الإخوان من تيارات، فبدت شاشتهم وكأنها استنساخ لقنوات التلفزيون الرسمي المصري قبل الثورة، ولكن بمذيعات يرتدين الحجاب. وزاد الأمر سوءاً حين تفتق ذهن أحدهم عن مجاراة صرعة البرامج السياسية الساخرة، فظهرت الدعابة ثقيلة الظل موجهة ضد كل من تجرأ على انتقاد الجماعة. ولأن الدعابة، لا سيما في مجال السياسة، تعتمد على الذكاء والفطنة وتجنب المباشرة والسمو على التجريح المبني على غل شخصي، فقد قدمت قناة الجماعة نموذجاً يقف على طرف النقيض من ذلك، وكأنها تحمل على عنقها ثأراً لا بد من أخذه. هذا هو عين الخطأ.