لا تجد إيران عذراً لروسيا منذ إقرار مجلس الأمن آخر رزمة من العقوبات على الجمهورية الإسلامية، سوى كونها معها في قارب «الضحية». إذ تعتبر موسكو ضحية «التلاعب» الغربي، فيما هي «الضحية» الكبرى ل «المؤامرة» الأزلية التي لم تتوقف فصولها منذ 1979. ومثلما يثير ما وراء أكمّة البرنامج النووي الإيراني، الكثير من المخاوف والريبة في المنطقة والخليج تحديداً، كذلك كان وقع التمني المبطن على لسان قائد «الباسيج» الذي قال: «لو امتلكنا في الثمانينات جهوزيتنا الحالية، لفتحنا بغداد عشر مرات». وواضح أن طلقة القائد الطائشة أصابت من المنطقة أكثر مما نالت من قوات «الاستكبار» الغربية وأساطيلها التي لم يرعِبها بعد تهديد الرئيس محمود أحمدي نجاد ب «قطع الأيدي». وبصرف النظر عن «زلة» لسان قائد «الباسيج»، ووعيد نجاد بواقعة ملحمية مع مَن سيتجرأ على ضرب إيران، فالواقع الذي لا يمكن تغييبه، أن الرئيس الإيراني إذ يقتدي بعنتريات صدام حسين يحاول «خطف» المنطقة درعاً للردع، وتفادي السيناريو العسكري. يحاول المكابرة أيضاً برفض الاعتراف بالآثار المؤلمة للعقوبات الدولية والأميركية – الأوروبية، لكن زلة لسان أخرى لرئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي الذي أقر باحتمال لجم العقوبات البرنامج النووي لبلاده، أكبر من عبث إخفائها بشعارات باتت مملّة للإيرانيين أكثر من سواهم. ورغم تبسيط المرشد علي خامنئي معضلة الارتياب، باتكائه على تحريم السلاح النووي، فالسؤال الذي ما زال «محيّراً» للمنطقة هو لماذا تمتنع طهران عن التعامل مع دول الضفة الأخرى للخليج باعتبارها معنية أيضاً بمضاعفات أزمة برنامجها النووي، أياً تكن الحلول أو السيناريوات المتشائمة... فيما تُنصّب إيران نفسها وصياً على أمن الخليج؟ بداهة، تتبدد تلك الحيرة في حال وحيدة، أو بجواب وحيد لا يترك مجالاً رحباً للاطمئنان الى نيات، بينما لا تكف طهران عن التهافت على «أساطير» من نوع انتظار اللحظة الفاصلة لحسم المواجهة مع الغرب «المتآمر» على عملاق، باتت إعادته الى القمقم مستحيلة... والتهافت على خرافات مثل بطولة عالِم زعم أن واشنطن خطفته وتركت له حرية بث أشرطة تلفزيونية في طهران انطلاقاً من الأراضي الأميركية! وبافتراض قدرة إيران على قراءة التاريخ القريب، ورسائل العقوبات، الأوْلى ان تقلق من اقتراب الاحتمالات السيئة، بدلاً من الغرق في وهم احتكار القدرة على توجيه رسائل الى الخصوم، وفي طليعتهم الأميركيون. ألم يكن الأول من نوعه، تلميح الرئيس باراك أوباما الى ان الضربة العسكرية الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، احتمال وارد، لذلك لن تكون إلا بعلم واشنطن؟ كم مرة أرجأ الروس استكمال تشييد مفاعل بوشهر، وكم صفقة عسكرية مع طهران جمدوها (آخر مثال الصواريخ)؟ أليس نموذجاً صارخاً للارتباك الإيراني توجيه تحذير مبطن الى الروس من إبرام صفقات مع الولاياتالمتحدة لا ترضي نجاد ولا خامنئي، ثم توقيع اتفاق في موسكو بعد ساعات لتزويد طهران مشتقات نفطية؟... اتفاق تجيزه الحكومة الروسية لعله لا يدوم طويلاً قبل ان يعطله الكرملين، بذريعة التزام العقوبات الدولية. ألم يكن نجاد نفسه هو الذي اعتبر القوى الكبرى في مجلس الأمن – وروسيا بينها – «أقزاماً» توعدهم بدروس لا تُنسى؟ نسيت طهران درس غزو العراق، بل لعلها توهمت ان الأميركيين لم يطيحوا صدام حسين إلا ليمكّنوها من ثأر قديم (حرب السنوات الثماني). قد تراهن اليوم على تراجع شعبية أوباما في أميركا، وتصوِّره انتصاراً لها، من دون التفات الى مغزى شعبيته الأولى كقائد للقوات المسلحة. إنها سياسة الترويج للثأر، بلا سياسة... ولكن كم تصمد، فيما تتجمع مؤشرات الى رغبة الخصوم في إنهاء مرحلة الجبهات المتنقلة، ولو عبر حرب كبرى؟