لم يُغلق البازار في طهران احتجاجاً على دفق شلالات الدم في سورية، ولا على ما يكابده النظام السوري من دون جدوى، لتحقيق «الحسم» الذي يستميت من أجله... ولم يُغلق البازار تضامناً مع «محور الممانعة» الذي بات على الخط الأول للزلازل، من دمشق الى بغداد فطهران. ولم يحتجّ كذلك على ارتدادات تمويل معركة النظام السوري، وتداعياته على اقتصاد دولة تعتبر ذاتها «دولة عظمى»، لا ينقصها سوى كشف أنياب نووية. هي «حرب» على الريال الإيراني، أغلقت متاجر طهران، ومَنْ لا تعنيهم هواجس حرب القوة الأميركية «الناعمة»، ولا تحدي نجاد «المؤامرة» النفسية، اصطدموا بفرق مكافحة الشغب. وبعيداً من التكهنات الإسرائيلية ب «ربيع إيراني»، بدا إغلاق البازار بشرى سارة للرئيس باراك أوباما، إذ يرفع حظوظه في ولاية ثانية بعد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، هو الذي لم يتراجع في مواجهة ابتزازٍ مارسه نتانياهو. أصر الأول على أن العقوبات بدأت تعضّ النظام الإيراني، فلتفعل فعلها الذي يغني عن الخيار العسكري وثمنه الباهظ. والحال أن نهج تشديد العقوبات لخنق الاقتصاد الإيراني، وتجفيف منابع تمويل أذرع النظام في الخارج، قد يكون الإنجاز الوحيد لإدارة أوباما في السياسة الخارجية. وواضح أن الثورة السورية التي فاجأت الجميع بمن فيهم الأميركيون، منحت أوباما الفرصة الذهبية لالتقاط «لحظة تاريخية»، تتيح لإدارته كل الظروف المواتية لتفكيك «محور الممانعة» من دون إطلاق رصاصة أميركية، أو إرسال «المارينز» الى بحر العرب وسواحل سورية. أسنان الإدارة في العقوبات، وأنياب العقوبات تلتهم العملة الإيرانية، فتؤجج صراعاً بين الرئيس المترنح محمود أحمدي نجاد، وخصمه رئيس البرلمان علي لاريجاني... يتراشقان بالاتهامات، ينزل الشباب إلى الشارع غاضبين للمرة الأولى منذ موت «الحركة الخضراء». وأما «الربيع الإيراني» الذي قد لا ينتظر الانهيار الكامل للريال، أو إفلاس «الدولة العظمى» المستبعد ما دامت طهران تستغل العراق قناة رديفة للحصول على العملة الصعبة... هذا الربيع قد يكون للمرشد علي خامنئي الوجه الآخر للعاصفة التي كان الرئيس بشار الأسد استبعدها لأن السوريين «ملتفون حول قيادتهم»! تموّل طهران برنامجها النووي، ومعركة إنقاذ النظام السوري، وإنعاش أصابعها على البحر المتوسط لتبقى على تماس مع إسرائيل. كثيرون من الإيرانيين باتوا بعيدين عن فرص العمل، وخط التماس مع احتياجاتهم المعيشية. سيعتبر نجاد أن صدامات المتظاهرين مع الشرطة في طهران جزء من «المؤامرة الكونية»، وأن أعداء بلاده يتسللون إلى عقول الإيرانيين عبر «فايسبوك» و «تويتر». يطمئنه خامنئي معترفاً ب «عقبات خطيرة»، ومعوّلاً على «صمود الشباب أمام الضغوط»... لعله يستعير من القيادة السورية رهانها على ما تسميه «صمود السوريين»، لكنه يزايد في اختيار نعوتٍ للغرب فيشبّهه ب «ديدان تمتص دماء الشعب»! ما لا يدركه المرشد هو ذاته ما عجز حلفاؤه عن الاعتراف به، ومثلما أثبتت شعارات «مقاومة الصهيونية» تهافُتها فيما الديكتاتوريات تتدرج في البطش بشعوبها، والصهيونية نائمة على حرير أعداء أغبياء... لا يمكن خامنئي إقناع الشبان المتظاهرين في طهران بأن «ديدان الغرب» هي التي التهمت عملتهم. قنابل الشرطة مسيلةٌ للدموع في طهران، تطمينات وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي في بغداد حول التعاون في الأمن الإقليمي، مجرد دخان لإخفاء أزمة بين الحليفين، بسبب تفتيش طائرة إيرانية عبرت أجواء العراق إلى سورية. وقد لا يكون مبالغة ترجيح إصرار إيراني على جر بغداد علناً إلى الصراع على سورية، من خلال طلب وحيدي تطبيق الاتفاقات الدفاعية والأمنية الإيرانية- العراقية. وإذ يجد نوري المالكي نفسه بين فكي كماشة، إيراني وأميركي، فالسؤال هو كم تصمد حكمة المرشد أمام «ديدان» الغرب وحرب العقوبات «النفسية»، قبل أن يصبح المالكي في موقع «حزب الله» الحائر إزاء مصير النظام السوري. إيران ليست سورية، لكن الربيع وخريفه عابران للحدود، والذين انتظرهم نجاد في الخليج ومضيق هرمز ما زالوا يراهنون على أنياب الحظر النفطي.