شعوب الشرق الأوسط، وعدد كبير من حكوماته، لم تصدق بعد أن عهد الرئيس جورج بوش انتهى. وتتصرف على أساس أن الولاياتالمتحدة ما زالت في مرحلة الحماقات والمغامرات العسكرية التي أغرقت المنطقة في الفوضى. يعزز هذا الشعور أن الإدارات الأميركية المتعاقبة جمهورية كانت أم ديموقراطية، تعاملت مع هذه الشعوب باحتقار، بكثير من الاحتقار. وأن الرئيس الأميركي، اي رئيس، يخضع لتوازن مؤسسات يتحكم بها الكونغرس وشركات السلاح واللوبيات المختلفة. ترجم هذا الشعور عملياً في الانتخابات الإسرائيلية، ثم الإيرانية. الإسرائيليون أوصلوا الأشد تطرفاً إلى الحكم ليعيدوا إحياء الصهيونية، على أمل شن حروب جديدة، انتقاماً لهزيمتهم في لبنان، ولاستعادة هيبة جيشهم وقدرته الردعية، موقنين بأن واشنطن لن تخذلهم، ولن تقطع شريان الحياة عنهم. اعتادوا ذلك منذ تأسيس الدولة، حتى أنهم لا يفرقون بين قدرتهم وقدرة الدولة العظمى الوحيدة في العالم. اعتادوا أن يجاريهم البيت الأبيض في كل ما يفعلون. في الحروب ومصادرة الأراضي وارتكاب المجازر واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. في المراوغة والتهرب من عملية السلام. في مخالفة القرارات الدولية. في التعمية على سلاحهم النووي. في تدميرالمفاعل العراقي في مطلع الثمانينات، وضرب موقع سوري، منذ مدة، إلى آخره. هذا في إسرائيل. أما في إيران فجدد الشعب لأحمدي نجاد الموصوف بالتطرف، وخذل الإصلاحيين الساعين إلى تغيير نمط الحياة السياسية والإجتماعية، عبر العلاقات مع الغرب، خصوصاً مع الولاياتالمتحدة، معتبراً هذا االتوجه ضد الثورة الإسلامية وأسسها، مثلما أرساها الخميني. تحركت كل مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، من الباسيج إلى الحرس الثوري دفاعاً عن الإنجازات. آمنت الغالبية بطروحات المرشد علي خامنئي وطروحات نجاد: أميركا تتراجع في العراق. تحاول التخلص من المستنقع العراقي. تغرق في المستنقع الأفغاني. تخوض حرباً مباشرة مع «طالبان»، وحرباً بالواسطة في باكستان. حليفتها في الشرق الأوسط، أي إسرائيل تشعر للمرة الأولى بخطر وجودي. لماذا نقدم تنازلات. فلتبدأ واشنطن البازار إذا أرادت مساعدتنا، ولتدفع الثمن. أحمدي نجاد خير من ينفذ فليكن هو الرئيس وليكمل المسيرة، مع المرشد. في معظم عالمنا العربي ليس للشعب صوت يقيل هذا المسؤول المتطرف أو ينصب ذاك الساعي إلى التغيير عبر التقرب من الغرب، عدا لبنان الذي شكل مختبراً لتوجهات واشنطن في عهد بوش وبعده. انتخب رئيسه في الخارج ثم وافق عليه البرلمان، وانتخب مجلسه النيابي ليسجل الاعتدال العربي نقاطاً، وسينتهي به الأمر إلى تشكيل حكومة «لا غالب ولا مغلوب»، طالما كان الأمر يفيد اللاعبين الأساسيين. جميع العرب في مأزق، إذا شاؤوا المحافظة على هذه الهوية. عرب الاعتدال يعتبرون أنفسهم بين تطرفين. بين إيران أحمدي نجاد وإسرائيل نتنياهو وليبرمان. الاختيار بينهما صعب. عرب الممانعة يراهنون على التعنت الإسرائيلي للتخلص من المقولة الرائجة ان إيران هي العدو وليست إسرائيل. جاءتهم النجدة من نتانياهو شخصياً. رفض حل الدولتين. ألقى مسؤولية اللاجئين على الدول المضيفة. اشترط اعتراف العالم كله بنقاء الدولة اليهودية. وبدأت مؤشرات التراجع الأميركي باكراً. البيت الأبيض رحب بطروحاته. فرنسا اعتبرتها إيجابية. الباقون سيكررون الموقف ذاته. كل الخوف الآن أن يتحول ما خيل لبعضهم أنه مأزق إسرائيلي، ومأزق إيراني في مواجهة طروحات أوباما السلمية، إلى أزمة عربية - عربية، خبت لبعض الوقت، تريح نتانياهو وتساعده في تكريس طهران عدواً «مشتركاً» لليهود والمسلمين.