من غرائب الإعلام المصري ما يحدث منذ اندلاع ثورة الشباب في كانون الثاني (يناير) 2011 إذ بدأ الاهتمام يتزايد في البداية بأسماء من تلك المنتمية إلى المعارضة الليبرالية واليسارية والقوى السياسية المشابهة، مع إتاحة الفرصة لبعض الأسماء من قيادات الشباب التي «لمعت» مع الثورة التي قادوها ليكونوا الضيوف الرئيسيين في تحليل الموقف السياسي المصري. وكانت المفاجأة بعد ذلك أن بعضهم انضم الى صفوف العاملين في عدد من الفضائيات المصرية. وظلت برامج «التوك شو» المصرية تتبادل أسماء معينة مع الاختفاء التدريجي لأخرى كانت متصدرة الظهور طوال السنوات الماضية في شكل شبه يومي. واللافت أن معظم الضيوف القدامى أصبحوا ممنوعين من الظهور في «العهود الجديدة» بل بات القسم الأكبر منهم محل نقد من الضيوف الجدد، يجاريهم في ذلك بعض الإعلاميين، ممارسين باندفاع ذلك النقد الشديد في شكل يضع علامات استفهام كثيرة على معظم الإعلاميين ومواقفهم قبل الثورة وبعدها. يغردون... ويتصدرون وإلى هذا كله بات من الأمور الأكثر لفتاً للنظر صعود المشايخ بلباسهم المميز وهو الجلباب الأبيض، إلى صدارة ضيوف الفضائيات. فبعد شهور قليلة على سقوط نظام مبارك واستحواذ التيارات الإسلامية على غالبية البرلمان المصري المنحل، بدا أن هناك نجوماً جدداً للشارع السياسي المصري يرغبهم الإعلام ولو اختلف معهم! ضيوف جدد لم يعتد سماعهم أو رؤيتهم إلا نادراً داخل المساجد أو من خلال محطات دينية ظهرت في السنوات الماضية أو قديماً من خلال سماع خطبهم ومواعظهم في شرائط كاسيت. في المقابل راح ظهور السياسيين من الليبراليين واليساريين والديموقراطيين الشباب يقلّ بالمقارنة مع تصاعد ظهور مشايخ السياسة الجدد. بل فوجئ المشاهدون ببعض من أفراد الجماعات الإسلامية التي كان يصفها الإعلام مسبقاً ب«الإرهابية» إذ اصبحوا ضيوفاً على معظم البرامج، يحاورهم الإعلاميون بترحاب شديد. وقد لا نكون هنا في حاجة إلى لفت النظر إلى أن معظم هؤلاء قد انتهزوا الفرصة لأخذ ثأرهم من النظام السابق وانتقاده بشدة ليلاً ونهاراً. أما بعض المشايخ فلم يكتف بهجومه على النظام السياسي السابق بل امتد ليطاول بعض الفنانين ومحاسبتهم على بعض أعمالهم الفنية وبأثر رجعي، في تهجمات وافتراءات كان لا بد لبعضها من الوصول إلى ساحة المحاكم للفصل فيها. تراشق اعلامي وكان من المنطقي لمثل هذا الأمر أن يفتح الباب أمام حالة جديدة من التراشق بين أطياف المجتمع من طريق الفضائيات وضيوفها الجدد الذين ظهروا برغبة عارمة لتوجيه اللوم والنقد لقوى سياسية واجتماعية وثقافية وفنية لا تهتم بآرائهم كثيراً. وأمام هذه الصورة التي باتت فاقعة لجديد الإعلام المصري بعد أكثر من عام ونصف العام مرّا على اندلاع ثورة كان يتوقّع لها أن تكون تنويرية وديموقراطية ها هي اليوم غالبية المجتمع المصري تتابع بدهشة، هذا السباق في التراشق الإعلامي بين التيارات الإسلامية وتيارات المجتمع الأخرى. ويلقي عدد كبير من المراقبين والمهتمين بالشأن التلفزيوني اللوم على الإعلام الذي يتعامل بعض منه مع الأمر بعيداً من الموضوعية ومن دون ضوابط... من دون ان ننسى الارقام الكبيرة التي يُحكى أن بعض القيادات الاخوانية يتقاضاها مقابل كل اطلالة تلفزيونية بعدما ظل هؤلاء لسنوات مستبعدين عن الشاشات الصغيرة في مصر. وفي انتظار القائمة الجديدة لضيوف ال «توك شو» يبدو ان المشهد التلفزيوني المصري لن يخلو من مفاجآت.