انطلق أمس «حوار وطني» في مصر دعا إليه رئيس الوزراء هشام قنديل وحضره وزير التخطيط والتعاون الدولي أشرف العربي وعدد من مسؤولي مجلس الوزراء وشخصيات عامة، فيما غاب عن الجلسة الأولى للحوار الذي انطلق بهدف احتواء الإضرابات والاعتصامات العمالية المتزايدة، أصحاب المظالم أو ممثلون عنهم. وبدا واضحاً أن جلسات الحوار لم يوضع لها جدول محدد، إذ تطرقت الجلسة الأولى إلى قضايا عدة منها الأوضاع السياسية والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، واقتصرت على سماع آراء المشاركين عن أهم المشاكل التي تواجهها البلاد وتوزيع دراسات عليهم تحوي أرقاماً تتناول أوجه الإنفاق العام. وهذا الحوار هو الثالث بعد «ثورة 25 يناير»، إذ كان الفريق أحمد شفيق رئيس آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك أطلق حواراً فور تنحي الأخير وتسلم المجلس العسكري الحكم في شباط (فبراير) 2011 في محاولة لمواجهة موجة الاحتجاجات التي كانت اندلعت ضده حينها، كما كرر خلفه عصام شرف الأمر وأطلق حواراً للتغلب على الاحتجاجات التي عمت البلاد بعد توليه المسؤولية، وحذا قنديل حذو سلفيه بعد أن انتشرت الاحتجاجات والاعتصامات وعمت قطاعات عدة مؤثرة مثل قطاعي الصحة والنقل، ما فاقم من معاناة المواطنين. وكان قنديل والعربي ومسؤولو مجلس الوزراء عقدوا الخميس الماضي جلسة بدت إجرائية لإعداد أجندة الحوار والمدعوين على طاولته وأهدافه. وغاب عن الجلسة الأولى للحوار رئيس الوزراء السابق مستشار الرئيس كمال الجنزوري الذي كان مدعواً إليها، كما انصرف قنديل عن الحوار قبل انتهاء الجلسة واعتذر عن عدم استكمالها بسبب استدعاء من مؤسسة الرئاسة. وقال قنديل في كلمته في الجلسة إن الهدف من الحوار «وضع خطة من جانب الشعب وليس الحكومة للتعامل مع القضايا الاقتصادية والمالية»، مؤكداً أن «الدولة تواجه تحديات مالية واقتصادية كبيرة». وأشار إلى «إساءة إدارة الموارد الطبيعية». وقال مسؤول في مجلس الوزراء ل «الحياة» إن «طاولة الحوار الوطني ستناقش كيفية مواجهة مشكلة البطالة ومعالجة الفقر وتحقيق العدالة والقضاء على الفجوة الاجتماعية بين فئات المجتمع المختلفة والتدابير التي سيتم اتخاذها لمواجهة عجز الموازنة العامة للدولة الذي يبلغ نحو 135 بليون جنيه وكذلك سبل تحقيق معدلات نمو عالية للاقتصاد المصري وتوزيعها في شكل عادل بين فئات المجتمع». وحضرت الجلسة شخصيات عامة وسياسية المعروفة، أبرزها رئيسا الوزراء السابقان عبدالعزيز حجازي وعلي لطفي والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى ونائب رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي والفقيه الدستوري أحمد كمال أبو المجد وأساتذة العلوم السياسية معتز بالله عبدالفتاح وعمرو حمزاوي ومنى مكرم عبيد ووزير الاتصالات السابق ماجد عثمان والقيادي في «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» زياد بهاء الدين والقيادي في حزب «الدستور» وزير الثقافة السابق عماد أبو غازي ونائب محافظ البنك المركزي رانيا المشاط ونقيب المعلمين أحمد الحلواني والقيادي في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، أحمد دياب، والقيادي في «الجماعة الإسلامية» طارق الزمر. وقال عمرو حمزاوي ل «الحياة» إن «اللقاء كان هدفه الأساسي شرح الموقف الاقتصادي والاجتماعي الراهن وعرض الموقف من الأزمة التي تعانيها البلاد في هذا الصدد، وكيفية تعامل الخطاب السياسي والإعلامي معها». وأوضح أنه أبدى عدداً من الملاحظات في شأن الحوار «منها ضرورة أن يشمل مختلف الفئات المجتمعية وألا يقتصر على النخبة مع وجود تصور مؤسسي للحوار، والإعلان ابتداء عن جهات المسؤولية في الدولة وتحديد رؤية متكاملة للإصلاح». ولفت إلى أن «الحوار تعرض لقضية الدعم، لكن لم يتطرق إلى مسألة رفعه أو ترشيده أو إعادة هيكلته»، معرباً عن اعتقاده بأن «الفريق الحكومي المشارك في الحوار لا يسعى إلى تسويق أفكار في شأن ترشيد الدعم من خلال هذا الحوار». وأضاف أنه اقترح أن يشمل الحوار ممثلي الفئات المحتجة والمضربة وتحديد آليات وجداول زمنية واضحة للتعامل مع مطالبهم، موضحاً أن الجانب الحكومي «مدرك لأهمية هذا الأمر، والواقع المجتمعي الذي تعيشه البلاد... ممثلو الحكومة أبلغونا بأنهم يبحثون عن آليات محددة للحوار والتواصل مع أصحاب المظالم». من جانبه، أشاد طارق الزمر بالدعوة إلى الحوار الوطني. وقال ل «الحياة» إن «هذا التحرك ينطلق من أرضية 25 يناير التي أوجبت الحوار بين القوى الوطنية للوصول إلى كل الخطط والقرارات الاستراتيجية، وفي تقديري أنه سينجح لأن وراءه إرادة سياسية تهدف إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة». وأوضح أنه تحدث عن «وجود فرصة للنهضة في المرحلة الحالية» ودعا إلى «التعبئة العامة» وحذر من «مخاطر الإعلام» الذي قال إنه «يسعى إلى التقسيم والشرذمة والطائفية». وأضاف: «أكدت ضرورة الانتهاء من الدستور، مهما كانت درجة الخلاف في شأنه لأنه لن يكون سوى دستور انتقالي وسنجد أننا بعد بضع سنوات في حاجة إلى دستور دائم، وأكدت ضرورة الاهتمام ببناء النظام السياسي الرشيد الذي يكفل الحريات ويضمن الحقوق، ودعوت إلى المصالحة الوطنية التي تنهي كل الخصومات من دون إهمال العدالة الانتقالية التي تستوفي حقوق كثيرة أهدرت على مدى 30 عاماً». وأضاف: «نبهت إلى خطورة إلغاء الدعم في المرحلة الراهنة، لأن البعض قد يستغله في إرباك المشهد السياسي». وسيستمر الحوار شهراً في محاولة للسيطرة على الأزمات التي تتفجر بين آن وآخر بسبب مطالب اقتصادية واجتماعية في الأساس، لكن الحكومة لم تعلن أي قوائم للمدعوين على مائدته أو مواعيد لجلساته، كما منعت الصحافة من حضوره. ويأتي انطلاق الحوار الوطني وسط انتشار الاحتجاجات الفئوية والإضرابات في قطاعات عدة وقبل أيام من انتهاء برنامج المئة يوم الأولى للرئيس محمد مرسي الذي قال تقرير حكومي رسمي إنه لم يؤت ثماره. وأعلنت حركة «شباب 6 أبريل» أمس أنها بصدد إعداد تقرير كامل عن البرنامج الرئاسي حول كل القضايا التي وعد مرسي بإنجازها خلاله، وهي تحسين الأمن والمرور وتوفير الطاقة والخبز ورفع القمامة من الشوارع. وقال الناطق باسم الحركة محمد عادل في بيان: «سيتم إعلان التقرير خلال أيام رداً على خطاب الرئيس في استاد القاهرة حول إنجازاته في المئة يوم الأولى». وأشار إلى أن الأرقام التي أعلنها مرسي عن إنجازاته «يجب أن تتم دراستها بدقة وتتبعها»، موضحاً أن التقرير الذي ستطلقه الحركة يأتي «في إطار محاسبة للرئيس على وعوده».